الرقابة الإدارية بين تعدد الأجهزة وضعف الفاعلية
د.عبدالله محمد القضاة
–
بقلم / د.عبدالله محمد القضاه*
الرقابة على أداء مؤسسات الدولة هي مطلب حيوي لضمان شرعية قرارات وأعمال الإدارة العامة، وللتأكّد من مشروعية القرارات والتصرفات الإدارية وحسن تنفيذها، وضمانة للحفاظ على حقوق الأفراد، وحسن سير المرافق العامة، وهناك أنواع رقابية تمارس على أعمال الإدارة الأردنية من جهات متعددة نعرضها مع بيان فرص التحسين اللازمة والتي تستجيب للتوجيهات الملكية التي أشار اليها الملك عبدالله الثاني بن الحسين في مقابلته الموسعة مع وكالة الأنباء الأردنية مطلع عام 2021 بقوله ” ولا بد من تعزيز الأدوات الرقابية في مؤسسات الدولة، لضمان أداء فاعل شفاف، يحترم التشريعات ويسير بوضوح نحو الأهداف”.
حسب الدستور الأردني، هناك رقابة سياسية تمارسها السلطة التشريعية على عمل الإدارة العامة وإجهزتها وجميع مؤسساتها؛ لأنّ القرار الإداري يجب أن يُتخذ وفق الإجراءات التي يحددها القانون للحفاظ على عمل المؤسسات العامة وحمايتها مع مراعاة حقوق ومصالح المواطنين، والبرلمان له الحق في توجيه أسئلة لأي وزير عن وزارته أو طرحها أو التحقيق فيها وتحميلها المسؤولية من خلال حجب الثقة عن الحكومة أو أحد وزرائها.
يعتبر ديوان المحاسبة ذراع السلطة التشريعية في مراقبة إيرادات ونفقات الدولة وطرق صرفها، ومن بين أهدافه المحافظة على المال العام والتأكد من سلامة استخدامه وإدارته بصورة قانونية وفاعلة، ومحاربة كافة أشكال الفساد المالي والإداري، وكذلك التنبيه إلى أوجه النقص في التشريعات المالية أو الإدارية المعمول بها، واقتراح وسائل معالجتها كما يهدف إلى التثبت من أن القرارات والإجراءات الإدارية تتم وفقا للتشريعات النافذة، إضافة إلى المساهمة في تعزيز مبادئ المشروعية والشفافية والمساواة في القرار الإداري الذي يتخذ داخل الإدارات الحكومية.
والنوع الآخر من الرقابة؛ رقابة السلطة التنفيذية على أعمالها “الرقابة الإدارية” وهي “الأنشطة التي تقوم بها الإدارة لمتابعة تنفيذ السياسة الدائمة وتقييمها والسعي لتصحيح أي نقاط ضعف قد تضر بها من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، والتساؤل: هل تمتلك الإدارة الأردنية أدوات رقابة إدارية فاعلة؛ وفي حال عدم ملاءمتها أو كفايتها ماهي فرص التحسين الممكنة والتي يمكن الأخذ بها لتحقيق الرؤى الملكية في هذا الجانب؟.
وعند الحديث عن الجهات المعنية ، لا بد من تبيان أهمية دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في مراقبة نمو الثروة لدى المسؤولين المشمولين في قانون الكسب غير المشروع ومكافحة الفساد بكافة أشكاله ومستوياته من خلال ترسيخ وتطبيق معايير النزاهة الوطنية في مؤسسات الدولة، حيث يقع من ضمن أهدافها تفعيل منظومة القيم السلوكية في الإدارة العامة وضمان تكاملها، والتأكدد من أن الإدارة العامة تقدم خدمة للمواطن بجودة عالية وشفافية وعداله ، والتأكد من إلتزام الإدارة العامة بمبادئ الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص ، وكذلك تطبيق التشريعات بشفافية والتأكد كذلك من وجود إطار قانوني ينظم مساءلة المسؤولين ومتخذي القرار في الإدارة العامة ومحاسبتهم.
