تصفية الناشط نزار بنات جريمة تستوجب المحاسبة والعقاب

=

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

صباح يوم الخميس الماضي الموافق 24 حزيران الحالي ضج الشارع الفلسطيني حزنا والما وسخطا شعبيا بقطاعاته الواسعة على خبر وفاة الناشط الاجتماعي والمعارض السياسي نزار بنات 43 عام ( اب لخمس اطفال ) اثناء عملية اعتقاله من قبل قوة أمنية فلسطينية من بيته في دورا الخليل في الهزيع الأخير من الليل الساعة 3,30 بعد خلع الابواب بالعبوات المتفجرة في محاكاة لطريقة ( الاعتقال الهمجي التي يمارسها جنود الاحتلال ) حيث ضربوه بشكل مبرح وعنيف و ( انهالوا على رأسه بعتلاتٍ حديديةٍ وبأعقاب البنادق والمسدسات الثقيلة وسحلوه وجروه بقوةٍ بدون ملابسه ثم اقتادوه الى أحد المقرات الامنية وهناك بعد ساعاتٍ قليلة على اعتقاله فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها بسبب الاهانة والتعذيب ليطمئنوا إلى صمته وسكوته الأبدي وليردعوه غيره ويسكتوه وسواه

وكل ذلك وفقا لشهادات المتواجدين معه لحظة اعتقاله ما يعني ان ما تعرض له نزار هو جريمة تعذيب أفضت إلى الموت حسب أقوال الطبيب الذي عاين جثته كما انها تصفية شخصية واغتيال سياسي تتحمل سلطة رام الله المسؤولية السياسية والأخلاقية والجنائية الكاملة فيها وهو ما دفع المئات من المواطنين إلى الخروج الحاشد في مظاهرات واسعة بمدنيتي رام الله والخليل ترافقت برفع كبير لسقوف الشعارات التي هتفوا بها والمطالب التي ناشدوها

والتي كان من ابرزها ( المطالبة بضمان حريات التعبير والراي بكل الوسائل وقبول الانتقاد البناء والعمل عليه ومنع تكميم الأفواه وتجاوز للقوانين والعمل العاجل على اقالة الحكومة وإحالة رؤساء الأجهزة الأمنية إلى التقاعد واحترام حقوق الانسان الفلسطيني وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة دولية أو من شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة والاستقامة تعلن نتائج تحقيقها في مؤتمر صحفي للجمهور الفلسطيني تحدد فيه المسؤوليات عن عملية الاغتيال ومساءلة ومحاسبة جميع المسؤولين والأطراف التي شاركت في هذه الجريمة الأليمة مهما كانت موقعهم وان الطريق لتحرير فلسطين يبدأ بتحريرها اولا من اتفاقيات أوسلو والتزاماتها وسلطاتها المسماة بالسلطة الفلسطينية )

مما يفرض على سلطة رام الله جديا النظر بطريقة مختلفة في معالجة اثار وتبعات هذه الجريمة النكراء ( القتل العمد ) بعيدا عن اساليب العنف والترهيب والقمع للمحتجين من المواطنين الغاضبين كما حصل في ( دوار المنارة ) الذي قال عنه الرئيس محمود عباس ايام الربيع العربي انه اذا خرج شخصان فقط على دوار المنارة وطالبوه بالرحيل سيرحل وكما يجب ان تكون الرؤيا السياسية أكثر بعدا عن دهاليز لجان التحقيق الحكومية الشكلية والتي لا تصل الى أي نتائج حقيقية مقنعة وصادقة خاصة في ظل عدم ثقة المواطنين المطلقة برجالات الطبقة التنفيذية والأمنية والسياسية الحاكمة في رام الله بحكم العديد من التجارب الفاشلة
السابقة

اجهزة السلطة الفلسطينية من واجبها حماية أرواح المواطنين المعارضين منهم قبل الموالين وعملية الاعتقال الاستبدادية التي تعرض لها الراحل نزار بنات بعد تعرض منزله الى اعتداء بالرصاص اضافة الى سلسلة طويلة من المضايقات والتهديدات والملاحقات والانتهاكات وبما فيها من تعدي صارخ على حقوق الإنسان والمساً س الخطير بكرامة المواطن الفلسطيني والازدراء المشين لحرية التعبير والحق في المشاركة الفاعلية في رسم السياسيات العامة وإدارة الشأن الوطني باعتبارها حقوق دستورية مقدسة لكل مواطن فلسطيني الا ان اغتيال الناشط نزار بنات يشكل شكل في مضمونه رسالة قوية لكل من يعارض سياسات السلطة الحاكمة حتى ولو كان عبر الوسائل السلمية المشروعة

