كيف سيعيد ترامب تشكيل إقليم الشرق الأوسط.. ماذا سيفعل!؟ // عدنان البدارين

لم يكن طوفان الأقصى مجرد هجوم عسكري محدود، بل كان حدثا استراتيجيا أعاد تشكيل ديناميكيات الصراع في الشرق الأوسط. يمكن اعتباره الشرارة التي حركت أحجار الدومينو في المنطقة، حيث أطلق سلسلة من التداعيات السياسية والعسكرية التي أثرت على جميع الأطراف.

 

شهدت المنطقة تحولات جذرية منذ الهجمات التي شنتها حركة حماس، مما أدى إلى اختلال توازن القوى وإعادة ترتيب أولويات اللاعبين الرئيسيين في المشهد الإقليمي.

 

في خضم هذه التطورات، برزت كارثة تتمثل في عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. من المتوقع أن يعيد ترامب تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية. لكن الشرق الأوسط شهد تغيرات كبيرة منذ مغادرته منصبه في عام 2021. ولهذا، تراقب الجهات الفاعلة الإقليمية باهتمام كيف سيتعامل الرئيس الجديد مع هذه التحولات.

 

يبدأ دونالد ترامب ولايته الثانية بفريق سياسي يتماشى مع مصالح إسرائيل. تشمل دائرة المقربين منه أفرادا من عائلته وحلفاء سياسيين ورجال أعمال بارزين، لعبوا أدوارا رئيسية في ولايته الأولى، ومن المتوقع أن يستمر تأثيرهم في ولايته الثانية، خاصة في قضايا الشرق الأوسط ودعم إسرائيل. من بين هؤلاء، يُتوقع تعيين مايك هاكابي، المعروف بعدم اعترافه بفلسطين ودعمه للتوسع الاستيطاني، سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل. كما يعارض ماركو روبيو، المرشح المحتمل لمنصب وزير الخارجية، وقف إطلاق النار في غزة ويدعو إلى القضاء الكامل على حماس. بالإضافة إلى ذلك، لعب جاريد كوشنر، صهر ترامب، دورا محوريا في اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، بينما كانت إيفانكا ترامب جزءا من فريقه الداعم لهذه السياسات. كما ستستمر شخصيات مؤيدة لإسرائيل مثل ستيفن ميلر، ديفيد فريدمان، ميريام أديلسون، وهوارد لوتنيك في التأثير على سياسات ترامب لصالح إسرائيل.

 

من المتوقع أن تعيد إدارة ترامب في عام 2025 طرح “صفقة القرن” كحل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. الهدف الرئيسي للرئيس المنتخب سيكون تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية وضم الأخيرة إلى اتفاقيات إبراهيم، التي تُعتبر من أبرز إنجازات إدارته في ولايته الأولى. مع عودته إلى البيت الأبيض، يُتوقع أن يكون توسيع هذه الاتفاقيات ضمن أولوياته في الشرق الأوسط.

 

أسفرت اتفاقيات إبراهيم عام 2020 عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات، البحرين، المغرب، والسودان. وتُعتبر السعودية الجائزة الكبرى لفريق ترامب. وقد صرح ترامب بأن هذا الاتفاق سيكون “تاريخيا ويغير المنطقة”، لكن من غير المرجح أن يُجبر الأمير محمد بن سلمان على تغيير موقفه دون مقابل.

 

قد تدعم العلاقات السعودية والإماراتية المتنامية مع الصين موقفهما في مفاوضات التطبيع مع إسرائيل، حيث عززت الدولتان علاقاتهما التجارية والتكنولوجية مع بكين، بما في ذلك انضمام السعودية إلى مجموعة البريكس. دعوة الرئيس الصيني إلى الرياض من شأنها أن تجعل الأميركيين يشعرون بالتوتر!.

 

فيما يتعلق بالضفة الغربية، دعمت إدارة ترامب مخططات التوسع الإسرائيلية، مما يشكل تهديدا مباشرا لدول المنطقة ويزيد من احتمالات تصعيد الصراع الإقليمي. من بين الأوامر التنفيذية التي وقعها ترامب بعد تنصيبه، رفع العقوبات المفروضة على أكثر من 30 مجموعة وكيانا من المستوطنين الإسرائيليين، والتي كانت قد فرضتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن.

 

أعلن وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، أن عام 2025 سيكون “عام السيادة في يهودا والسامرة”، في إشارة إلى الضفة الغربية. هذا السيناريو يُعتبر كابوسا للفلسطينيين والدول المجاورة، حيث يعيش أكثر من 90% منهم في المنطقتين “ألف” و”باء”، بينما ترتبط حياتهم اليومية ارتباطا وثيقا بالمنطقة “ج”، التي تضم معظم الأراضي الزراعية.

 

في الملف الإيراني، من المرجح أن يعود ترامب إلى سياسة “الضغط الأقصى”، حيث سيعمل على فرض عقوبات أشد ضد إيران، وقد يحاول إعادة تطبيق هذه السياسة التي أدت إلى انسحاب إدارته من الاتفاق النووي الإيراني. هذه السياسة زادت من عزلة إيران وأثرت سلبا على اقتصادها، رغم استمرار نفوذ طهران في الشرق الأوسط.

 

إيران، من جانبها، كثفت تخصيب اليورانيوم مما أثار مخاوف من أن ترامب قد يمنح رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الضوء الأخضر لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية.

 

في الملف التركي، قد تسهم رئاسة ترامب الثانية في تحسين العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، خاصة في مجالات التعاون العسكري والاقتصادي. قد تلعب تركيا دورا في إنهاء حرب أوكرانيا وتقليص النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن العلاقات الأوثق مع إسرائيل قد تشكل تحديا، خاصة مع تصاعد الحركات اليمينية في الدولة العبرية.

 

بشكل عام، تبدو الصورة قاتمة للسنوات الأربع المقبلة. يُذكرنا القول المأثور الشهير عن الحياة في الأوقات الصعبة، والذي ينطبق الآن على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: عندما تظن أنك بلغت الحضيض وأن الأمور لن تسوء أكثر، يجب عليك إعادة النظر، فالأمور قد تسوء، وستسوء بالتأكيد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة