أخيرا اسرائيل عضو مراقب في الاتحاد الافريقي
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
بعد نحو عقدين من المساعي الدبلوماسية تمكنت إسرائيل اخيرا من الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي معلوم تاريخياً ان القضية الفلسطينية حظيت بالدعم الكبير على مستوى هياكل وأجهزة الاتحاد الإفريقي حيث منحت فلسطين صفة العضو المراقب سنة 2013 كما تشارك فلسطين في الاجتماعات الدورية للاتحاد الإفريقي في حين لم تنجح دولة الاحتلال الإسرائيلي في الحصول على صفة المراقب بالاتحاد الإفريقي منذ 2002 لعدة أسباب حيث كان هناك تعارضاً قيمياً ومبدئياً بين ميثاق الاتحاد وقبول انضمام إسرائيل المصنفة كدولة احتلال عنصري
لذلك عملت إسرائيل خلال العقدين الماضيين على تفكيك هذا التصور والتخفيف من حدة المواقف السياسية عبر الأدوات الاقتصادية مع التركيز على تحسين العلاقات الثنائية مع الدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية الفرعية كالأكواس ECOWAS بدلاً من التعامل مع الكتلة الإفريقية كاملة
وقد نجحت إسرائيل عبر هذه السياسة في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع 46 من 55 دولة في الاتحاد الإفريقي وهو ما سهل عليها تحقيق طموحها السياسي الأكبر المتمثل في الولوج إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب على حساب الأمن القومي العربي
وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد وصف القرار بانه يوم تاريخي يستحق لاحتِفال به وفي بيان أصدره مكتبه قال ان هذا ( يوم احتفال بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية ) وأضاف أن هذه الخطوة ستساعدنا على تعزيز أنشطتنا في القارة الإفريقية ومع الدول الأعضاء في المنظمة وسيمكن إسرائيل من مساعدة الاتحاد الأفريقي بشكل أكبر في مجالي مكافحة جائحة كوفيد-19 والتصدي للإرهاب
في الواقع لم يكن غريب ولا مفاجأ قرار منح إ اسرائيل عضو مراقب في الاتحاد الافريقي اذا ما عرفنا أن الوجود الاسرائيل في القارة كان يتصاعد يوماً بعد يوم وربما يوازي وجودها في مناطق الشرق الاوسط وان القارة السمراء كانت على الدوام ذات أهمية مركزية لإسرائيل حيث تزخر بالموارد البشرية والطبيعية ويتوفر فيها العديد من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية
لقد عملت المخططات الصهيونية بكل جهد لإيجاد موطئ قدم في ثاني اكبر قارات العالم من حيث المساحة ( 30 مليون كم ) اضافة الى اهمية الموقع الاستراتيجي واحتياطات الثروات الطبيعية حيث يوجد فيها ( ماس وذهب ونحاس ومنجنيز وكروم ويورانيوم والقوة المائية ) فضلا عن كميات النفط الهائل اذ يبلغ الاحتياطي العام معدل 17.2 مليار طن وهو ما يعادل احتياطي النفط في أوروبا وغيرها مع الاشارة الى عدد السكان الذي سيبلغ خلال عقود قليلة مقبلة 2.5 مليار نسمة
ولذلك اعتبرت القارة الافريقية جزء من مشروع الحركة الصهيونية الذي بدأ عام 1897عند اختيار بعض مناطق افريقيا كأراضي لتوطين اليهود في البديات الى ان تم اختيار فلسطين ولكن على المدى البعيد بقي اهتمام الزعماء الصهاينة امثال حاييم وايزمن وثيودر هيرتزل بيوغندا وكينيا والكنغو وزائير وموزمبيق وكذلك جولدا مائير ابدت اهتماماً استراتيجياً ذو بعد اقتصادي وعسكري وسياسي يضمن وجود قواعد جوية وبحرية اسرائيلية على امتداد خليج عدن وشرق المحيط الهندي بالإضافة الى توفير الدعم لإسرائيل في المحافل الدولية واضعاف اهتمامها ومساندتها للقضية الفلسطينية
