كيف اصبحت ايران العدو بدل اسرائيل ؟
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
منذ اللحظة الاولى لانتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 بقيادة الامام الخميني على نظام الشاه محمد رضا بهلوي عكفت دوائر الغرب بجناحيها الاميركي والاوروبي مستعينة ببعض دول المنطقة لوضع مخططات متواصلة لاستهداف نهج الحكم الجديد خاصة بعد رفع الثورة الاسلامية شعار دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين في محاولة منها للمساعدة في استعادة بعض الحقوق العربية والاسلامية المسلوبة
وهو ما أربك خطط المشاريع الاميركية التي كانت معدة للمنطقة في حينه خاصة مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد واخراج مصر السادات من معادلة الصراع والمواجهة مع العدو الاسرائيلي ومنذ تلك اللحظة بدأ يحاك في الغرف السوداء واعداد العدة لضرب الثورة وتمزيق نسيجها الوطني معتمدين في ذلك على وسائل شتى من الحرب العسكرية والاستخباراتية وصولاً الى التحريض القومي والمذهبي
البداية لمخطط ضرب ايران في العمق كانت تحت ستار منع ( تصدير الثورة الاسلامية ) حيث لم تكد تمضي حينها الا اشهر بل ايام قليلة على انتصار الثورة الاسلامية في عام 1979 حتى بدأت موجة اغتيالات استهدفت قيادات روحية وشخصيات فكرية بارزة في الثورة مثل ( محمد بهشتي عالم الدين والسياسي ) الذي شغل منصب رئيس مجلس الثورة الاسلامية ومجلس الخبراء وهو ثاني اكبر شخصية بعد الامام الخميني اغتيل في انفجار اطاح بمبنى الحزب الجمهوري الاسلامي الذي اسسه ثم اغتيال مرتضى مطهري وهو عالم دين ومفكر ومؤسس لمجلس شورى الثورة الاسلامية ) وغيرهم الكثير
عمليات الاغتيال هذه كانت تهدف في الاساس الى زرع الفوضى في البلاد بالتعاون مع بعض العناصر الداخلية التي جندتها اجهزة المخابرات الأجنبية ولم تكد تنتهي الثورة من اجتياز حاجز الاغتيالات والفوضى حتى أعلن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الحرب على ايران في ظل دعم غربي ومالي وفرته بعض الدول الخليجية بدافع حماية ( العالم العربي من الخطر القادم عبر بوابته الشرقية ) وما نجم عن ذلك من الخسائر الكبيرة في الارواح والاموال واستنزاف لطاقات وقدرات البلدين
اثناء ذلك لجأت واشنطن وحلفاؤها الى المعارك السياسية والاستخبارية لعزل طهران خصوصا بعد ما مدت ايران جسور التواصل مع بعض فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية ما دفع امريكا الى شن المعارك الخفية عليها ضمن محاولاتها المشئومة لأضعاف واختزال القضية الفلسطينية وحماية احتلال اسرائيل للأراضٍي العربية عبر اتفاقيات سلام جانبية ومنفردة تمثلت في توقيع اتفاقيتي اوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 1993 ووادي عربة مع الاردن 1994عام وقد ترافق ذلك مع لجوء الكيان الاسرائيلي الى الزج بكامل ترسانته العسكرية للقضاء على المقاومة وتصعيد الاغتيالات بحق قادتها واجتياح المدن الفلسطينية وشن حربين مدمرتين على لبنان في صيف عام 1993 وربيع عام 1996 وبعد الفشل الذريع في تحقيق اهدافهم الخبيثة عمدت اسرائيل الى الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 وبعده انسحبت من قطاع غزة في عام 2005 بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء آنذاك المجرم ارئيل شارون
