الانسحاب من أفغانستان: تراجع إلى المجهول
سوف تكون تصرفات جو بايدن محسوسة بشدة في كابول، لكنها تطرح سؤالا أوسع يتعلق بباكستان المجاورة التي يسيطر عليها الجيش. وكانت باكستان بلا شك ضحية لهجمات إرهابية، وهي تؤوي ملايين اللاجئين. ومع ذلك، لم يكن غضب إدارة بايدن خافيا على الإطلاق عندما أمرت المحكمة العليا الباكستانية، بعد ثمانية أيام فقط من وجود الإدارة في المنصب، بالإفراج عن الرجل المدان في العام 2002 بتهمة التخطيط لاختطاف وقتل مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” دانييل بيرل.
* * *
بإعادة القوات الأميركية إلى الوطن من أفغانستان، ودفع قيادة حلف “الناتو” والقوات الحليفة إلى الخروج من البلد، يعمل الرئيس الأميركي، جو بايدن، في انسجام مع أطروحة حملته الانتخابية القائلة بأن “الحروب الأميركية إلى الأبد” تصرف الانتباه عن التعامل مع القضايا الأكثر إلحاحًا في الوطن. وفي حين أن تأثير الانسحاب سيكون محسوسًا بشدة في أفغانستان، حيث ثمة مخاوف مبررة من أن طالبان في وضع يمكّنها من استعادة السلطة، فإن السؤال الأوسع الذي يطرحه سلوك بايدن يتعلق بباكستان المجاورة المسلحة نوويًا، والدور الذي تريد أن تلعبه في المنطقة.
بصراحة، ثمة القليل من الثقة القائمة الآن بين واشنطن وإسلام أباد، على الرغم من كون باكستان دولة تقع على خط المواجهة في أطول حرب أميركية على الإطلاق. وكان السيد بايدن قد خدم كنائب للرئيس باراك أوباما، الذي كتب في مذكراته، “أرض الميعاد”، أنه فضل عدم إشراك باكستان في الغارة على مجمع أسامة بن لادن في العام 2011 لأنه كان “سرًا مكشوفا” أن عناصر في داخل الجيش الباكستاني، وخاصة أجهزته الاستخباراتية، “حافظت على روابط مع طالبان -وربما حتى مع القاعدة- واستخدمتهما أحيانًا كأصول استراتيجية لضمان بقاء الحكومة الأفغانية ضعيفة وغير قادرة على التحالف مع منافس باكستان الأول، الهند.
في الدفاع عن باكستان، يمكن أن يُقال أن ما كان في الماضي كان بلداً آخر. الآن، تقول باكستان أنها لم تعد توفر أي ملاذ للإرهابيين أو تسعى إلى نشر التطرف في الرأي الإسلامي الذي لها تأثير عليه. وكانت باكستان بلا شك ضحية لهجمات إرهابية، وهي تؤوي ملايين اللاجئين. ومع ذلك، لم يكن غضب إدارة بايدن خافياً على الإطلاق عندما أمرت المحكمة العليا الباكستانية، بعد ثمانية أيام فقط من وجود الإدارة في المنصب، بالإفراج عن الرجل المدان في العام 2002 بتهمة التخطيط لاختطاف وقتل مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” دانييل بيرل.
إن باكستان هي جيش ترتبط به دولة. ومع أن عمران خان يشغل منصب رئيس الوزراء، فإن رئيس أركان الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوا، هو من يتخذ معظم القرارات في البلد. وقد تلقى الجنرال مكالمة هاتفية من وزير دفاع بايدن. وبعد ذلك، تعهد قائد الجيش بـ”دفن الماضي” مع الهند. ولم يتلق السيد خان اتصالاً من البيت الأبيض بعد. وقد يكون ذلك لأن واشنطن أرادت الضغط على باكستان من أجل منح وكالة المخابرات المركزية الأميركية قاعدة في البلاد لتوجيه ضربات بالطائرات من دون طيار ضد طالبان. وكانت الولايات المتحدة قد طُردت من آخر منشأة باكستانية في العام 2011. وفي الشهر الماضي، كتب خان مقال رأي بدد فيه فكرة أن الولايات المتحدة يمكن أن تستعيد موطئ قدم عسكري لها في البلاد.
سوف تشكل المخاطر المتزايدة باطراد لسيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان ديناميات المنطقة؛ على الأقل لأن الحركة أخضع البلد منذ عقود لعهد من الإرهاب السُني الورع. وقد رعت إيران مقاومة مسلحة في البلد. وأعطى نظام طالبان في كابول باكستان فكرة تفيد بأنه يستطيع السيطرة على أفغانستان واكتساب “العمق الاستراتيجي” اللازم لتحدي الهند. ومنذ ذلك الحين، اقتربت الصين من إسلام أباد. وحاولت نيودلهي، في مواجهة بكين المعادية، تحسين العلاقات مع باكستان. ويعرف بايدن جيداً أن أفغانستان تُعرف باسم “مقبرة الإمبراطوريات” لسبب وجيه. وهو يريد أن تكون سياسته الخارجية بمثابة قطيعة مع الماضي وأن تركز على مواجهة تحديات المستقبل. لكن نقاط الانعطاف سوف تنجح فقط إذا كان المرء يعرف إلى أين يتجه.
وكالات
التعليقات مغلقة.