الأسلحة الأميركية في أفغانستان أضحت غنيمة بيد طالبان
أنفقت الولايات المتحدة خلال عشرين عاما مئات مليارات الدولارات لتدريب الجيش الأفغاني وتجهيزه. لكن ذلك لم يمنع القوات الأفغانية من الانهيار أمام هجوم حركة طالبان التي باتت تملك ترسانة هائلة غنمتها من عدوها.
ففي تموز (يوليو) قال الرئيس الأميركي جو بايدن “لقد قدمنا لشركائنا الأفغان كل الأدوات، دعوني أشدد على ذلك، كل الأدوات”، أثناء دفاعه عن قراره سحب ما تبقى من القوات الأميركية من البلاد وترك الأفغان يقاتلون من أجل مستقبلهم.
ويتعرض بايدن راهنا لانتقادات من كل حدب وصوب نتيجة للانسحاب السريع وغير المنظم من أفغانستان، وأحد أعضاء الكونغرس حمله دم القتلى الأفغان نتيجة للزحف الطالباني.
ولم ينأى رد بايدن بأن الرئيس السابق دونالد ترامب هو من أطلق الانسحاب بعد عشرين عاما من الحرب التي بدأت ردا على هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، من الهجمات المتهمة اياه بتسريع الأزمة عبر “إفشال” عملية الانسحاب.
وجاءت انتقادات مكارثي غداة هجوم شنه نظيره في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي تحدث عن “كارثة متوقعة” ودعا بايدن إلى دعم الجيش الأفغاني ضد طالبان بمساندة جوية أولا.
ووصلت حركة طالبان إلى مشارف كابول والتي تبعد عنها فقط 11 كيلو مترا، بينما تخطط واشنطن لإرسال ثلاثة آلاف جندي أميركي لإجلاء دبلوماسييها.
وقال زعيم الجمهوريين في مجلس النواب كيفن مكارثي إن إدارة بايدن “سلمت كما كان متوقعا دولة بأكملها للإرهابيين”.
عناصر قوات الأمن الأفغانية لم يبدوا رغبة كبيرة في القتال. فقد ألقى الآلاف منهم أسلحتهم، أحياناً بدون أدنى مقاومة. وسارع متمردو طالبان من جانبهم إلى وضع يدهم على هذه “الأدوات”.
وتنتشر بشكل واسع على مواقع إلكترونية موالية لطالبان مقاطع فيديو تُظهر مقاتلين من الحركة يصادرون شحنة أسلحة هنا أو هناك، ومعظمها مقدم من قوى غربية.
في صور أخرى لجنود يستسلمون أمام مقاتلي طالبان في مدينة قندوز في شمال شرق البلاد، تظهر آليات مصفحة ومجهزة بقاذفات صواريخ بين أيدي المتمردين.
في مدينة فرح الغربية، يسير مقاتلون دوريات في الشوارع على متن آلية رُسم عليها نسر يهاجم أفعى، وهي الشارة الرسمية لأجهزة الاستخبارات الأفغانية.
وتوضح جوستين فليشنر من مؤسسة بحوث التسلح أثناء النزاعات (كونفليكت أرمامنت ريسرتش) أنه رغم أن القوات الأميركية أخذت معها أثناء انسحابها المعدات التي تُعد “متطورة”، إلا أن متمردي طالبان استحوذوا على “مركبات وآليات هامفي وأسلحة خفيفة وذخيرة”.
ويرى الخبراء أن هذه الغنيمة غير المتوقعة ساعدت إلى حد بعيد متمردي طالبان الذين بامكانهم أيضاً الاعتماد على مصادرهم الخاصة للحصول على أسلحة. واتُهمت باكستان خصوصاً بتمويل مقاتلي طالبان وتسليحهم، الأمر الذي نفته على الدوام.
ويعتبر الخبير في كلية “اس. راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة رافايلو بانتوتشي أن هذا التسلح لن يساعد متمدري طالبان في الوصول إلى كابول فحسب، إنما كذلك في “تعزيز سلطتهم” في المدن التي سيطروا عليها.