خلطت الحكومات السابقة ما بين مفهومي الرقابة السياسية والرقابة الإدارية، فقد كان في الدولة ديوان للرقابة الإدارية؛ كان الأصل أن يمارس وظيفة الرقابة الإدارية، إلى أن تم الغائه وإناطة مهامه بديوان المحاسبة؛ وهذا خطأ فني وقعت فيه الحكومة آنذاك، حيث أن الأصل أن يتولى ديوان المحاسبة وظيفة الرقابة الإدارية بصفته ذراعا للسلطة التشريعية، وهذا لايعفي السلطة التنفيذية من ممارسة الرقابة الإدارية على أنشطتها وقراراتها وإجراءاتها.
أما النوع الثالث من الرقابة؛ فهي الرقابة القضائية وهي إحدى الضوابط الأكثر شيوعًا التي تضمن حقوق وحريات الفرد؛ لأنّ لكل فرد حق الطعن في قرارات الإدارة إذا تم المساس بحقوقهم ويعتبر القضاء المرجع الفعلي والملجأ الذي تلجأ إليه الإدارة والأفراد لضمان احترام مبدأ الشرعية، ومن الأهمية بمكان أن تستخدم أدوات إدارية حديثة لتسريع عملية التقاضي وتخفيض رسوم المحاكم الإدارية الى الحد الذي يستطيع معه كل متضرر اللجوء للقضاء بسهولة ويسر، وأن تكون مخرجات المحاكم الإدارية وقراراتها مدخلات لعمل الأجهزة الرقابية بحيث يتم مساءلة الجهة أو المؤسسة التي صدر قرار المحكمة بحقها أو أدارتها، فالقضية ليست حقوق للموظف بقدر انها كاشفة عن فساد إداري اومالي أوخطأ اداري.
بعض الممارسات الفضلى في العالم، تجد أن السلطة التنفيذية تمارس رقابتها الإدارية من خلال وظيفة “المفتش العام” والبعض منها يمارس هذا النوع الرقابي من خلال جهاز إداري متخصص يرتبط برئيس الدولة أو رئيس الوزراء تبعا لطبيعة النظام السياسي السائد، وتمتلك السلطة التنفيذية في هذه الدول سلطة الغاء أو سحب القرارات الإدارية المخالفة عنوة عن متخذيها.
من خبرتي المتواضعة في الإدارة العامة؛ لا أرى أن الحكومة بحاجة إلى استحداث هيئات جديدة، ولكن الأمر يتطلب تمكين الأجهزة الرقابية ومنها ديوان الخدمة المدنية من ممارسة وظيفة الرقابة الإدارية ومهام المفتش العام في الدول المتقدمة، لكن هذا لايمكن أن يتم بموجب نظام الخدمة المدنية “المتهالك” فالأمر يستدعي إصدار قانون للخدمة المدنية ينشأ بموجبه الديوان ويمنح صلاحيات رقابية واسعة ويمنح رئيسه ومن يلزم من موظفيه صفة الضابطة العدلية، ومنحه صلاحية الغاء القرارات الإدارية المخالفة من خلال التوصية لرئيس الوزراء دون الرجوع إلى متخذي هذه القرارات، وأن تقتصر مهام الديوان على التخطيط والرقابة بدلا من إنهاكه بطلبات التوظيف والأعمال الروتينية التنفيذية التي نقترح نقلها لوحدات الموارد البشرية في الدوائر وفق سياسة وطنية للتوظيف وإدارة الموارد البشرية تنفذها هذه الوحدات تحت رقابة الديوان.
أعتقد جازما أن الملك وبصفته رئيس الدولة استشعر هذا القصور الرقابي في الجهاز الحكومي الأمر الذي دفعه للقول: “ولا بد من تعزيز الأدوات الرقابية في مؤسسات الدولة”، والسؤال كيف ستستجيب الحكومة لهذا التوجيه الملكي الملزم من غير الإسراع بتطوير التشريعات المعنية وإستخدام أفضل الأدوات الرقابية في هذا المجال إضافة إلى تعزيز الرقابة الذاتية من خلال البرامج التدريبية التي ينفذها معهد الإدارة العامة وضرورة إلزام جميع موظفي القطاع العام على الإلتحاق بها، مع الضرورة القصوى إلى أهمية تطوير وتطبيق مؤشرات لقياس فاعلية جميع الأجهزة الرقابية بشكل دوري تمهيدا لإستخدام مخرجات القياس في المساءلة والتحسين المستمر .
*أمين عام وزارة تطوير القطاع العام / مدير عام معهد الإدارة العامة سابقا
abdqudah@gmail.com