أم الجمال أيقونة صحراوية ملقبة بـ«الواحة السوداء»
أم الجمال مدينة رومانية أثرية تقع بالقرب من مدينة المفرق على مقربة من الحدود السورية الأردنية في أقصى شمال الأردن، وتتميز باروع البوابات الحجرية وهي تعرف باسم «الواحة السوداء» وذلك لما بها من أعداد كبيرة من الأحجار البركانية السوداء.
بُنيت المدينة على طرف أحد الأودية التي تنحدر من جبل الدروز باتجاه الجنوب الغربي، ويعد هذا الوادي حدّاً فاصلاً بين الحرّة السورية التي تمتد من الأزرق جنوباً حتى مشارف دمشق ومن وادي مقاط شرقاً حتى أم الجمال غرباً بعمق يتجاوز 200 كم .وقد بُنيت هذه المدينة على طرف الوادي لكي يُؤمن لها الميّاه كعامل أساسي للاستقرار حيث توجد فيها عشرات البرك وخزانات المياه والآبار المحفورة على أطراف الوادي والتي لا يزال قسماً منها صالحا للاستعمال حتى اليوم.
في العصر الروماني المبكر استُخدمت أم الجمال وأعيد بناؤها من جديد في بداية القرن الثاني الميلادي عبر بناء مدينة تبلغ مساحتها 5500 دونم مسورة ولها سبع بوابات، ومنها ثكنتان عسكريتان، وفي العصر البيزنطي تم الكشف عن وجود سبع عشرة كنيسة، بالإضافة إلى المنازل والمقابر وغيرها.
تحيط بها المزارع الخضراء التي تعتمد في ريها على الآبار الجوفية والتي تضفي لونًا طبيعيا يكسر سمرة المكان، وجفاف الصحراء. وتعتبر أم الجمال إحدى المدن العشر في حلف الديكابولس الذي أقيم أيام اليونان والرومان، وكان يضم عشر مدن في المنطقة الواقعة عند ملتقى حدود الأردن وسورية وفلسطين.
سر التسمية
لأن هذه المدينة تقع على مشارف الصحراء ولوجود العديد من الخانات والساحات الواسعة في وسطها والتي بقيت شاهداً على عظمة المكان ودورها المهم في التجارة والأمن لعدّة قرون كانت سببًا في تسميتها بهذا الاسم وأيضًا من بين أسباب تسميتها بأم الجمال كثرة الإبل حولها في بداية القرن العشرين وما سبقه نظراً لخصوبة المنطقة المحيطة بها، واشتهار القبائل القاطنة فيها بتربية الإبل واسطة النقل التجاري والحربي الرئيسة في العصور القديمة.
أمّا الاسم القديم للمدينة فلا يُعرف حتى اليوم إذ لا يُذكر اسمها الحديث في أيِ من المصادر التاريخية السابقة، كما أن الكتابات القديمة التي اكتشفت بين أنفاقها لا تورد اسمًا للمكان يمكن أن يقارن بها، على الرغم من كثرتها وتنوع خطوطها ولغاتها.
تاريخ عريق
يرجع تاريخ هذه المدينة إلى العصر النبطي الروماني البيزنطي. وقد بـُنيت هذه المدينة في إحدى مستوطنات النبطيين القديمة من الطوب البازلتي الأسود المدعم بقوالب مستطيلة من البازلت وازدهرت في القرن الأول قبل الميلاد.
اشتهرت تاريخيًا أنها كانت ملتقى للطرق التي ربطت فلسطين والأردن بسورية والعراق. حيث أنها تقع على طول طريق تراجان وتشكل محطة في منتصف هذا الطريق الذي يصل بين عمان والبصرة أو دمشق والبصرة. ومن الأزرق عبر وادي السرحان إلى الجزيرة العربية التجاري.
تعتبر إحدى المدن العشرة في حلف الديكابولس حيث كانت تعرف باسم (كانثا) الذي أقيم أيام اليونان والرومان، وكان يضم عشر مدن في المنطقة الواقعة عند ملتقى حدود الأردن وسوريا وفلسطين.
يعتقد أن الأمويين سكنوا هذه المدينة وبشكل كثيف. ويبدو أن هذه المدينة تعرضت لزلزال قبل أن ينتقل مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد إبان الخلافة العباسية مما أدى إلى هجرها تدريجيًا.
وفي العام 557 ميلادية، جرى حدث تاريخي في مدينة أم الجمال تمثل بتدشين كاتدرائية المدينة، فجاءت وفود من مختلف الأبرشيات المجاورة في الأردن وسوريا وفلسطين للمشاركة في حفل التدشين حيث أم الجمال كانت آنذاك في أوج عزها ومجدها، وقد ذكرت خريطة الفسيفساء في مادبا مدينة أم الجمال وكاتدرائيتها والمدن والمراكزوبينت ما كانت تتمتع به من الأهمية في الصحراء الأردنية.
وعلى الرغم ما تعرضت له أم الجمال كغيرها من المناطق العمرانية في جنوب سوريا إلى الزلزال المّدمر في عام 551 م ووقوعها تحت وطأة الحكم الفارسي بعد احتلال بصرى عام 614 م من قبل الفرس، فإن المدينة شهدت ازدهارًا عمرانيًا وبشريًا مهمًا خلال الفترة البيزنطية حيث شيدت فيها ثلاث عشرة كنيسة مهمة بعضها يتكون من أكثر من طابق؛ ما يؤكد على أهمية المدينة الدينية في ذلك العصر ويشهد برخاء اقتصادي سمح بتدشين العديد من دور العبادة الضخمة تلك.
ولم يتوقف بناء الكنائس وترميمها في العهد الأموي بل احتفظت المدينة بدورها التّعبدي والاجتماعي كما هي الحال في أم الجمال وغيرها من المدن والبلدات الأخرى إبان الفترات الإسلامية حيث تشهد العديد من الكتابات اليونانية التي تؤرخ لبناء الكنائس الإسلامية أو إعادة ترميمها إلى أن السكان المسيحيين في المنطقة كانت لديهم الحرية في إنشاء تلك الكنائس على الرغم من دخولهم تحت ظل الدولة الإسلامية. وتؤكد الحفريات التي أجريت في مبنى الحاكم الروماني بأنه قد استخدم في الفترة الأموية وأضيفت إليه حمامات خاصة به؛ ما يؤكد إلى جانب غيره من الأدلة على بقاء المدينة مزدهرة في العهد الأموي إلى ان ضربها الزلزال المدمر الذي شهدته المنطقة عام 749 م.
الدستور
التعليقات مغلقة.