مع الانسحاب شبه الكامل للقوات الأميركية، يجد متمردو طالبان أنفسهم يملكون عدداً كبيراً من المعدات الأميركية، بدون الحاجة إلى إنفاق فلس واحد للحصول عليها. وأضاف بانتوتشي “إنه أمر خطير للغاية. من الواضح أنه نعمة سقطت عليهم”.
وقبل أسابيع من الذكرى العشرين لاعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة، تعرض طالبان بزهو هذه الترسانة وتواصل بحسب الأمم المتحدة، إقامة روابط وثيقة مع تنظيم القاعدة الذي يقف خلف هذه الاعتداءات.
ويوضح جايسون أمريني وهو عنصر سابق في القوات الأميركية الخاصة شارك في غزو أفغانستان عام 2001 لطرد طالبان من الحكم، أن الأميركيين كانوا مستعدين لفكرة أن مقاتلي طالبان سيستحوذون على بعض الأسلحة، لكن سقوط المدن بشكل سريع في أيدي المتمردين كان السيناريو الأكثر تشاؤماً بالنسبة لهم.
ويقول “الولايات المتحدة جهزت الجيش الوطني الأفغاني مفترضةً أن الأسلحة والمعدات يمكن أن تقع في أيدي طالبان” مضيفاً “الأزمة الحالية كانت السيناريو الأسوأ، عندما اتُخذت قرارات شراء” المعدات.
وفي مطار قندوز، يظهر عنصر من طالبان في فيديو على متن دراجة نارية حمراء اللون أثناء مشاهدته مروحية عسكرية على مدرج قريب.
يمكن ملاحظة مشهد الابتهاج نفسه في كافة الأراضي التي سيطرت عليها الحركة. لكن إذا واصلت إظهار هذه المشاهد لإثارة حماسة مقاتليها، فلن تتمكن من استخدام هذه المروحية بدون طيار في ساحة المعركة.
ويشير المحلل السابق في مجال مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي اي ايه) أكي بيريتز إلى أن “ذلك سيكون لأغراض دعائية فقط”.
فالأسلحة الخفيفة أكثر فائدة، على غرار الآليات التي ستسهل التنقلات في هذه الأراضي الوعرة. ستعزز هذه المعدات إضافة إلى تراجع معنويات الجيش الأفغاني، التهديد الذي تمثله طالبان.
رغم ذلك، أكدت إدارة بايدن أنها ستواصل تجهيز الجيش الأفغاني الذي يوشك على الانهيار.
التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للولايات المتحدة. فبعد انسحابها من العراق، سيطر تنظيم “داعش” على مدينة الموصل منتصف العام 2014، واستولى على أسلحة وآليات هامفي أميركية. واستخدم التنظيم هذه المعدات بعد ذلك لإعلان الخلافة في العراق وسورية.
وعلى غرار مقاتلي تنظيم “داعش” في الموصل، يقف مجندو طالبان لالتقاط صور مبتسمين وهم يحملون ذخائر استولوا عليها في المدن التي سيطروا عليها في كافة أنحاء أفغانستان.
يقول بيريتز إن “هذا الانسحاب يتحول إلى هزيمة”.
في غضون ذلك قال الرئيس الأفغاني، أشرف غني أمس إن هناك مشاورات مكثفة تجري حاليا من أجل وقف الحرب، وسط تقدم متسارع لحركة طالبان التي أصبحت على مشارف العاصمة كابول.
وتعهد غني في كلمة بثها التلفزيون الرسمي الأفغاني بالدفاع عن الديمقراطية في بلاده، مؤكدا أن الأولوية القصوى الآن هي لحشد قوات الجيش الذي تهاوى أمام حركة طالبان في الأيام الأخيرة.
وقطع الرئيس الأفغاني الطريق أمام الإشاعات التي قالت إنه قد يقدم استقالته، مؤكدا أنه يسعى لمنع وقوع مزيد من الاضطرابات والتهجير في البلاد. لكن يبدو الواقع على الأرض مغاير لما يرمي إليه الرئيس الأفغاني، إذ إن حركة طالبان سيطرت على أكثر من نصف مراكز الولايات، خلال 8 أيام فقط. -(وكالات)
التعليقات مغلقة.