سرّ شاهين.. تعرفوا على المسيّرة التي حسمت معركة ثوار سوريا ضد الأسد

مع إطلاق إدارة العمليات العسكرية عملية “ردع العدوان” يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 -والتي قادت بعد 12 يوما إلى سقوط نظام الأسد وسيطرة الثوار على عموم المحافظات السورية- ظهر في المعركة سلاح فعال كان له دور حاسم في نتائجها، إنه طائرات شاهين المسيّرة.

فمنذ الأيام الأولى للمعركة نشرت “إدارة العمليات العسكرية” عدة مقاطع فيديو لاستهدافها آليات عسكرية وتجمعات لجنود النظام السوري بمسيّرة شاهين التي كانت تبدي فعالية كبيرة ودقة في إصابة الأهداف، فضلا عما بثته من استخدام هذه المسيّرات في عمليات الرصد والمراقبة، وإلقاء مناشير التحذير والتهديد لجنود النظام.

كما نشرت إصدارا عن “كتائب شاهين” المتخصصة في الطائرات المسيّرة والتي بات المناصرون للثورة يترقبون ما تسجله من مقاطع مصورة قبل إصابتها الهدف، فما أبرز هذه المسيّرات؟ وكيف تمكنت من تطويرها؟ وكيف أثرت على سياق المعركة؟

 

في ديسمبر/كانون الأول 2017 أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قاعدتيها العسكريتين في مطار حميميم بريف اللاذقية وفي طرطوس قد تعرضتا لهجوم بالقذائف، مما أدى إلى مقتل جنديين وإعطاب عدد من الطائرات، ليتبين لاحقا أن الهجوم كان بطائرات مسيّرة مصدرها فصائل المعارضة المسلحة.

وأشارت الوزارة إلى أن قواتها تمكنت من إسقاط 7 مسيّرات والسيطرة على 6 أخريات بمساعدة أجهزة الحرب الإلكترونية.

وعلى إثرها، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف إن مكافحة خطر الهجمات الإرهابية باستخدام طائرات مسيّرة تتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية على المستوى الدولي.

كما نشرت وزارة الدفاع الروسية صورة إحدى الطائرات التي استولت عليها، وقالت “هذه المرة الأولى التي تقوم فيها فصائل المعارضة باستهداف القواعد الروسية بالطائرات المسيّرة”، وظهرت في الصورة طائرة مجنحة تحمل على كل جناح 4 قنابل.

وتعرضت القواعد في حميميم وطرطوس لعدة هجمات أخرى بالطائرات المسيّرة، وكانت وزارة الدفاع الروسية تصدر بيانات بإسقاطها، مشيرة إلى أنها لم تسبب أي أضرار، حتى أعلنت إدارة العمليات العسكرية خلال معركة “ردع العدوان” عن كتائب شاهين المتخصصة بالطائرات المسيّرة، وأظهرت الفيديوهات التي بثتها استخدام أنواع مختلفة من الطائرات، بعضها يطلق يدويا والآخر من منصات، وتتراوح الطائرات بين نماذج بـ4 مراوح وأخرى محلية الصنع مزودة بذخائر مثل القنابل أو القذائف.

 

وعلى غرار الطائرة التي نشرت وزارة الدفاع الروسية صورتها مع تحسينات عليها ظهرت طائرات مصنوعة من مواد رخيصة وموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) يمكن أن تحمل ما يصل إلى 18 قنبلة صغيرة بحد أقصى، أو رأسا حربيا يزن أكثر من 30 كيلوغراما، ومنها ما هو معد لرحلات طويلة المدى، وقد زوّد بخزان وقود.

وظهر في المقاطع التي نشرتها غرفة إدارة العمليات نوعان من الطائرات المجنحة، النوع الأول منها يحتاج إطلاقها إلى دفعة يدوية، ولها محرك دفع مروحي، كما أنها مجهزة بكاميرات تنقل الصورة بشكل مباشر.

وبحسب الفيديوهات، فإن الطائرة تشبه المسيّرات الأوكرانية من طراز “إف بي في”، وهي طائرات انقضاضية (انتحارية) تستهدف الآليات العسكرية والمنشآت، ويمكن تحميلها بذخيرة متفجرة قد تصل إلى 30 كيلوغراما.