هذا الواقع المتردي والمخيب للآمال دفع اسرائيل وامريكا ومعهم بعض دول حلف الاعتدال العربي الى التصويب المباشر على ايران بصفتها اعتبرت ( رأس محور الممانعة ) للسياسات الامريكية والغربية فبدأ التبشير بخطورة ما سمي بـ ( الهلال الشيعي ) حيث تم الترويج له بشكل منظم وانتشر في معظم الفضائيات والصحف المحلية والدولية المدعومة من قبل بعض الدول التي بدأت العزف بشكل واسع على مفهوم الصراع ( الوتر المذهبي ) في محاولة واضحة منها لتأليب الرأي العام العربي والاسلامي ضد ايران بهدف عزلها عن الساحة الاسلامية والعربية وابعادها عن قضايا العرب الاساسية وفي مقدمتها احتلال فلسطين ودعمها المادي والعسكري والمعنوي للمقاومة
في ظل الغزو الامريكي للعراق عام 2003 بدأت مرحلة جديدة من التحريض المذهبي أمام نجاح ايران في تقويضها واستيعابها للحملات السابقة التي حيكت ضدها اضافة الى صمود المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بدعم وغطاء سوري بوجه الاحتلال الاسرائيلي لهذا خططت وسعت الادارة الاميركية الى التدخل العسكري في المنطقة متذرعة بالحرب على ما اسمته بالإرهاب خاصة بعد وقوع احداث 11 سبتمبر عام 2001 على مركز التجارة العالمي حيث قامت على اثر ذلك باحتلال افغانستان والعراق
بعد الفشل الكبير في هذين البلدين انطلقت حملة تحريض مذهبية اوسع ضد ايران ساعدت فيها اطراف اقليمية عملت على تغذية الشعور المذهبي خاصة في العراق الذي دخل في دوامة عنف حصدت مئات الألاف من الابرياء ورغم ذلك استطاع العراقيون بوعيهم وتماسكهم تحقيق نجاح جزئي في منع انتشار الفتنة في بلدهم ودفعوا بالمقاومة الباسلة الاميركيين الى الخروج من بلادهم وهو ما اوجد الخوف لدى ( بعض دول المنطقة ) من احتمال غياب ( الحضانة والرعاية الاميركية عن انظمتهم )
وبدلاً من الانفتاح على ايران كدولة اسلامية وانشاء تعاون مشترك معها رفعت ( تلك الدول ) من سقف تمويلها لحملات التحريض ضد ايران وبدأوا بتصويرها على انها عدو العالم العربي الجديد ومن تلك المرحلة بدأ انقلاب الموازين فأصبحت ايران هي العدو بدل اسرائيل عدو للعرب والمسلمين الحقيقي
حملات التحريض ضد ايران وصلت الى مستوى غير مسبوق خاصة مع سقوط ابرز حلفاء واشنطن في المنطقة حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس والذي شعر معه الغرب والدول الدائرة في فلكه بانهم اصيبوا بضربة قوية فوجدوا في الازمة السورية التي اندلعت عام 2011 فرصة للنيل من ايران لقربها من سورية ولما تمثله من اهمية بالنسبة الى دعم المقاومة في لبنان وفلسطين
هنا وجدت امريكا وبعض حلفاؤها الاقليميين في الازمة السورية فرصة ذهبية لتسعير نار الفتنة والتحريض المذهبي ضد ايران وايقاع الشرخ في صفوف حركات المقاومة وتحميل ايران مسؤولية نزيف الدم السوري عبر القول ان الحرب في سورية هي بين اقلية علوية تحتكر السلطة ضد اغلبية سنية لهذا وغيره سخروا وسائل الاعلام على اختلاف انواعها لتحقيق هذا الهدف وتم الزج بـ ( الفتاوى الدينية المسيسة ) واستقدم الاف المقاتلين من شتى البلدان الى سورية تحت رايات ( الجهاد ) وسط هذا كله بدأت محاولات للإيحاء بان اسرائيل هي كيان وجار طبيعي ومسالم يمكن التعايش والتفاهم معه وان ايران هي دولة فارسية دخيلة على المنطقة وتسعى الى بسط نفوذها ونشر مذهبها وزرع الفتنة بين ابناء العروبة والاسلام
