التبرير الجمعي في الخطاب الأردني تجاه فلسطين: قراءة في الوعي السياسي والاجتماعي. // د.باسم القضاة

من المظاهر اللافتة التي يمكن رصدها في المشهد الأردني، هي حالة التكرار شبه الجماعي لتأكيد موقف الأردن الداعم للقضية الفلسطينية، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى الأفراد بمختلف فئاتهم العمرية والمهنية. المفارقة هنا ليست في الموقف ذاته، فهو موقف تاريخي وثابت، بل في الإلحاح على تبريره وتأكيده بطريقة قد تبدو مفرطة في بعض الأحيان، لدرجة تستدعي التوقف والتأمل: لماذا نحتاج، كأردنيين، إلى تبرير موقف لا يختلف عليه اثنان؟
قد يكون هذا السلوك الجماعي انعكاسًا لتراكمات تاريخية ونفسية واجتماعية متشابكة، تشكل جزءًا من الوعي السياسي الجمعي في الأردن. فمنذ نكبة عام 1948، والأردن يعيش تشابكًا مع القضية الفلسطينية لا يشبهه أي بلد عربي آخر، ليس فقط بسبب الجغرافيا والدور السياسي، بل بسبب الامتزاج السكاني والتاريخ المشترك والمصير المتقاطع. هذه الخلفية جعلت من الموقف تجاه فلسطين مكونًا رئيسيًا في الهوية الوطنية الأردنية، لا يمكن فصله أو تجاهله.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الأزمات الإقليمية والضغوط الاقتصادية الداخلية، بات الخطاب السياسي والشعبي يتجه نحو مزيد من الحذر والتوازن. وبدأت تظهر فجوة، أحيانًا خفية وأحيانًا علنية، بين ما يقال رسميًا وما يشعر به شعبيًا. في هذه المساحة الرمادية، يلجأ المواطن العادي إلى إعادة إنتاج الموقف الوطني بصيغ متعددة من التبرير والتأكيد، وكأنه يحاول طمأنة نفسه قبل أن يُقنع الآخرين.
الضغوط الإعلامية الخارجية تلعب دورًا إضافيًا في تأجيج هذه الحاجة إلى التبرير. فمع تصاعد الخطاب الاتهامي في بعض المنصات العربية والدولية، يضطر الأردني إلى تبني موقف دفاعي حتى قبل أن يتهم، فيتحول من ناقل لموقف إلى مدافع عنه، ومن صاحب رأي إلى مفسّر لسياسات ربما لا يملك القدرة على تغييرها أو التأثير المباشر فيها.
هذه الديناميكية تطرح تساؤلًا مهمًا: هل نعيد تأكيد موقفنا لأننا مقتنعون به، أم لأننا نخشى أن يساء فهم صمتنا؟ وهل كثرة التبرير علامة على الإخلاص، أم دليل على هشاشة الثقة بالذات أو بالمتلقي؟
إن الموقف الأردني من فلسطين لا يحتاج إلى تبرير، بقدر ما يحتاج إلى تجديد أدوات التعبير عنه بثقة وهدوء، بعيدًا عن الانفعال أو التكرار. فالمواقف التي تنبع من الإيمان لا تكرّر، بل تعاش.