أما النوع الثاني فهو ما يُطلق من منصات، وهي طائرات انقضاضية أيضا، كما أنها مزودة بقذائف “آر بي جي” مضادة الدروع، ونشرت “إدارة العمليات العسكرية” فيديوهات للحظة استهدافها الآليات العسكرية وغرفة عمليات قوات النظام في مصياف وسيارة العقيد عدي غصة بريف حماة.

وهي مثل الطائرات المسيّرة التجارية المتوفرة في الأسواق، وقد أظهرت المقاطع التي نشرتها غرفة “إدارة العمليات العسكرية” نسخا منها أكبر حجما من الطائرات المعروفة، مما يرجح أن الثوار أجروا تعديلات على هذه الطائرات، وقد استُخدمت لـ3 مهام: الأولى هي التصوير والاستطلاع، والثانية إلقاء القنابل الصغير على المجموعات والأفراد، والثالثة إلقاء المنشورات.

وقد نشرت غرفة “إدارة العمليات المشتركة” عدة مقاطع فيديو تظهر لحظة إلقاء المنشورات على أماكن وجود جنود النظام، مع رسالة تدعوهم إلى الانشقاق، وتحتوي على إرشادات يمكنهم اتباعها للحفاظ على حياتهم.

وتساهم مقدرة هذه الطائرات على الطيران العمودي بفضل وجود المراوح الأربع في نجاح مهامها بإلقاء المنشورات أو القنابل الصغيرة، لكن حجمها الصغير نسبيا يجعلها غير قادرة على حمل أوزان كبيرة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 نشرت قوات النظام السوري صورا قالت إنها لصاروخ أطلقته فصائل المعارضة المسلحة على منطقة جورين في سهل الغاب بريف حماة الغربي.

وتظهر الصور طائرة مسيرة بجناحين يبلغ طولهما 6 أمتار، ومحرك صاروخي نفاث يبلغ طوله 4 أمتار، وتحمل 100 كيلوغرام من المتفجرات، ويتم التحكم بها عن بعد، وبالتالي فإن هذه المسيّرة أقرب ما تكون إلى قنبلة انزلاقية تُطلق من الأرض تعمل تقنيا بالطريقة ذاتها التي يعمل بها صاروخ كروز.

وكانت هيئة تحرير الشام قد نشرت منذ عام 2021 صورا لصواريخ كبيرة محلية الصنع حملت اسم “زؤام” من عيار 240 مليمترا، وهي مشتقة من الصاروخ السوفياتي “إم-24 إف يو دي”، إلى أن نشرت قوات النظام الصور من جورين، والتي تظهر إجراء تعديل على الصاروخ بإضافة الأجنحة والمحرك النفاث، مما حوّله إلى مسيّرة بحمولة انفجار عالية.

وعلى عكس الطائرات المسيّرة التقليدية التي تعمل بمحركات المراوح فإن النماذج التي تعمل بمحركات نفاثة قادرة على حمل حمولات أكثر تقدما وتحقيق سرعات أعلى، مما يجعل من الصعب اعتراضها بواسطة أنظمة الدفاع التقليدية مثل صواريخ أرض جو والرادار.

وفي اليوم الأول من معركة “ردع العدوان” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نشرت غرفة “إدارة العمليات العسكرية” مقطعا مصورا لما قالت إنه الصاروخ الموجه عن بعد “زؤام” خلال استهدافه مقر الفوج الـ46 في ريف حلب الغربي، قبل سيطرتها عليه، وبسبب حجم الصاروخ الكبير فقد تداول الناشطون المقطع في البداية على أنه لإسقاط طائرة لقوات النظام، قبل أن تنشر معرّفات أخرى تصحيحا للمعلومات.

كما نشرت لاحقا مقطعا مصورا يظهر تفاصيل استهداف الأكاديمية العسكرية في مدينة حلب بأحد الصواريخ الموجهة، بدءا من تجهيز الصاروخ وإطلاقه وتوجهه إلى لحظة وصوله هدفه وانفجاره.

