عاملات الزراعة في الأغوار.. أعمال شاقة بأجور زهيدة
وادي الاردن- ما بين أجر لا يسد قوت اليوم وظروف عمل غير إنسانية وغير لائقة واعتداء لفظي ومعنوي تبقى النساء العاملات في القطاع الزراعي في وادي الاردن رهينة قرارات غير مفعلة.
تبدأ النساء العاملات يومهن منذ بزوغ الشمس بركوب حافلات، أو شاحنات صغيرة مكشوفة السقف ما قد يعرض حياة البعض منهن للخطر أو لعاهات مستديمة أو ضربات شمس، بحثا عن اجر لا يليق به أن يسمى حتى فتات أجر لينفقنه على أسر يعلنها.
على مدى عشرين عاماً تبادلت الخمسينية ختام غنيم جميع الأدوار، فكانت الأب والأم لابنتها الوحيدة بعد وفاة زوجها، وخلال هذه الأعوام العشرين كانت ختام تخرج من منزلها منذ ساعات الصباح الباكر بانتظار الباص على أطراف منزلها في منطقة كريمة في لواء الأغوار الشمالية، للعمل في الوحدات الزراعية من اجل تسديد تلك الفواتير المتراكمة عليها من ماء وكهرباء، مشيرة إلى أن ما تتقاضاه لا يكفي لتوفير أقل ما يلزم لاستدامة الحياة.
وتقول ختام إنها حتى هذا اليوم ما تزال تستيقظ في الصباح الباكر لتسلك الطريق الذي اعتادت ان تسلكه مع زميلاتها منذ عشرين عاماً، لتقي نفسها من قطرات الماء الباردة في فصل الشتاء تحت احد البيوت البلاستيكية ولتجد نفسها أمام خطوط اشتال البندورة الطويلة، فتتبخر تلك القطرات الى ما يشبه حمام البخار ليستنفد طاقتها وزميلاتها.
وما يؤلم ختام انها وزميلاتها يعملن أكثر من بعض الرجال العاملين في نفس المزرعة، غير أنهن يتقاضين أجورا أقلّ بكثير منهم تحت ذريعة أنهن نساء.
وأضافت ختام أنه ورغم ساعات العمل الطويلة داخل البيوت البلاستيكية، فالعديد من زميلاتها يتعرضن للاستغلال من قبل أصحاب المزارع، بعدم دفع الأجرة مبرراً ذلك بخسارة المحصول الزراعي.
وتقول ام أيمن وهي إحدى العاملات في قطاع الزراعة “اللقاطات”، انه منذ أكثر من 10 اعوام وهي تتقاضى أجراً زهيداً لا يتجاوز الستة دنانير يوميا، مقابل ساعات العمل الطويلة مع زميلاتها العاملات في المزارع المنتشرة في منطقة كريمة في لواء الأغوار الشمالية، مضيفة أن أجرة اليوم الواحد لا تقضي جميع متطلبات الحياة.
وتقول ام أيمن انها اضطرت للعمل في المزارع من أجل اعالة زوجها، الذي تراكمت علية الديون، خصوصاً انها ام لثمانية أبناء جميعهم متعطلون عن العمل.
وتضيف سعدا، أنها تعمل في مجال الزراعة بنظام المياومة منذ 3 سنوات لتحصل على ستة دنانير في نهاية اليوم، موضحه أنها أجبرت على العمل في هذا القطاع لإعالة والدتها التي تقطن معها في نفس المنزل.
وذكرت سعدا، أنها تتقاضى من دائرة الشؤون 60 دينارا شهريا، وهذا المبلغ بالطبع لا يكفيها لتأمين ابسط مستلزمات الحياة، وهو ما دفعها أيضا للعمل بالزراعة.
وبالإضافة إلى ظروف العمل القاسية ودرجات الحرارة المرتفعة في لواء الأغوار الشمالية، فإن العاملات لا يحظين بأي من حقوق العمال الآخرين، كما انهن يرتضين العمل دون وسائل السلامة العامة التي لا يوفرها لهم أصحاب المزارع، مثل القفازات والكمامات التي تحول دون استنشاقهن للمبيدات الحشرية و غبار الأسمدة والمواد الكيماوية.
وقال المهندس نصر بكار من قسم الإرشاد في مديرية زراعة الأغوار، أن التنمية الاجتماعية لديها أساسيات لقبول طلب المعونة، مشيرا الى أن أغلب النساء العاملات في القطاع الزراعي متزوجات ومشمولات بالضمان الاجتماعي وصندوق المعونة الوطنية.
