قراءة في تشكيلات رؤساء الجامعات..!
د. مفضي المومني
-بقلم /د. مفضي المومني.
أخيرًا وبعد مخاض طويل صدر بالأمس التشكيلات الجديدة لرؤساء الجامعات الأردنية الحكومية، وحسناً فعل مجلس التعليم العالي بالذهاب للأختيار المباشر، بدلاً من معمعة لجان الإختيار والتجاذبات التي كانت ترافقها، مع أن الأسماء تم تسريبها منذ اسبوع،حيث أثبتت التجارب أن نتاحات إختيار اللجان فيما سبق لم تكن بغالبها موفقة، ناهيك عن الإنفصام الذي يلي ذلك في تغييرات سابقة، حيث قامت نفس اللجان التي إختارت بعزل أو إعفاء بعض أو أغلب الذين اختارتهم، وكانوا أخضعوا لعملية غربله وتمحيص، وكنت قد اقترحت في مقالات سابقة أن يلجأ مجلس التعليم العالي للإختيار المباشر الحصيف من عقل الدولة، سنداً لتجاربنا الأولى عبر تاريخ تعليمنا العالي، والتي أفرزت قيادات وشخصيات أكاديمية نهضت بتعليمنا العالي وجامعاتنا، وتسيدنا المشهد في منطقتنا العربية، وما زال الجميع يذكر الكثير منهم كقيادات مؤثرة صنعت النجاح بأمكانات متواضعة، وبعد أن تحولنا للجان الإختيار توقف المشهد، وبدأت متسلسلة التراجع في تعليمنا العالي، واصبح التطور سلحفائياً بطيئاً حد التراجع، في حين شهدت نظم التعليم العالي في منطقتنا العربية أو الإقليمية تقدم متسارع، يواجهنا ونراقبه ونندب حظنا العاثر.
صحيح أن التغيير والتطوير هو سمة الأنظمة الحية، ومن لا يتطور ينتهي أو يخرج من الحلبة، ولكن التغيير المنشود في تعليمنا العالي يجب أن لا يكون تقليدياً يجتر تجارب وممارسات تقليدية سابقة، إذ لا يمكن تشبيه تغيير الحكومات بتغيير رؤساء الجامعات، ومعروف أن العمل الأساسي لأساتذة الجامعات هو عضو هيئة تدريس، وأن العمل الإداري هو تكليف مؤقت وليس دائم، ويأخذ طابع إعطاء الفرصة للجميع وبالذات القادرين ولكن ليس لحد الديمومة في الإدارة التي تبعدهم عن أكاديميتهم وتخصصاتهم.
كنا نتمنى أن تكون تغيرات الرؤساء جزء من عملية تطوير وتحديث متكاملة للتعليم العالي، وأن لا تكون إرتجالية بأي حال من الأحوال، كنا نتمنى أن تؤسس وزارة التعليم العالي ومجلسه لفعل ناجز متكامل مخطط له من خلال خطة تنفيذية واستراتيجية تم الوصول لها بعد مؤتمر وطني لتشخيص الحالة ووضع الاستراتيجيات والخطط التنفيذية لتطوير التعليم العالي، ومع التغييرات التي تمت منذ ايام، لمجلس التعليم العالي لا أعتقد أن يومين أو ثلاثة، كافية للغوص في عمليات تغيير أولها تشكيلات الرؤساء التي أعلنت في الأمس..!. طبعا كل الإحترام لرؤساء الجامعات الذين طلب منهم الإستقالة أو الذين لم يذعنوا وتم إعفائهم لتزيين المشهد، ومنهم من عين حديثاً ولم يعطى فرصة ليثبت حسن إدارته، ومنهم من تبقى له أشهر تطول وتقصر، ولا مبرر للتعجل بإخراجهم بهذه الطريقة، سيما وأنهم في ميزان الإنجازات، هنالك ما يحسب لهم او لبعضهم، ولكن تم أغماض العين واتخذ القرار ربما لأجل القرار وما وراءه..!، لأن الإبقاء على أحدهم ضمن متسلسلة من إشغال الرأي العام وعدم الرضى للعاملين وأخطاء لا تغتفر وتمديد مشكوك بأمره وإنجازات وهمية ولفلفة قضية معروفه وقضايا تنظرها المحاكم لها أول وليس لها آخر تعرفها كافة الجهات، أحدث صدمة على جميع المستويات، وأعطى إشارة سلبية أن المجلس لا يملك أمره، وأن تدخلاً ما حدث لصالح بقاؤه، يبدو أنه أكبر من اصحاب صلاحية إتخاذ القرار، وهذا ما يهمس ويصرح به الجميع، ولا مجال لاستغباء الناس او دفن الرؤوس بالرمال، ناهيك عن المقارنات التي يتحدث بها العارفين في التعليم العالي وكذلك الذين تم إعفائهم وهي مقارنات منطقية، لا تعطي أفضليه لمن تم إبقائه عليهم بكل الأحوال، ولكن المخفي أعظم، ولا نريد لتعليمنا العالي أن يبقى مخترقا لجهات، وأن يؤتى من قبله، نطمح أن تكون الأمور عادلة شفافة تحكمها الكفاءة والمؤهلات والصالح العام، لا المصالح والتدخلات أيا كان مصدرها، التعليم مثل القضاء إذا فسد، أفسد كل شيء ، فالعدل أساس الملك والتعليم أساس النجاح والتطور الحقيقي.
أما من تم تعيينهم فهم قامات أكاديمية وطنية معروفة، ومثلهم كثر في نظامنا التعليمي، نتمنى أن لا تطالهم عصى الإعفاء بعد حين..!، مثلما طالت من سبقهم، لأنه لا يحكمنا التخطيط، وما زلنا ننتج كل ما هو غير مفهوم أو مبرر او ممنطق..!، وأعود وأؤكد، لن تنجح المعالجات الإنفعالية أو العشوائية، التي يحكمها توجه وزير أو قرار فردي، بحيث تتغير وجهة التعليم وأسسه حسب شخص الوزير وتوجهاته، التعليم العالي يجب أن تقوده مؤسسية ضابطه ومحكمة لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها ولا بفرمانات مصدرها وزير أو متنفذين، أفسدت الكثير من جمال الصورة لتعليمنا العالي العتيق، وأصبحنا كمن يتلمس الطريق، فلا لون ولا طعم ولا رائحة، إلا بما رحم ربي، وجهود فردية خجولة غردت خارج سرب التسلط والبروقراطية الأكاديمية التي احترفناها، تنمو هنا وجذورها من نجاحات غيرنا غربا وشرقاً، لا تستعجلوا المبروك للرؤساء الجدد، ففي الذهن خوف من الآتي، تعودنا أن ننقلب على قراراتنا كل ذات واسطه أو تصفية حساب أو وزير ( رايح ووزير جاي)… .حمى الله الأردن.