 

بدورها، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن المعارضة المسلحة بدأت باستخدام الطائرات المسيرة منذ منتصف 2016 لأغراض الاستطلاع، وكان الاستهداف في نهاية 2017 هو أول استخدام عسكري للطائرات المسيرة.

وقال رئيس إدارة تطوير الطائرات المسيرة في هيئة الأركان العامة الروسية اللواء ألكسندر نوفيكوف إن تحليل المعلومات بشأن الطائرات المسيّرة التي يستخدمها “الإرهابيون” في سوريا أظهر أنه “تم تطويرها واستخدامها من قبل متخصصين خضعوا لتدريب خاص في بلدان تصنيع واستخدام أنظمة الطائرات المسيرة”.

وأضاف أنه لا يمكن تصنيع المتفجرات التي تحملها الطائرات المسيرة في سوريا في ظروف مؤقتة، وأشار إلى أن هناك أماكن عدة يتم فيها تصنيع هذه المادة، وأحدها أوكرانيا.

وقال نوفيكوف إن المسيّرات عبارة عن عبوات ناسفة بدائية تزن نحو 400 غرام، تحقق انفجارا نصف قطره 50 مترا، وكان ذلك قبل 5 سنوات من كشف الهيئة عن التطور الذي حققته في مجال المسيّرات.

وعلى الرغم من أن المرصد السوري لحقوق الإنسان قد وثق استهداف قاعدتي مطار حميميم وطرطوس الروسيتين بأكثر من 22 هجوما بالمسيّرات من 2018 ورغم الاتهام الروسي لفصائل المعارضة في جبال اللاذقية وريف إدلب بالوقوف وراءها فإنه لم تعلن أي جهة عسكرية في المعارضة السورية تبنيها العملية، ولم تعلق أوكرانيا على الاتهامات.

في يوليو/تموز 2024 نشرت صحيفة “كييف بوست” أنها حصلت على تسجيلات مصورة تظهر تنفيذ مجموعة “خيميك” -وهي قوة تتبع لمديرية الاستخبارات الأوكرانية- ضربات عسكرية على القوات الروسية قرب مطار “كويرس” العسكري شرق حلب.

ووقتها، رجّح محللون أن القوات الأوكرانية تتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركيا، والتي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا.
ونقل تقرير أعده “كلاش ريبورت” عن القيادي في كتائب شاهين أبو بكر قوله إن الأوكرانيين قدموا لهم ملفات الطباعة ثلاثية الأبعاد لمكونات رئيسية، مثل حاملات القنابل والذيل والرؤوس الحربية، مما سمح لهم بإنتاج وتجميع وتكييف المسيّرات بشكل مستقل.

وقال إن الأوكرانيين “علمونا عن ميكانيكا الطائرات وحاملات القنابل والطباعة الثلاثية الأبعاد”، في حين قال القيادي الآخر في الكتائب أبو مازن إن دور التدريب الأوكراني لعب دورا مهما في تطوير أنظمة نقل إشارات الطائرات المسيّرة واستهدافها بشكل عزز مدى الطائرات والكفاءة التشغيلية من خلال حل مشكلات الطاقة والإشارات.

وساهمت كتائب شاهين بمختلف أنواع الطائرات المسيرة التي استخدمتها في معركة “ردع العدوان” بتحقيق نوع من التوازن في سلاح الجو، بالإضافة إلى الدور المهم لسحب الروس العدد الأكبر من ترسانتهم الجوية من سوريا لانشغالها بالحرب في أوكرانيا.

وقد حسمت الطائرات المسيّرة عددا من المعارك، وربما أوقفت أخرى، فمثلا سقطت مدينة حماة بيد مسلحي المعارضة دون مقاومة من قوات النظام، وكانت مسيّرة انتحارية تتبع للكتائب قد استهدف غرفة عمليات قوات النظام في مدينة مصياف قبل أيام فقط من سيطرة “إدارة غرفة العمليات” على المدينة.

أما اليوم وقد سقط النظام في سوريا وأصبحت العاصمة دمشق في أيدي المعارضة فإن ملف تفاصيل أكثر عن ملف الطائرات المسيّرة وآلية تطويرها قد يظهر قريبا.

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة