وسط تحديات ومطالب بالدعم.. هل تشهد الزراعات الحديثة توسعا في عجلون؟

عجلون – رغم حداثة التجربة ومحدوديتها، تبقى الزراعات الحديثة تشكل فرصة مواتية للمزارعين في محافظة عجلون للخروج من أنماط الزراعات التقليدية التي أصبحت مكلفة وغير مجدية، ذلك أن اللجوء إلى زراعات حديثة يعد أقل كلفة وأكثر جدوى ومبيعا، ولها قدرة على التكييف مع الظروف البيئية من تراجع معدلات الأمطار وخطر الجفاف.
ويسعى مزارعون ومدارس حقلية إلى إدخال أنواع عديدة من تلك الزراعات إلى المحافظة، وتمثلت بزراعة الفاكهة الاستوائية بأنواعها، ونباتات عطرية كاللافندر أو الخزامى، والفول السوداني والكركم وغيرها، مؤكدين أن القصص الناجحة وذات المردود الكبير لبعض التجارب المحدودة للزراعات الحديثة في المحافظة ستبقى من دون جدوى اقتصادية ما لم تصل إلى دعم رسمي، وبما يشجع المزارعين على خوض التجربة بموازاة الزراعات التقليدية السائدة في أغلب المساحات الزراعية في المحافظة.
ويقول المزارع ناصر رشايدة، إنه لا بد من معالجة الأسباب التي ما تزال تمنع الكثير من المزارعين من التوسع في هذه الزراعات، ما يتطلب اقتراح الحلول الضامنة لتوسعها وازدهارها مع وجود البيئة الملائمة لتلك الزراعات كالفاكهة الاستوائية والنباتات العطرية النادرة في معظم مناطق المحافظة، وضمان خروجها من طور التجربة إلى التعميم.
وأكد استعداده للتحول إلى أنواع من الزراعات الحديثة في حال توفر الدعم المادي والنصح والإرشاد من الجهات المعنية، لا سيما أن طبيعة المحافظة، التي تتميز بتنوع مناخي بين بارد ومعتدل ودافئ، قد تساعد في نجاح هذه الأنواع من الفاكهة الاستوائية.
مطالب بدعم مالي وتدريب
ويؤكد المزارع محمد الخطاطبة، أن أسبابا عديدة في المحافظة تستدعي التخلي عن الزراعات التقليدية، من أهمها تراجع الأسعار مع فائض الإنتاج، وهو ما بات يطال مختلف الثمار بمواسمها، كما يحدث حاليا لأسعار الليمون الذي يباع الكيلوغرام منه بـ25 قرشا فقط، ما كبد المزارعين خسائر فادحة، داعيا إلى توجيه الدعم وتوفير الإشراف والتدريب والمنح والقروض إلى الزراعات الحديثة الأكثر جدوى والأسهل تسويقا.
وأشار إلى أن الزراعات الحديثة التي أثبتت نجاحها في مزارع محدودة، تنوعت بين نباتات كالخزامى “اللافندر” لاستخراج الزيوت العطرية، وأشجار فاكهة استوائية كالمانجا والبابايا والقشطة التي يباع المستورد منها بأسعار باهظة.
وكانت مالكة أحد المشاريع في الزراعات الحديثة لينة الطيبة، أكدت في مقابلة سابقة مع “الغد”، أنها تشرف بمنطقة راجب على مزرعة متخصصة بنبات الخزامى أو اللافندر، مبينة أن هذا المشروع الرائد بدأ يحقق فيه نجاحات متتالية نظرا لأهمية هذه النبتة ودخول زيوتها في كثير من الصناعات.
وبينت أن مزرعتها تحتوي على 45 نوعا من نبات اللافندر الذي ما تزال زراعته نادرة في المحافظة والمناطق الشفا غورية الملائمة لزراعته، مؤكدة أن المزرعة بتطور ونجاح متواصلين، كما أن كميات الإنتاج لديها تباع بأسعار ممتازة، خصوصا أن كثيرا من الأسواق الخارجية ترغب بالتعاقد معها للاستحواذ على كامل الإنتاج من هذه النبتة التي تحظى بفرص تسويقية عديدة لتزايد الطلب عليها محلياً وعالمياً.