في السبعينات من القرن الماضي كانت زائير ( الكنغو ) بزعامة موبوتو سسيكو هي البلد الإفريقي الوحيد الذي يعترف بالكيان الإسرائيلي اليوم إثيوبيا باتت تشَكّل رأس الحربة في مشروع الاختِراق الإسرائيلي للقارة الإفريقيّة حيث طعنت الأمة العربية في ظّهرها بخِنجرٍ مسموم عندما أقامت ( سد النهضة ) تحت سمع العرب والمسلمين وبصرهم مستعينةً بالخبرات الإسرائيلية وبعض الأموال العربية ولا زالت حتى الساعة القيادة الامنية والسياسية الاسرائيلية تقوم بزيارات متواصلة لعدد من الدول الافريقية ذات الثقل والتأثير لغايات مزيد من التمدد والسيطرة وتحقق مكاسب سياسية واقتصادية وامنية تحت شعار ( إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تعود إلى إسرائيل ) خاصة في ظل انهيار المنظومة العربية وانشغال القيادات بالصرعات على الحكم والحروب والثورات والاضطرابات الداخلية
وقد استطاعت اسرائيل تكوين علاقات دبلوماسية مع أكثر من 32 بلد افريقي حيث كانت تساهم دائما في دعم الحركات الانفصالية الافريقية في ( نيجيريا وجنوب السودان ) كما ساندت وايدت نظام التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا وقد اصبحت من اكثر الدول مبيعا للأسلحة في القارة الافريقية من ( طائرات بدون طيار وسفن سريعة ورشاشات ومدافع ومركبات مدرعة ووسائل تعقب إلكتروني ) وغيرها ناهيك عن ميادين التدريب والاستخبارات والخبراء والمرشدين العسكريين والمرتزقة
ورغم من محدودية ( دور الدولة المراقب ) في صناعة واتخاذ القرار على مستوى المنظمات الدولية الحكومية فإن تمكن إسرائيل من دخول الاتحاد الإفريقي يمثل اختراق خطير لقارة كانت تقف دائما وبقوة إلى جانب القضايا العربية والفلسطينية خاصة وانه مكسب سياسي يقع ضمن تصورها العام حول أهمية المصلحة الإسرائيلية داخل المنظمات الدولية الحكومية وملء أي فراغ قد يكون حتمياً لصالح القضية الفلسطينية وعليه فإن وجود إسرائيل كعضو مراقب سيسهل استفادتها من الكتلة الإفريقية المهمة سياسياً على المستوى العالمي وستضفي مزيداً من الشرعية على الوجود والسلوك الإسرائيليين وقد لوحظ مؤخراً تغير اتجاهات التصويت في الكتلة الإفريقية لصالح إسرائيل كما امتنعت بعض الدول الإفريقية عن التصويت على قرارات لصالح فلسطين كما كان معتاد سابقا
على المستوى الإقليمي يتيح وجود إسرائيل كعضو مراقب في هذه المنظمة فرصة سانحة لتحقيق أهداف مختلفة على مستويات متعددة أبرزها العمل على تعميق العلاقات مع الدول الإفريقية والاستفادة مما تنتجه مؤسسات الاتحاد الإفريقي من مبادرات ومشاريع مختلفة خاصة ضمن لجنة الزراعة والتنمية الريفية والمياه والهجرة واللاجئين ولجنة النقل والبنية التحتية والبنية التحتية العابرة للقارات والأقاليم والطاقة والسياحة وهي القطاعات التي تمتلك فيها إسرائيل ميزة نسبية وافرة
سياسياً سيزيد الوجود الاسرائيلي داخل الاتحاد الإفريقي من تحييد الأصوات الإفريقية المناهضة لوجودها أو سياساتها لا سيما تجاه القضية الفلسطينية كما ستعمل اسرائيل على الترويج للسردية التاريخية الإسرائيلية وصورتها في إفريقيا وهذا ما يتيحه ميثاق الاتحاد الإفريقي بالسماح للعضو المراقب بإلقاء خطابات وإسماع صوته وموقفه ولا يمكن أن ننسى كيف اعتلَى بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق منبر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا خطيبًا قبل أشهر
