شلالات الرميمين.. الإهمال يقذفها خارج الوجهات السياحية للمواطنين
البلقاء- رغم جمال الطبيعة في منطقة الرميمين واشتهار شلالاتها بوصفها مقصدا سياحيا، إلا أنها تشهد واقعا مؤسفا وإهمالا كبيرا، وفق ما يؤكد أبناء المنطقة وزوارها، وهو ما رصدته “الغد” أيضا خلال زيارة ميدانية للمنطقة والشلالات.
الزائر للمنطقة، يستمتع بمناظر الطبيعة الخلابة بأجواء هادئة خالية من الضجيج والصخب، فالمساحات الخضراء والأشجار الحرجية تحيط بالزائر من كل مكان، بالإضافة إلى البساتين التي يُزرع فيها ما لذ وطاب من الفواكه والخضراوات، لا سيما الرمان والمشمش، وعند الوصول إلى قلب المنطقة التي تمتد على مساحة تقدر بـ6 كيلومترات، تلمس التعايش الديني في أبهى صوره، فتجد أن المسجد ملاصق للكنيسة ولا تفصل بينهما سوى أمتار قليلة، وهو مشهد يجسد القيم النبيلة بين أتباع الديانتين ممن يسكنون المنطقة ذاتها، ويتقاسمون الفرح مثلما يتقاسمون الحزن.
أما بشأن الشلالات التي تعد مقصدا أساسيا لزوار المنطقة، فتشهد واقعا مؤسفا يبدأ بصعوبة الوصول إليها بسبب سوء الطريق المؤدي إليها، ما يضطر سائقي المركبات إلى الاصطفاف بمكان بعيد إلى حد ما، ومن ثم السير على الأقدام في طريق ترابي مليء بالحجارة، فيما تنتشر بالمكان روائح كريهة ومنفرة، خصوصا أنه لا توجد خدمات مرافق صحية ليقضي الزوار حوائجهم، فيضطرون إلى قضائها في الفضاء العام، مثلما لا تتوفر كذلك أماكن مخصصة للجلسات أو مقاه أو أكشاك تقدم خدمات للزوار.
ويقول أبو بلقيس العبادي لـ”الغد”، وهو أحد سكان المنطقة ويتواجد باستمرار في منطقة الشلالات كونه يعمل في مزرعة ملاصقة لها، إن واقع منطقة الشلالات، يتدهور يوما بعد يوم، بسبب قلة الاهتمام وعدم وجود بنية تحتية وخدمات تستقطب الزوار، فباتت شبه مهجورة، ومكانا طاردا للسياح والزوار، بدلا من أن يكون جاذبا لهم.
ووفق العبادي، كانت منطقة الشلالات في السابق، جاذبة للاستثمار، وهناك من قام بالفعل باستغلالها تجاريا، لكن مع تدهور واقعها السياحي، أغلق الجميع ورحل على وقع قلة الإقبال على زيارة الشلالات، نتيجة عدم اهتمام الجهات المعنية بتطوير المكان وتهيئته.
الناشط الشبابي إبراهيم أبو رمان، يقول من جهته، إنه كان هناك تنسيق لرحلة أطفال تنظمها إحدى المبادرات إلى منطقة الشلالات، لكن لم يحدث ذلك بعد العلم بأن المنطقة غير مؤهلة، وقد تشكل خطرا على الأطفال، فضلا عن انعدام النظافة وانتشار البعوض دون القيام برش المنطقة بالمبيدات الحشرية، مشيرا إلى أنه تم تغيير الرحلة إلى مكان آخر.
كما تطرق أبو رمان، إلى أن حديثا يتداوله كثيرون حول اختلاط مياه شلالات الرميمين بمياه الصرف الصحي، وهو ما أكده العبادي أيضا، قائلا إن الأمر صحيح ويحتاج لإيجاد حل يمنع وصول تلك المياه إلى الشلالات.
وأبدى أبو رمان، استغرابه من عدم اهتمام الجهات المعنية بتطوير منطقة الشلالات من حيث البنية التحتية على الأقل، مشيرا إلى أن المنطقة لو حظيت بالاهتمام المناسب، من شأنها أن تشكل نقطة جذب للزوار والسياح من داخل المملكة وحتى من خارجها، نظرا لجمال الطبيعة فيها، والميزات البيئية والتاريخية التي تتمتع بها، ما قد يتيح كذلك فرص عمل يستفيد منها أبناء المنطقة.
وعلى مقربة من الشلالات، التقت “الغد”، عائلة مكونة من الأب والأم و3 أطفال، حيث أبدى رب الأسرة ندمه وأسفه في الوقت ذاته على الأحوال التي تشهدها منطقة الشلالات، قائلا إنه وعائلته أصيبوا بخيبة أمل عندما وجدوا إهمالا كبيرا للمنطقة.
وأضاف، أنه كان عادة ما يسمع عن منطقة الرميمين وشلالاتها وجمال المكان فيها، الأمر الذي دفعه إلى التخطيط لزيارتها لقضاء أوقات ممتعة، لكنه أكد “أن السمع شيء والواقع شيء آخر”، مشددا على أنه “لو كنت أعلم أن أوضاعها على هذا النحو لما فكرت نهائيا بقطع عشرات الكيلومترات قادما من عمان لزيارتها”.
من جهته، أكد مدير سياحة البلقاء، المهندس أيمن أبو جلمة لـ”الغد”، أهمية المنطقة من الناحية السياحية، مشيرا إلى أنها تبعد 30 كم شمال غرب العاصمة عمان و10 كم شمال شرق مدينة السلط، و8 كم، عن الطريق الذي يربط شمالي الأردن بجنوبها، وتمتاز بالمناخ المعتدل، ووفرة الينابيع الدائمة والشلالات، وغاباتها التي تشكل مساحة (4) كم2، وتنتشر في أكثر من موقع، بالإضافة إلى واديها الذي يبلغ طوله 22 كم.
كما أشار أبو جلمة، إلى أن المنطقة تشتهر بالتنوع الحيوي والنباتي والأعشاب الطبية، وتنتشر فيها قطعان الماشية وبعض الحيوانات البرّية، وكذلك أكثر من 100 نوع من الأزهار البرية، والأشجار المثمرة والفواكه والخضراوات التي تعتمد على الينابيع.
وأكد أن المنطقة فيها تجمعات من المباني السكنية قليلة الأعداد وسكانها متلاحمين كوحدة واحدة بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية وتتوفر فيها كنيسة تراثية عمرها 100 عام ومساجد متناغمة مع الكنائس بشكل عام.
وتحتوي المنطقة وفق أبو جلمة، على بقايا طواحين الحبوب القديمة، وكانت فيها معاصر للزيتون، وتمثل المنطقة الفترة الرومانية والبيزنطية والإسلامية وأكثر من (50) معلما أثريا، حيث تحتوي منطقة جلعد القريبة من الرميمين على معصرة بيزنطية، مقابر رومانية، بقايا جامع أموي وغيرها من المعالم.
وأضاف، كما تحتوي منطقة جلعد على نادي للفروسية مزود بالساحات وميدان الخيل والاصطبلات، وتحتوي على مطعم ومنتجع سياحي يحتوي على المطلات العالية والجلسات الريفية بين وسط الغابة، رياضة المشي، رياضة القوس والنشّاب، ولعبة كرات الصباغ، بالإضافة للطابع الريفي البيئي الذي لم يتعرض للتغيير والحداثة والبيوت الفلاحية والريفية وبقايا لبيوت تراثية، والشوارع والممرات التي ما تزال تحافظ على البساطة.
وأقر أبو جلمة، بأن منطقة الرميمين، تعاني من ضعف في خدمات البنية التحتية كالطرق، وعدم توفر متنفسات عامة لأبناء المنطقة، بالإضافة لعدم القدرة المالية لاستغلال شلال المياه الوحيد بالمنطقة الذي بحاجة للعديد من متطلبات البنية التحتية.
لكن أبو جلمة أكد أنه وبهدف تطوير المنطقة وتشجيع الاستثمار، سيتم تحويل مبلغ مالي لوزارة الأشغال العامة لتأهيل المرحلة الاولى من الطريق الواصل للشلال وسيتم استكمال الطريق في العام المقبل، كما قامت وزارة السياحة بمخاطبة وزارة الزراعة لتقليم الأشجار في مجرى الوادي، وسيتم بعدها تنظيف سيل المياه وتهذيب ممر ترابي يصل إلى مصب الشلال.
وقال إن “ملكيات الأراضي بالموقع تعود للمواطنين، فهنالك صعوبة في عمليات الاستملاك، لذلك فإن إجراءات الوزارة في هذه المراحلة ستكون بهدف تشجيع المستثمرين وأبناء المجتمع المحلي من إقامة مشاريع استثمارية وتأمين فرص العمل”.
محمد سمور/ الغد
التعليقات مغلقة.