ربما كان الجرم الوحيد الذي ارتكبه الفقيد نزار بنات ولم يستطيعوا تحمله انه وفي أكثر من مرة حذر السلطة الفلسطينية من مغبة الاستمرار في خداع الشعب وظلمه والكذب عليه والإساءة إليه وبيعه الوهم وتجريعه الألم والإمعان في ظلمه والإصرار على قتله والاستمرار في التعاون والتنسيق مع عدوه والمتاجرة بحقوقه وممتلكاته والتفريط في حاضره ومستقبله والتنازل عن وطنه ومقدساته اضافة الى رفضه الصمت على الاخطاء والانتهاكات وأسراره على مواقفه منها وفضحه للفساد وحواضنه المستشرية علنا في معظم اطر وكوادر ودوائر السلطة الفلسطينية وتعريته رجالاته في المستويات العليا الذين يتعاملون مع اسرائيل ويعملون في خدمتها وبما عرف عنه من سلاطة لسان ولغة حادة ومباشرة وقبل ايام قليلة من اغتياله تحدث بصراحة وجراءة لافتة عن وجود تلاعب في صحة الشعب من خلال صفقة ( مطعوم فايزر الفاسد ) مع الاحتلال والجميع يدرك ان دمه اريق فقط ( ثمنا لمواقفه ورايه وكلماته ) ليصبح اول فلسطيني يقتل على يد فلسطينية لمجرد انه صرخ برايه وحقه بالحياة والحصول على ما يستحق من قيادته وفي وطنه فهل بذلك أجرم في حق شعبه إذ ساعده في كشف الحقائق وإماطة اللثام عن الفساد والجرائم وهل يستحق هذا القتل البشع والخاتمة الأليمة أمام زوجته وأولاده وعلى مرأى من أهله وجيرانه

لهذا قان اعتقال الناشط نزار بنات ووفاته بعد اعتقاله يجب التوقف عندها طويلا فهذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة الجرائم المرتكبة بحق المعارضين وأصحاب الرأي وان محاولات السلطة التهرب من مسؤولية الجريمة وإحالتها للجنة تحقيق تشكلها الحكومة تحمل دلالات مهمة وهي أن الاعتقال والتعذيب والملاحقة جميعها أدوات لا تستطيع الاستغناء عنه كوسيلة للاستمرار في تكميم الأفواه وخنق الحريات وان جريمة تصفية نزار بنات المروعة تستوجب التحقيق والمحاسبة والعقاب لكل المسئولين والمتسببين بجريمة مقتله خاصة وانهم من قبل كانوا قد أطلقوا على بيته النار وحذروه وأرسلوا له رسائل التهديد وتوعدوه بالكف عن المعارضة والتشهير وطالبوه بالصمت وإلا قتلوه

الراحل نزار بنات شهيد الكلمة رجل صاحب راي وطني شجاع وهو اغلى بكثير من ان يقتل ويصفى على حروف لغته القاسية حد الازعاج وغير المقبولة عند البعض من مسؤولي رام الله وان مقتل فلسطيني واحد على أيدى قوات الامن الفلسطينية يعادل مقتل مئات الفلسطينيين على أيدى قوات الاحتلال

لقد تحول نزار بنات بعد مقتله من رئيس لقائمة انتخابات صغيرة ومن شخص يقول رايه عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى ايقونة وطنية وشعبية حرة حيث استطاع بموته ان يجعل كل الشعب مؤمنا بقضيته والكثير ممن لم يكونوا يعرفونه سيذهبون لسماع ما كان يبثه ويقوله ويخيف به اجهزة السلطة وهم يتذكرون ان الرئيس عباس لو لم يلغي الانتخابات لكانت قائمة ( الحرية والكرامة ) التي يرأسها نزار بنات على رأس القوائم ولربما قبل قائمة حماس والجهاد وفصائل المقاومة

على قيادة السلطة في رام الله وحكومتها واجهزتها الامنية ان يدركوا جيدا بان واقع فلسطين يشكل حالة استثنائية في الوطن العربي والمنطقة يتوجب معها ان تكون بعيدة عن كل ممارسات الاعتقال السياسي بحكم انها تخضع لاستعمار استيطاني واقتلاعي وان الشعب الفلسطيني لا زال يعيش قضية تحرر وطني تحتاج الى مزيد من الكفاح والنضال والوحدة الوطنية الشاملة لكن في المتابعة نجد بان النظام السياسي القائم في رام الله ينزع نحو التفرد بالسلطة والاعتقال التعسفي المنهجي بحق النقاد وأصحاب الرأي المختلف والمعارضين بسبب رأي معارض أو تظاهرة بطرق سلمية والتضييق عليهم لوقف نشاطاتهم ومعاقبتهم وإهانتهم واستخدام وسائل التعذيب المختلفة بحقهم وهو ما وثقته العديد من المؤسسات ومراكز الدراسات الحقوقية المحلية والدولية

الاعتقال السياسي المتكرر في هذه المرحلة في بقايا وطن سرقه الاحتلال اسمه فلسطين يسيء إلى تاريخ الشعب الفلسطيني ونضالا ته المشهودة كما يعتبر ضرباً للهوية الوطنية الفلسطينية واضطهاداً فكري لقوى المجتمع الحية اصبح معه يعيش الشعب الفلسطيني حالةً من عدم الثقة بالقيادة الفلسطينية ويزداد غضب المواطنين الذين ليسوا بحاجة الى مزيد م القهر السياسي والضغط النفسي حيث أصبح أكبر من قدرة الناس على الاحتمال وإن استمرار هذه الممارسات القمعية هي إضافة لمعاناة الفلسطينيين من الاحتلال الصهيوني وما تتعرض له قضية فلسطين من خطر الضم والتصفية