إسرائيل تهدف من حصولها على صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي الى تحسين مكانتها الدولية وزيادة قدرتها على مواجهة التحركات الفلسطينية في الأوساط عالميا فضلا عن أن العضو المراقب له حق المشاركة في الاجتماعات كما يحق له تقديم المقترحات والتعديلات والمشاركة في المناقشات وهي تمثل البداية لمرحلة جديدة في بناء علاقة إسرائيل بالمنطقة على المستوى القاري لتعزيز المبادرات القارية ضمن جدول أعمال 2063 ( الخطة الأفريقية والخطة الرئيسية لتحويل أفريقيا إلى قوة عالمية للمستقبل ) وقد تم مؤخرا تصنيف سبع دول افريقية ضمن قائمة أعلى عشرة دول في العالم من حيث معدلات النمو
اقتصاديا إسرائيل تسعى لفتح أسواق جديدة في القارة الصاعدة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية والإقليمية كما تروج نفسها لدى الأفارقة بأنها بوابة رئيسية لأسواق المال العالمية ولذلك تنظر عدد من الدول الأفريقية إلى إسرائيل باعتبارها بوابة قوية لتمتين علاقاتها مع الغرب خصوصا مع المؤسسات المالية الدولية طمعا في الحصول على القروض والهبات والمساعدات
الحضور الاقتصادي الإسرائيلي في أفريقيا اخذ أشكالا مختلفة ومتعددة ففي ساحل العاج على سبيل المثال تقوم إسرائيل على إنجاز محطة للطاقة الحرارية باستخدام الغاز الطبيعي بكلفة 500 مليون دولار وفي أثيوبيا من المقرر أن تتولى شركة كهرباء إسرائيل إدارة كهرباء سد النهضة المثير للجدل وكذلك إقامة محطات توليد الكهرباء الخاصة به كما تأمل اسرائيل في تحقيق تكامل اقتصادي مع افريقيا يشمل مجالات الثقافة والصناعة والفلاحة والتبادل التجاري وتقديم المساعدات التنموية ودعم المجتمع المدني والديمقراطية ومحاربة الايدز
أما عسكرياً فان ولوج اسرائيل الى السوق الإفريقية بشكل أعمق سيعزز القدرة التنافسية الإسرائيلية في إفريقيا في مواجهة القوى الإقليمية أو الدولية التقليدية أو حتى الجديدة ( فرنسا وروسيا والصين وتركيا ) والتأثير على ميزان القوى في بعض الأقاليم والنزاعات الحساسة بشكل يتوافق مع مصالحها الكبرى مثل النزاع في ( تيغراي ونزاع سد النهضة ونزاع الصحراء الغربية ) وغيرها من القضايا والصراعات المعقدة
قبل الختام نقول لأنفسنا لماذا نلوم الحكومات الإفريقيّة التي صوتت لصالح هذا القرار وفتحت أبواب عواصمها وسفاراتها أمام الدبلوماسيين الإسرائيليين فاللوم الحقيقي يجب أن يقع علينا كعرب ومسلمين اولا و كفِلسطينيون ثانيا وهم الذين وقّعوا منذ زمن بعيد اتفاقات السلام مهينة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي وأصبحت قوات أمن السلطة تحمي العدو عن طريق ما يسمى بالتنسيق الأمني مع الاحتِلال والتجسّس على المواطنين وتوفير الحماية الأمنية للمُستوطنين وهي تمنع توحارب كل أشكال المقاومة
هناك ما يَقرب من 50 سفارة عربية في العواصم الإفريقية المختلفة لم تحرك ساكن ولم تنديد بالقرار سوى دولة ( جنوب أفريقيا وناميبيا ) ولم تطالب بطرد اسرائيل من الاتحاد الا ( دولة الجزائر ) أليس من حق هذه الشعوب الطبيعي أن يسألوا حكوماتها ماذا يفعل هؤلاء هناك
اليوم وفي غفلة قادة الأمة وبعض شعوبها وبعد استشراء التطبيع المشين واستحكام الهوان والذل تتَسلل إسرائيل إلى عقر دار الاتحاد الإفريقي عبر بوابة التواطؤ والإهمال العربي وغدًا وليس غريب قد نصحو على ( قرار مشابه بانضمامها إلى عضوية الجامعة العربية ومنظّمة التعاون الإسلامي ) لم لا وزَمنِ تناسل الانبطاحين والمطبعين يتسارع ويشتد في ظل غِياب الزعامات التاريخية التي كانت تحول ولو بعض الشيء من التطاول على الامة وقضاياها المركزية
mahdimubarak@gmail.com