لنتحدث قليلا عن الموت // احمد القضاه

لقد خلق الله الإنسان وجعل في قرارة نفسه ومستقر فؤاده حبا للدنيا وللخلود، ولولا هذه الخبيئة التي أودعها الله في نفس الإنسان لما رأينا التهافت الحاصل على جمع الأموال والازدياد في العمران، ولما نشبت الحروب واحتلت البلدان، لولا ذاك لأخلد الإنسان إلى الأرض ولاضمحلت مطالبه وأمانيه، وفي هذا المقال وددت أن أكتب بعفوية وأرسم بعض الأفكار التي تجول في خاطري، التي يمكن أن يراها البعض محض تشاؤم أو آثار اكتئاب، إلا أنها بالنسبة لي هي الحق المطلق والسبيل الأوحد الذي أبصرته بقلبي لا بعيناي..

إننا لو نظرنا بنظرة موضوعية ومنطقية إلى الحياة والموت، لرأينا العجب العجاب، كيف البشر يعيشون ويضحكون ويلهون بدون أدنى تفكير في الكون من حولهم، وكأنهم لا دخل لهم في هذا الشأن!، ومن المستحيل عقلا أن توجد هذه الملايير من البشر لأجل الأكل والنوم والنزهة وتضييع الوقت وغيره، فما الفائدة من وجودهم أصلا لولا أنهم خلقوا لأمر أعظم وأكثر خطورة!
الموت ..
الموت تلك الكلمة المرعبة التي تقشعر لهولها الأبدان، كلمة مكونة من ثلاثة أحرفٍ موت، ثلاثة أحرفٍ تثير الرعب في قلوب عباد الله، الموت ما ذكر عند جليلٍ إلا وحقره، وما قورن بعظيمٍ إلا وأذله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور ) الموت : ذلك المخلوق المرعب الذي ترتعد الفرائص عند ذكره، مخيف، غامض، مرعب، كريه بغيض للنفس الإنسانية بل وحتى للبهائم، إذا شعر الفيل بدنو أجله فإنه يهجر القطيع إلى مكانٍ بعيدٍ ليلقى حتفه هناك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأسد وبعض الحيوانات الأخرى، وإذا وقع الحيوان في فخ حيوانٍ آخر فإنك ترى في عينيه الرعب والجحوظ والخوف من الموت .
والموت حق على جميع المخلوقات من إنسٍ وجنٍ وملائكة وسائر المخلوقات الأخرى، ومهما طال الزمن أو قصر فلا بد لنا من ولوج بوابة الموت، والموت يا سادة مصيبة وأي مصيبة، سماه الله مصيبة قال تعالى: ( فأصابتكم مصيبة الموت ) الموت لا يعرفك ولا يجاملك، يأتيك دونما إنذارٍ في بعض الأوقات، حادث أو طعنة، طلقة أو نوبة قلبية، صعقة كهربائية أو انهيار في وظائف القلب بصورةٍ مفاجئةٍ، وفي بعض الأحيان قد ينذرك أو تنذرك علاماته ( المرض، الشيب، الحرب ) إلخ….

الموت يهجم فجأةً كلصٍ غادر، لكنه هجم عليك بقدر من الله، لا يحتاج الموت إلى واسطة أحدٍ من المخلوقين كما لا يحتاج إلى استئذانٍ منك، ربما بعد قراءتك لهذا المقال سوف تموت، وربما بعد أن تغلق جهاز الحاسب او الهاتف سوف تموت، ربما تموت بعد غدٍ أو في الغد، أو بعد شهرٍ … لا تعرف تاريخ نهايتك ولا وقتها أو مكانها ولا يعلم أحد إلا الله سبحانه وتعالى ( وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت )

أنا لله وانا اليه لراجعون .
“رحيلهم ليس بايدينا، هم رحلوا لان الله اراد لهم ذلك، اراد لهم حياة اجمل من الدنيا.”
وجع الفقد والفراق وجع عظيم لا يوصف.

وتحدث لنا عندما نشيع رجلاً ما إلى قبره، أو إلى أول منزلٍ من منازل الآخرة القبر، نكون حينها في تأثرٍ بالغ وحزنٍ عظيم، وما إن نخرج من رحم المقبرة إلى صخب الحياة ولججها حتى يكتنفنا النسيان أو الغفلة، نترك الميت لمصيره المحتوم ( الحساب )، تماماً مثل ما أخبر نبينا محمد صل الله عليه وسلم في الحديث الشريف ( إذا مات الميت تبعه ثلاثة أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله )
إن فقد الأحبة بالموت، خطب مؤلم، وألم موجع، ومصيبة كبيرة، بل هو من أشد المصائب التي تمر على الإنسان في حياته، والحزن والبكاء عند حدوثه فطرة بشرية وطبيعة إنسانية، وما من أحد من الأحياء إلا وسيبتلى بمصيبة فقد حبيب له ـ من أب، أو أم، أو ابن، أو ابنة، أو زوج، أو زوجة، أو قريب، أو صاحب.. وقد قيل للنبي صل الله عليه وسلم: {إنك ميت وإنهم ميتون} وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به)
يصف أنس بن مالك رضي الله عنه حال وموقف النبي صلى الله عليه سلم عند موت ابنه إبراهيم فيقول: (دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سيف القين (الحداد)، وكان ظئرا لإبراهيم (أبا له من الرضاعة)، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! فقال: يا ابن عوف، إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال صل الله عليه وسلم: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)
يقول علي بن أبي طالب: ” النفسُ تبكي على الدُنيا وَقَد عَلِمَت إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها ”
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، تنوعت الاسباب والداء واحد .
عندما يموت شخص عزيز عليك، ولم تكن تتوقع حدوث ذلك، سوف لن تفقد هذا الشخص دفعة واحدة وإنما على مراحل طويلة، فتتلاشي رائحته شيئاً فشيئاً، وفي كل يوم ستشعر بذلك الشعور إلى أن تختفي الرائحة تماماً وعندها ستدرك أنك قد فقدت هذا الإنسان بالفعل.

إن الموت حق والفراق صعب ، وكل ما اشتد الحزن شل التفكير وعجز القلم عن التعبير، ولا نقول إلا ما أمر الله به (إنا لله وإنا إليه راجعون)

التعليقات

  1. سامر محمد عقله يقول

    احسنت النشر مواضيع متنوعه وهذا يصبح في مصلحة المتلقي ، ويدل على ثقافة الكاتب ، بارك الله فيك وابعد عنك كل مكروه ، والى الامام ومزيد من التقدم والنجاح لهذه الوكاله ، وننتظر المزيد من هذه الكتابات الرائعه …

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة