القضية الفلسطينية مفتاح للعدالة والسلام العالمي // د. باسم القضاة
أن القضية الفلسطينية ليست فقط قضية محلية، بل هي مفتاح للعدالة والسلام العالمي. فبدون تحقيق سلام عادل وشامل لفلسطين، يبقى العالم عاجزاً عن تحقيق السلام الحقيقي.
السلام في فلسطين ليس مجرد غياب للصراع، بل هو استعادة الحقوق، الكرامة، والحرية لشعب عانى لعقود من الاحتلال والتهجير. إنه إنهاء للحصار، ولجروح الأجيال التي حملت عبء المعاناة، وتجديد للأمل في مستقبل تتساوى فيه جميع الشعوب في الإنسانية والعدالة.
تحقيق السلام في فلسطين يتطلب إرادة دولية صادقة، ودعماً مستمراً من الشعوب حول العالم، لأن القضية الفلسطينية تمثل اختباراً للضمير الإنساني. لن يكون هناك استقرار حقيقي في العالم ما دامت هذه القضية تُهمَل أو تُستَغل سياسياً.
“لا سلام عالمي بدون سلام فلسطين” ليست مجرد عبارة، بل هي دعوة للعمل، للتضامن، ولإعادة النظر في مفهوم السلام الذي لا يمكن أن يتحقق بوجود الظلم والاحتلال.
عبارة “اكذب واكذب حتى يصدقك الناس” تُنسب عادةً إلى جوزيف غوبلز، وزير الدعاية في عهد النازية، وتُستخدم للإشارة إلى قوة التكرار في ترسيخ الأفكار الخاطئة أو الأكاذيب حتى تصبح وكأنها حقائق.
لكنها تُعد تحذيراً من أساليب التضليل وليست نصيحة تُتبع. الحقيقة دائماً أكثر قوة وأثراً من الأكاذيب، حتى لو استغرقت وقتاً أطول للظهور.
عبارة “اكذب واكذب حتى يصدقك الناس” تعكس أحد أساليب التضليل الإعلامي التي استخدمت عبر التاريخ، وهي من الأسس التي اعتمدتها الحركة الصهيونية والدعاية المرتبطة بها في الترويج لفكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وهي كذبة تأسيسية لتبرير الاحتلال وقيام ما يسمى بـ”دولة إسرائيل”.
هذه الفكرة تم دحضها تاريخياً، حيث كانت فلسطين مأهولة بشعبها الذي يمتلك ثقافته وتاريخه الممتد لآلاف السنين. استخدام الأكاذيب والتكرار في الدعاية الصهيونية ساهم في تغيير سردية القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، لكنه لم ينجح في طمس الحقيقة لدى الشعوب العربية والعديد من الحركات الحرة حول العالم التي تعترف بحق الفلسطينيين في أرضهم.
ما يميز الحقائق أنها مهما طُمست لفترة، تعود للظهور بقوة، كما يحدث اليوم مع استمرار الشعب الفلسطيني في نضاله لإثبات وجوده وحقوقه التاريخية.
من خلال مسار تاريخي طويل، حاولت العديد من القوى الاستعمارية والأيديولوجيات المختلفة فرض روايات مغلوطة أو مشوهة، سواء عبر الدعاية أو العنف أو التضليل السياسي، بهدف تحويل الأنظار عن الحقيقة والتغطية على الاحتلال والاستيطان. ففي حالة فلسطين، كانت الأسطورة التي تم ترويجها حول “الوجود الإسرائيلي” تُصور على أنها عودة “شعب” إلى أرضه، رغم أن هذا الشعب لم يكن غائبًا بل كان يشكل أغلبية سكانية في فلسطين لآلاف السنين.
لكن الحقيقة كانت، ولا تزال، أن فلسطين كانت ذات هوية عربية فلسطينية قوية، مع مجتمع يعيش على أرضه، يبني حياته ويشيد ثقافته. ورغم ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تهجير ومذابح وتغيير في التركيبة السكانية، فقد كانت هذه الأساليب التوسعية فاشلة في محو الهوية الفلسطينية.
الوعي العالمي اليوم بدأ يتغير بشكل أكبر، مع انتشار الصور والمعلومات من مناطق الصراع والاهتمام الدولي المتزايد بالقضية الفلسطينية، مما يفتح المجال أمام جيل جديد من الأفراد والمجتمعات لفهم الصورة الكاملة. المقاومة الفلسطينية المستمرة، سواء عبر الكفاح السياسي أو المدني أو المسلح، تعكس حقيقة أن الأرض لا تنسى أهلها مهما طال الزمن، وأن الأمل في التحرير والعدالة قائم.
في النهاية، الأكاذيب التي تم ترويجها لتبرير الاحتلال الإسرائيلي لم تعد قادرة على إخفاء الحقيقة. إذ أن الفلسطينيين، بمختلف فئاتهم وأعمارهم، يسعون اليوم جاهدين لاستعادة أرضهم وهويتهم، وتوثيق هذه الحقيقة للأجيال القادمة.
للأسف، هناك بعض العرب، سواء على المستوى السياسي أو الفردي، الذين يدعمون أو يتغاضون عن الأكاذيب التي قامت عليها ما يسمى بـ”دولة إسرائيل”، لأسباب متعددة. هذه الأسباب تختلف من شخص لآخر أو من نظام لآخر، وتشمل:
1. مصالح سياسية أو اقتصادية:
بعض الأنظمة أو الأفراد يسعون لتحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية، سواء عبر التطبيع أو التعاون مع الاحتلال، معتقدين أن ذلك يخدم مصالحهم على المدى القريب، دون اعتبار للقضية الفلسطينية أو تداعيات ذلك على الشعوب.
2. الضغط الدولي:
هناك من يخضع للضغوط الأمريكية أو الغربية التي تمارس نفوذها لدفع الدول إلى التطبيع أو التخفيف من دعم القضية الفلسطينية، تحت ذريعة تحسين العلاقات مع القوى الكبرى أو تجنب العقوبات.
3. الخوف من المواجهة:
في ظل الظروف الحالية، يخشى البعض مواجهة إسرائيل أو دعم المقاومة الفلسطينية، معتبرين أن الاصطفاف مع القوي سياسيًا أكثر أمانًا من مواجهة الاحتلال وجرائمه.
4. الترويج للتطبيع كطريق للسلام:
بعض الأطراف تحاول تسويق فكرة أن إقامة علاقات مع إسرائيل هو السبيل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، رغم أن التجارب السابقة أثبتت أن الاحتلال لا يسعى للسلام بل لتعزيز الهيمنة.
5. جهل أو تزييف الحقائق:
هناك من تأثر بالدعاية الصهيونية العالمية أو الروايات المشوهة التي تحاول تصوير إسرائيل كدولة متقدمة ومتعايشة، بينما يتم تجاهل الواقع الحقيقي للاحتلال والقمع المستمر للفلسطينيين.
دعم مثل هذه الأكاذيب لا يلغي الحقيقة الراسخة في وجدان الشعوب. فالقضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية عدالة وإنسانية، تمتد جذورها إلى معاناة شعب عانى من النكبة، التهجير، والاحتلال. الشعوب العربية، في غالبيتها، ترفض التطبيع وتقف مع الفلسطينيين، معتبرة أن القضية الفلسطينية هي قضيتها المركزية، مهما حاول البعض الالتفاف عليها.
إن الاستسلام للضغوط أو المصالح قصيرة المدى لن يغير من مسار التاريخ، إذ أن دعم الاحتلال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يُعد خيانة لحقوق الإنسان والعدالة، ويقف في وجه القيم التي تدعو إلى الحرية والكرامة.