امريكا وعملائها هم اول من دعم عناصر التدخل الاجنبي وقد رفض عملائهم منذ البداية حصر حل الازمة بالسوريين لتسوية خلافاتهم واعتماد خيارهم الشعبي للوصول الى عملية تحول بنيوي وديمقراطي كما عمدوا الى تحريض العديد من الاطراف السورية اخرى على رفض اية حلول ورافع شعار اسقاط النظام ولو بالقوة المسلحة والتي لم تحصل منذ ثماني سنوات من القتل والدمار والتشرد
محاولات ضرب ايران المتكررة وتشويه صورتها جاءت بعد سلسلة الانتصارات التي حققها المقاومون في لبنان وفلسطين والذين وضعوا حداً لتفوق اسرائيل وكسروا شوكتها وهو ما لم يحتمله داعمو هذا الكيان على رأسهم الادارة الاميركية التي جندت حلفاءها في المنطقة من عرب وغيرهم وعملت جاهدة لعزل طهران ومحاصرتها وفي تفكيرهم نظرية قديمة وبالية ان ( ضرب الرأس يتداعى بعده الجسد )
ضمن تلك الغايات المشوهة كانت ايضا التهديدات الاسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية والتي بدأت حدتها تخف يوما بعد آخر وكلنا يتذكر كيف بات النتن ياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق الذي ملأ الدنيا جعجعة بعداءه لإيران يبحث عن سلم للنزول من الشجرة العالية التي صعد اليها في هذا المضمار حين طالب الإدارة الامريكية بتحديد خطوطا حمراء وواضحة لإيران إما ان تمتنع عن تخصيب اليورانيوم او تواجه هجوم عسكري ساحق وهو ملام يحدث بالأمس ولن يحدث مستقبلا لأن من شأن أي هجوم إسرائيلي أن يعطل او يؤخر عمل البرنامج النووي الإيراني لفترة قصيرة فقط دون التأثير على جوهر عملة ناهيك عما سجره من عواقب وخيمة على وجود إسرائيل بالكامل
امريكا بعد وصول بايدن لسدة الحكم لا تريد ات تتورط في أي هجوم عسكري ضد ايران خشية استهداف قواعدها العسكرية وقواتها في منطقة الخليج والدول المجاورة ولهذا تعتمد بكل صبر واحتمال المباحثات السياسية والتوافقية حول مشروع ايران النووي رغم الاعتراض وكل محاولات الابتزاز الاسرائيلية
ختاما ان مخططات استهداف ايران الامريكية والغربية والاسرائيلية المباشرة او عن طريق الوكلاء ستظل قائمة طالما بقيت القضية الفلسطينية بدون حل جذري وان افضل وسيلة لمقاومة تلك المؤامرات ومنع تفوق اصحاب مشاريع الفتنة في بلاد الغرب والعرب هو الاستمرار في احياء هذه القضية ومواصلة نهج المقاومة في لبنان وفلسطين والعمل على شد الاهتمام العربي والاسلامي اليها
ثم جعل فلسطين التاريخية بوصلة الصراع والمواجهة لـ ( تمييز العدو من الصديق ) ولعل من العدل والانصاف ان نبين بان صواريخ المقاومة الفلسطينية الاخيرة في معركة سيف القدس والتي وصلت للمرة الاولى الى مدن العمق الاسرائيلي الحيوية وهزت اركانها وعطلت عملها وادخلت مواطنيها كـ ( الفئران المذعورة الى الملاجئ ) تثبت بالدليل القاطع ان ايران هي خير داعم وصديق للقضية الفلسطينية والعرب امام من رفعوا شعارات السلام الذي ثبت زيفه وفشله كخيار اخير لاسترجاع الحقوق العربية المسلوبة ولو حتى في ابسطها او اقلها
mahdimubarak@gmail.com
ش