لم يبادر حتى الساعة احدا من المسؤولين في السلطة الفلسطينية بتقديم واجب التعزية لعائلة المذبوح علنا دما وصوتا نزار بنات رغم غضب وسخط كل الشعب بما فيهم العديد من كوادر وقواعد فتح مفجرة ثورة الفلسطينية على ما حدث من مقارعة للحجة بالقتل والتصفية الجسدية وهو الاسلوب المجرب الذي لن يثني اصحاب الراي عن رايهم بل قد يدفعهم الى تنفيذ ما يريدون قوله بتحدي وقوة وشدة ما داموا سيدفعون حياتهم ثمنا له وان تصفية نزار بنات ليس جزء من الحل في غياب اسس المسائلة والمحاسبة والعقاب

هذا الاغتيال للناشط نزار بنات وبهذه الطريقة البشعة هو جريمة نكراء مدانة متكاملة الأطراف والأبعاد والغايات وهي انعكاس واضح للسياسة القمعية والدموية التي تنتهجها سلطة رام الله لتصفية الحسابات مع المعارضين والمناهضين لنهجها السياسي المتخاذل والتنسيقي مع الاحتلال من خلال اطلاق يد اجهزتها الأمنية بكل الوحشية لتعتقل وتسجن وتلاحق وتغتال الناشطين والمعارضين وتقتل المدنيين وتمارس البطش والعنف والملاحقة وقمع المظاهرات والاحتجاجات كما يفعل الاحتلال بأسلوب ( عصابات المافيات ) من هنا قان الواجب الوطني والأخلاقي يحتم على الجميع إدانة واستنكار هذه الجريمة والعمل بكل وسائل الضغط الشعبي والسياسي والقانوني لفتح تحقيق جدي ومحايد ومهني وشفاف وموضوعي لمسائلة كل من كان له دور في محاولة تكميم الأفواه وتقييد حرية الرأي مهما كان موقعه وفي المحصلة معاقبتهم بشدةٍ ومحاسبتهم بلا رحمةٍ والإصرار على استقالة كبيرهم وصغيرهم فلا مكان لهم بين ابناء شعب فلسطين ولا سيادة لهم عليهم ولا سمع ولا طاعة لهم منهم

على سلطة الرئيس محمود عباس ان تعي دروس التاريخ وتتذكر حوادثه بوعي وعظة حيث كان لموت خالد سعيد تحت التعذيب فى مصر عام ٢٠١٠ دورا كبير في التعبئة لثورة يناير كما كان موت محمد البوعزيزى تحت القهر هو الشرارة التي فجرت الثورة التونسية وقد ادى استشهاد الطفل محمد الدرة فى سبتمبر ٢٠٠٠ برصاصات صهيونية مجرمة وغادرة الى انفجار الغضب الفلسطيني واشتعال الانتفاضة وقد شهدت معظم مدن فلسطين بعد شيوع نبأ مقتل الناشط نزار بنات مظاهرات شعبية ضخمة رفعت لأول مرة فى تاريخها شعار ( الشعب يريد اسقاط النظام ) أسوة بالشعارات التي رددتها الجماهير العربية الغاضبة إبان الثورات العربية اليس في ذلك خطر كبير ينبغي التنبه اليه بعقلانية وحكمة بالغتين خاصة وان هذا الشعار لم يصدر في هذه المرة من غزة ولا من فصائل المقاومة التي تكرهها السلطة وتعاديها وانما صدر من جماهير الشعب الفلسطيني الغاضبة في عمق مدن وقرى الضفة الغربية

موت الراحل نزار بنات على أيدى اعوان الاحتلال داخل السلطة الفلسطينية وبما شكله من ردود فعل ساخطة وغاضبة بين الأوساط الشعبية والجماهيرية والسياسية والحقوقية والفصائلية الفلسطينية الحقيقة لقد اخطئوا بظنهم أن دم نزار سيجف بعد لحظات وأن صوته سيصمت بعد ايام وأن نقده سيتوقف للابد أو أن معارضته ستنتهي بلا رجعة ونسوا بان كل الأحرار من ابناء الشعب الفلسطيني موحدين في مواجهة الاحتلال والفساد والمجاهرة ضد الفاسدين ولا قبول لديهم لأي حجةٍ أو تبريرٍ ولا طي لصفحة الجريمة حتى لو كانت حياتهم جميعا معرضه للخطر والموت من أعداء الحرية و ازلام الفساد الوجه الآخر للاحتلال وان محاربتهم للفساد ستبقى بمنزلة محاربة الاحتلال

رحمة الله على الشهيد نزار بنات الخالد روحاً ونفسا في قلوب وضمير احرار فلسطين صاحب الصوت الصادح المجلجل والكلمة الحرة الأمينة والموقف الجريء الشجاع والتحدي الثابت الصارخ فدعوتك لن تموت وثورتك لن تهدأ وفكرك لن يموت وعظم الله أجر عائلته وشعب فلسطين
mahdimubarak@gmail.com