وأضاف بكار، أن النساء العاملات في فترة الصيف تختلف طبيعة عملهن، حيث تتراوح مابين الساعة السادسة إلى الساعة العاشرة مقابل أجر لا يتجاوز ال 6 دنانير، مشيراً إلى أنه تم عقد دورات تثقيفية لمعرفة أساليب الوقاية بالتعاون مع الشركة الوطنية للجيش ووزارة العمل حيث عقدت أخر دورة في آذار (مارس) من العام الحالي وتضمنت 120 عاملا وعاملة من منطقة الأغوار.
من جهته قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، أن انتشار العاملات في القطاع الزراعي بشكل كبير يعود لتوسيع نشاط النساء في هذا القطاع، مضيفاً أن الزراعة هو القطاع الأوسع لعمل النساء في الأغوار التي تعتبر من المناطق الأشد فقراً.
ولفت الى أن جائحة كورونا أثرت على تراجع الدخل بشكل ملموس مما دفع النساء للجوء للعمل في الزراعة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
وأشار عوض لطبيعة العمل في القطاع الزراعي، موكداً أن هناك انتهاكات واضحة لحقوق العاملات، خاصة مع الظروف الجوية بالأغوار واشعة الشمس الحارقة.
وأكد أنه في المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق، تم إجراء العديد من التقارير بخصوص وسائل النقل غير اللائقة التي تستقلها العاملات من وإلى أماكن عملهن بشكل يومي، مما تعرضهن لعمليات استغلال جسدي وتحرش من قبل العاملين بسبب الاكتظاظ في وسائل النقل المختلطة.
ولفت عوض، إلى أن طبيعة العمل في القطاع الزراعي غير نظامية، حيث يعملن يومياً لصالح أصحاب عمل مختلفين وساعات عمل مختلفة، تتفاوت ما بين 5 الى 8 ساعات يومياً، مقابل أجر يومي يتراوح ما بين الدينار إلى دينار ونصف على الساعة الواحدة.
وأكد عوض بعد إجراء العديد من الدراسات والتقارير من انعدام شروط السلامة والصحة المهنية، التي يجب أن تتمتع بها العاملات، بخاصة مع الظروف الجوية في مناطق الأغوار، مشيراً لخطورة العمل في قطاع الزراعة لتعرض العاملات لخطر المبيدات الحشرية. واضاف انه تم تسجيل العديد من الإصابات بلدغ افاع وعقارب خلال ساعات العمل.
وأشار عوض، بعد صدور قرار بشمول العاملين والعاملات بقطاع الضمان الاجتماعي، تم صدور أمر دفاع بتجميد القرار لمعاناة أصحاب المزارع.
واختتم عوض أنه تم عقد العديد من الدورات التدريبية، وبداية العام تم عقد اربع جلسات توعوية لزيادة وعي العاملات بحقوقهن بقانون العمل والضمان الاجتماعي، موكداً أنه لا يتم التميز بين عمال مهاجرين او محليين.
وقال محمد زيود الناطق باسم وزارة العمل، انه تم صدور نظام عمال الزراعة لسنة 2021 بحيث أصبحت العاملات في القطاع الزراعي مشمولات بقانون العمل والضمان الاجتماعي.
وأضاف أن ساعات العمل الزراعي هي ثماني ساعات في اليوم الواحد، ولا تزيد على 48 ساعة في الأسبوع تتوزع على 6 أيام على الأكثر، وتعطى خلالها فترة لتناول الطعام لا تقل عن ساعة واحدة في اليوم حسب ظروف العمل، ولا تحسب ضمن ساعات العمل الزراعي.
وأكد الزيود على أنه لا يجوز تشغيل العامل أكثر من ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية، دون موافقة العامل، ويشمل ذلك الحالات الطارئة من أجل تلافي وقوع خسائر في المنتجات النباتية والحيوانية، على أن يتقاضى العامل أجراً اضافياً بحسب المنصوص عليه في قانون العمل.
واشار إلى استحقاق العامل الزراعي أجازة سنوية بأجر لمدة 14 يوما بالسنة، وفقاً لما تقتضيه طبيعة العمل وبالاتفاق مع صاحب العمل الزراعي.
واكد أن فرق التفتيش تقوم بالتفتيش على كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية، للتأكد من مدى الالتزام بقانون العمل والأنظمة الصادرة بموجبها، مشيرا الى ان الوزارة تستقبل جميع الشكاوى المتعلقة بالقضايا العمالية على منصة حماية وتقوم فرق التفتيش بالتواصل مع العامل وصاحب العمل لتحقق في الشكوى، والتأكد من مدى التزام صاحب العمل بقانون العمل، وفي حال عدم الالتزام تقوم الوزارة بأخذ الإجراءات القانونية.
ودعا الزيود العاملات في حال وقوع انتهاكات، التقدم بالشكاوى من خلال منصة حماية او عبر منصات التواصل الاجتماعي لوزارة العمل.
روان الغزو/ الغد
التعليقات مغلقة.