ترامب واستراتيجية الفوضى: بين الطموحات الجنونية والواقع المرعب

المحامي الدكتور هيثم عريفج
منذ ظهوره على الساحة السياسية، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب موجات متتالية من الجدل بسبب تصريحاته النارية وأفكاره غير التقليدية. هذه المرة، لا يقتصر الجدل على قضايا داخلية أو قرارات سياسية تقليدية، بل يمتد إلى طموحات غير واقعية وأفكار تكاد تكون خيالية، مثل ضم كندا وغرينلاند، والسيطرة على قناة بنما، وتغيير اسم خليج المكسيك، وطرد سكان غزة للسيطرة عليها. هذه التصريحات ليست مجرد كلمات عابرة أو استعراض للقوة، بل تكشف عن استراتيجية سياسية محسوبة تستند إلى نهج الصدمة والابتزاز السياسي، بهدف فرض أجندته وإجبار الأطراف الأخرى على تقديم تنازلات في قضايا أكثر أهمية.
منذ أيام ترامب الأولى في السياسة، وهو يعتمد على استراتيجيات غير تقليدية للضغط على خصومه وتحقيق أهدافه. أحد أبرز هذه الاستراتيجيات هو تقديم أفكار تبدو صادمة ومستحيلة، حتى تُخلق حالة من الذعر والتردد بين القادة العالميين، مما يسهل عليه تمرير مطالبه الحقيقية، والتي تكون أقل حجة لكنها لا تقل خطورة. ترامب يدرك أن إثارة الجدل وخلق حالة من الفوضى يصبّان في مصلحته، إذ إن المبالغة في طرح أفكار مستحيلة تجعل القادة الآخرين يعتبرون مطالبه “الأقل جنونًا” أمرًا مقبولًا.
على سبيل المثال، عندما صرّح سابقًا برغبته في شراء جزيرة غرينلاند، واجه ردود فعل دولية مستهجنة، لكنه في الوقت نفسه نجح في جذب الانتباه وتوجيه الأنظار بعيدًا عن قضايا داخلية ودولية أكثر أهمية. نفس الأسلوب يتكرر الآن ولكن بشكل أكثر تطرفًا، حيث يطرح ترامب مقترحات غير واقعية كوسيلة ضغط على الساحة الدولية، مستغلًا الفوضى الجيوسياسية في العالم.
لا يمكن فهم سياسات ترامب بمعزل عن تحالفاته الدولية، وخاصة مع رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو. فكلاهما يتبنى أيديولوجيات يمينية متطرفة، تقوم على التوسع وفرض الهيمنة بالقوة، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو حقوق الشعوب. هذا التحالف ليس جديدًا، لكنه يتجدد كلما احتاج أحدهما إلى دعم الآخر في تمرير مخططاته السياسية.
نتنياهو، الذي يواجه تحديات داخلية واتهامات بالفساد، يجد في سياسات ترامب المتطرفة فرصة ذهبية لتعزيز موقفه داخل إسرائيل وتبرير سياساته العدوانية تجاه الفلسطينيين والدول المجاورة. في المقابل، يستخدم ترامب الدعم الإسرائيلي لكسب تأييد اليمين الأمريكي المتشدد، وضمان ولاء اللوبيات الداعمة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة.
التاريخ يعلمنا أن مثل هذه الطموحات التوسعية لا تدوم، وأن الغطرسة السياسية غالبًا ما تنتهي بسقوط مدوٍّ. لذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يقف بحزم في مواجهة هذه الأفكار المتطرفة، وأن يرفض أي محاولات لفرض واقع جديد بالقوة. القبول بهذه الطروحات أو حتى التعامل معها بمرونة سيؤدي إلى نتائج كارثية على المدى البعيد، حيث يمكن أن تشجع قادة آخرين على اتباع نفس النهج العدواني.
في هذا السياق، يجب على الدول العربية والإسلامية، بل والعالم بأسره، تبني موقف موحد وصارم ضد هذه السياسات، وإيصال رسالة واضحة بأن الغطرسة السياسية لم تعد مقبولة، وأن محاولات إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية بالقوة لن تمر دون عواقب.
الأردن، بحكم موقعه الجغرافي الحساس ودوره الإقليمي المحوري، يجد نفسه في قلب هذه التحديات المتزايدة. لكن رغم الضغوط، يظل الموقف الأردني ثابتًا في رفض أي محاولات للمساس بالسيادة الوطنية أو فرض أجندات تخدم أطرافًا خارجية على حساب المصلحة الوطنية.
لقد أثبت الأردن عبر التاريخ أنه قادر على الصمود في وجه الضغوط الدولية، وأنه لا يساوم على حقوقه وثوابته. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن نبقى موحدين في مواجهة هذه التحديات، وأن نرفض أي ضغوط قد تؤثر على استقلالية القرار الأردني أو أمنه القومي.
في ظل هذه التهديدات المتزايدة، يصبح من الضروري تشكيل تحالف عربي قوي لمواجهة الضغوط الخارجية. وهنا يبرز دور جلالة الملك عبدالله الثاني، باعتباره القائد العربي الأكثر قدرة على حشد التأييد وتنسيق المواقف بين الدول العربية الكبرى، مثل مصر والسعودية والإمارات وقطر .
هذا التحالف يمكن أن يشكل جدار صد ضد أي محاولات لإعادة رسم خريطة المنطقة وفق أجندات لا تخدم إلا مصالح القوى الكبرى. كما يمكنه استخدام أوراق ضغط سياسية واقتصادية للحد من نفوذ القوى التي تحاول فرض واقع جديد بالقوة.
في النهاية، لا يمكننا أن نسمح لهذه السياسات المتطرفة بأن تؤثر على مصلحة الأردن واستقراره. يجب أن نبقى موحدين، متيقظين، ومستعدين لمواجهة أي تهديدات، لأن الوطن ليس مجرد حدود جغرافية، بل هو كيان يجب الدفاع عنه بكل السبل الممكنة.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، علينا أن نعمل وفق مصلحة الأردن أولًا وأخيرًا، فهذا هو الأساس الذي لا يمكن المساس به. المرحلة المقبلة تحمل الكثير من التحديات، لكن بالوحدة والتكاتف، يمكننا حماية وطننا والحفاظ على أمنه واستقراره