وأضافت الطيبة أن كلف إنتاج هذه النبتة محدودة، فهي مناسبة لحوض البحر الأبيض المتوسط، وهي أشبه بالنباتات التي تلائمها البيئة الصحراوية، فلا تحتاج إلى كميات مياه كبيرة أو أسمدة ومبيدات، وهي بنفسها ذات تأثير طارد للحشرات.
المساحات الزراعية المستغلة
يشار إلى وجود قصص نجاح عدة للزراعات الحديثة في منطقة راجب، وتمثلت بمزرعة متخصصة بزراعة مختلف أنواع الفاكهة الاستوائية الأصل، وأصبحت منتجة على نحو ممتاز، وتضم أنواعا متعددة، كالمانجا والأفوكادو والبابايا والمورينجا والكيوي والقشطة، إضافة إلى نجاح تجربة زراعة الكستناء والبندق في مناطق ذات طقس بارد في عبين وسامتا وصخرة، التي نجحت هي الأخرى.
يذكر أن المساحات الزراعية المستغلة في المحافظة، وفق أرقام مديرية الزراعة، أكثر من 100 ألف دونم، يوجد منها 82 ألف دونم مزروعة بالزيتون، و21 ألف دونم مزروعة بأنواع الزراعات التقليدية كالحمضيات والكرمة والفاكهة، فيما تبلغ مساحة الأراضي الحرجية 34 % من مساحة المحافظة البالغة 419 كلم².
وتؤكد زراعة المحافظة أن المساحات الزراعية في المحافظة محدودة، ولا تشكل قيمة تجارية لزراعة الحبوب، وانتشار الزراعات التقليدية التي أصبحت غير مجدية، وتعاني من ضعف التسويق وتراجع أسعارها، كالكرمة والزيتون، ومحدودية مصادر مياه الري، يتطلب التوجه إلى الزراعات الحديثة الأكثر جدوى، لا سيما مع توفر البيئات الملائمة للعديد من الزراعات الحديثة ذات فرص التسويق الكبيرة التي تدر دخولا جيدة.
ويقول المهندس الزراعي معاوية عنانبة، إن طبيعة المحافظة وتنوع مناخها يجعلانها صالحة لمختلف أنواع الزراعات الحديثة ذات الجدوى الاقتصادية العالية، مؤكدا أن المحافظة ما تزال دون المطلوب في هذه الزراعات التي أثبت عدد محدود من المزارعين والاختصاصيين الزراعيين نجاحها في عدد من مناطق المحافظة.
كما أكد أن تعميم تجربة الزراعات الحديثة في المحافظة وغيرها من المناطق المناسبة بيئيا ستكون له آثار إيجابية على المزارعين والاقتصاد الوطني، لا سيما أن كثيرا من الزراعات التقليدية باتت مكلفة وغير مجدية، وتعاني من ضعف التسويق وتدني الأسعار.
إلى ذلك، أكد عاملون في المدارس الحقلية في المحافظة، أنها بدأت تسهم في تعزيز التنمية الزراعية والبيئية وتحقيق الأمن الغذائي، ومصدر دخل للأسر الريفية والمزارعين، مشيرين إلى الدور الكبير الذي تقوم به هذه المدارس كأداة للإرشاد التشاركي النوعي المتميز في نقل وتوظيف مخرجات البحث العلمي بالشكل الأمثل، مع ضمان سرعة وصول المعلومة الدقيقة بالصورة المرجوة.
دور المدارس الحقلية
ويقول رئيس قسم الإرشاد الزراعي المهندس عمر قواقنة، إن المدارس الحقلية تسهم في تحفيز استخدام إستراتيجيات الإدارة المتكاملة للآفات وفقا لظروف النظام البيئي الزراعي المحلي للمحاصيل، وذلك باتباع منهجية مدارس المزارعين الحقلية التي تعد وسيلة إرشادية تعتمد على التدريب الحقلي على مدار الموسم وحماية النظم البيئية المحلية وتعزيز التشاركية بين المجتمعات الزراعية المحلية.
وأشار إلى أن القسم نفذ، العام الماضي، مدارس حقلية ضمن مشروع الاستثمار في المجترات الصغيرة والتصنيع الغذائي من المنتجات لانتشال الأسر الريفية من الفقر وتغذية المجترات والخلطات العلفية والإدارة المتكاملة لقطيع الأغنام في مناطق أوصرة وبلاص وعين جنا، لافتا إلى أنه تم تنفيذ برنامج إرشادي لتربية النحل بالتعاون مع مزارعي عنجرة.
وأكد أنه تم نجاح أول تجربة لزراعة الكركم والفول السوداني في المحافظة، وهي من محاصيل النقص التي تمت تحت أنظمة الزراعة المحمية بإشراف مدير الزراعة وتنفيذاً لخطة المدارس الحقلية في وزارة الزراعة بإشراف من مديرية البرامج الإرشادية في قطاع الإرشاد الزراعي التي تهدف إلى تطوير مهارات المزارعين وتمكينهم في مواجهة التغير المناخي، مشيراً إلى أن قسم الإرشاد الزراعي في مديرية زراعة عجلون نفذ مدرسة حقلية من 12 جلسة تدريبية للمحاصيل الذكية مناخياً “الكركم، الفول السوداني والزعفران”.
وبين قواقنة أن القسم عقد دورات في التنمية الريفية حول كيفية إدارة المشاريع وتنفيذ برنامج تحييد تدهور الأراضي الزراعية بالتعاون مع الجمعية العلمية الملكية، حيث ينفذ البرنامج في راجب وكفرنجة، كما نفذ القسم ورشا حول زراعة الفطر في باعون والهاشمية والتقليم والتطعيم وندوة عن ذبابة وحفار الزيتون، مشيراً إلى أنه بلغ عدد مراجعي القسم من المزارعين العام الماضي 900 مزارع لأغراض مختلفة، وبلغ عدد الجولات الميدانية 200 جولة، يستفيد في كل جولة 3 مزارعين على الأقل.
وأشاد بدور عدد من المزارعين وممثلي الجمعيات والمستفيدين من هذه المدارس، وبالجهود التي تبذلها الجهات كافة المعنية بتنفيذ هذه المدارس لتعميم فكرتها وأهميتها وانعكاساتها الإيجابية على المنتج، من خلال توجيه المزارعين صوب العمليات الزراعية الحديثة واختيار أصناف زراعية قادرة على مواجهة التحديات المناخية وندرة المياه وإنتاجية عالية ذات قيمة تسويقية.
الدعم الرسمي يقتصر
على تقديم القروض
من جهته، قال مدير زراعة المحافظة المهندس رامي العدوان، إن هذه الأنواع من الزراعات الحديثة، كأنواع من الفاكهة الاستوائية باهظة الثمن تعد مجدية، وتدر دخلا يفوق أضعاف تلك الزراعات التقليدية التي يعتمد عليها مزارعو المحافظة كالزيتون والعنب واللوزيات، وأنواع دارجة من الفاكهة الصيفية، كالتفاح والرمان والتين.
وقال إن الدعم الرسمي حاليا يقتصر على تقديم القروض، والتأهيل وعقد الورش التدريبية، وضمان التوجيه والإرشاد والنصح من كوادر وزارة الزراعة حول طرق الرعاية المثلى لهذه الأنواع من الثمار.
وأكد أن المديرية تعمل، باستمرار، على توجيه النصح والإرشاد للمزارعين للتوجه إلى هذه الأنواع من الزراعات التي تتلاءم وتنوع المناخ والبيئة في المحافظة.
وزاد العدوان أن المديرية، ومن خلال قسم الإرشاد الزراعي، تعمل على تنفيذ أنشطة تدريبية وتثقيفية عملية للمزارعين ومشاريع مدارس المزارعين الحقلية والتصنيع الغذائي ومزارعي الثروة الحيوانية، مبينا أن مشاريع المدارس الحقلية في المحافظة تشمل مشروع التنمية الاقتصادية الريفية والتشغيل الذي تنفذه المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية “جيدكو”، بالشراكة مع مؤسسة نهر الأردن والمركز الوطني للبحوث الزراعية والجمعية الأردنية لمنتجي ومصدري الخضار والفواكه الأردنية، وبتمويل من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية “إيفاد” ومشروع الاستثمار في المجترات الصغيرة وانتشال الأسر الريفية من الفقر الذي تنفذه وزارة الزراعة الأردنية، بالتعاون مع مؤسسة نهر الأردن وبتمويل من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
عامر خطاطبه/ الغد