نقص الخدمات يدفع أهالي محطة معان التاريخية للهجرة
بعد أن كانت منطقة يؤمها المسافرون من بلاد الشام والجزيرة العربية قبل أكثر من مائة عام، عن طريق الخط الحديدي الحجازي، ومنطقة اقتصادية حيوية، وبعد ان شهدت البدايات الاولى لتأسيس المملكة، أضحت “محطة معان”، في مهب هجرة ما تبقى فيها من سكان.
والمحطة التي تعد من المناطق التاريخية، بما تحتفظ به من إرث وطني، جسده وصول الملك عبد الله الأول في رحلته الى معان، لينطلق منها في تأسيس الدولة الأردنية المعاصرة، اضحت اليوم مكانا شبه مهجور، يقطنه عدد قليل من الاهالي، بعدما هجره قاطنوه على مدى العقود الماضية، لانعدام خدماته، وغياب الاهتمام الرسمي في الحفاظ عليه وعلى مكانته التاريخية.
ويشكو الاهالي الباقون من ضيق العيش في منطقة، يقولون إن الاهتمام الرسمي غاب عنها، مع انها تشكل النقطة الاولى لنشوء المملكة، وتحتفظ بذاكرة تأسيس البلاد، وكان من الممكن استغلالها في السياحة الوطنية على الاقل، عن طريق اعادة ترميم مبانيها القديمة وإنشاء بانوراما، تسرد تلك اللحظات التاريخية عن بداية قصة المملكة، الى جانب مشاريع سياحية.
ولفتو الى أن ما بين 500 الى 600 مواطن يقطنون المنطقة التي تعج بالمباني القديمة المهجورة، تغيب عنها الخدمات والمواصلات العامة، والمشاريع التنموية ولا تحتوي الا على مدرسة أساسية، وهي بلا مركز صحي، وتفتقر لأدنى وسائل العيش، اذ يعيش جزء من قاطنيها على نحو بدائي.
وأشاروا الى أن الهاجس الطاغي على الاهالي في المحطة، هو مغادرتها الى غير رجعة، بعد ان عاشوا فصولا من المعاناة المريرة مع غياب الخدمات فيها، وعدم الاستفادة من تاريخها وإرثها الباقي كشاهد على لحظات مهمة من تاريخ الأردن المعاصر.
وبالرغم من المسافة القصيرة بين المحطة ومدينة معان الحديثة، والتي لا تتعدى الـ7 كلم، الا أنه في ظل غياب وسيلة تنقل عامة، باتت تشكل عبئا كبيرا للأهالي، في ظل اوضاع معيشية قاهرة، لا تمكنهم من التنقل بسيارات “التاكسي الاصفر”، وتدفعهم للاستعانة في تنقلهم، بالسيارات الخاصة، أو بسيارات فاعلي الخير.
وكشفوا ان المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد جراء غياب وسائل النقل، فطلبة الثانوية العامة والمرضى وكبار السن، يعانون الامرين للانتقال من المحطة الى المدينة.
وفي ظل ما تفتقر له من خدمات، فإنه تغيب عن “محطة معان”، أيضا، المشاريع الإنتاجية والتنموية، التي كان يمكنها الاسهام بتشغيل المتعطلين عن العمل، بخاصة المشاريع السياحية التي ترتبط بتاريخ الأردن.
وفي ظل احتفالات المملكة بمئوية الدولة، تساءل أهال في المحطة، حول غياب منطقتهم عن هذه الاحتفالات، التي أملوا ان تسلط الضوء عليها، وتعيد تأهيلها، وتكرسها كموقع أساس في قراءة تجربة تشكيل الدولة الأردنية المعاصرة.
وبينوا أن العجز عن الالتفات الى هذا الجانب في خدمة المحطة، يجعلهم ايضا عاجزين عن الاستمرار فيها تحت وطأة غياب الخدمات والاهتمام وفرص العمل.
وطالبوا الجهات الرسمية بوضع حد للتجاهل الذي تعيشه المحطة، وتحسين أوضاع قاطنيها، وإنشاء بنية تحتية فيها، تجعلها منطقة جاذبة، وتعيد إحياءها، وإحياء مكانتها التاريخية والاقتصادية الزاخرة.
ويدعو صدام صلاح، أحد الاهالي، الى أن هذا الامر، يتطلب إنشاء عيادة صحية، لتحسين وضع الخدمة العلاجية في المنطقة، لافتا الى أن المرضى يضطرون للذهاب إلى المراكز الصحية والمستشفيات في مدينة معان لتلقي العلاج هناك.
فيما يشير محمود العطون، الى أن قضية المواصلات، تشكل عبئا عليهم، وتدفعهم الى التنقل بواسطة “التاكسي الأصفر” في حال توافره، أو عن طريق سيارات عابرة، أو فاعلي الخير من سائقي المركبات الخاصة.
ويلفت الى أن هناك حافلة عمومية كانت تخدمهم، لكن مالكها غير خط سيره إلى موقع آخر، ما يضطر غالبيتهم للخروج من منازلهم مبكرا، للتغلب على مشكلة التأخر اليومي عن اعمالهم ومشاغلهم، بخاصة الموظفين والطلبة والمرضى، ممن يتوجهون إلى معان.
كما يلفت المواطن أحمد الفناطسة، الى مشكلة انقطاع المياه لفترات طويلة، بخاصة في الصيف، وضعف إنارة الشوارع والأحياء السكنية، مشيرا الى تدني مستوى النظافة وتراكم الأنقاض، وانبعاث الروائح الكريهة، فالمنطقة بدون عمال نظافة وحاويات النفايات غير كافية.
ويكشف محمد الخوالدة، من ابناء المنطقة، بأن المحطة، تعج ببيوت تحولت الى خرابات وأماكن مهجورة، ما يجعل تلك الاماكن المحملة برائحة التاريخ، خطرا على سلامتهم.
وبين سماح العمامرة، أحد الوجهاء، أن تناقص عدد سكان المحطة، يعود لغياب المرافق الخدمية والمشاريع التنموية والإنتاجية، لذلك يهجرها أهلها، وما تبقى منهم يعيشون في شبه عزلة وأوضاع معيشية صعبة منذ عقود، ما جعلهم يكابدون الشقاء، وغالبية من بقي منهم فيها، يرغب بتركها في اقرب فرصة.
مدير صحة محافظة معان الدكتور أمجد أبو درويش، قال إن المحطة في وضعها الحالي مخدومة، عبر مستشفى معان الحكومي والمراكز الصحية في المدينة، مشيرا الى استعداد المديرية لدراسة مطالب الأهالي واقتراحاتهم لإنشاء عيادة لهم، ودراسة إمكانية إدراجها على موازنة العام المقبل، حال توفر المخصصات المالية لذلك.
كما أكد مدير تربية محافظة معان وهبي الشلبي آل خطاب، أن مديرية التربية استملكت قطعة أرض في المحطة لإقامة مدرسة ثانوية، لتدريس الصفوف الإعدادية والثانوية، وهي الآن في طور تجهيز بنيتها التحتية، كإيصال الطرق والكهرباء لها، وفي حال اكتمل المشروع، يصبح في البلدة مدرستين.
وأشار الى انه سيجري إدراج بناء المدرسة في موازنة العام المقبل، وطرح العطاء للتنفيذ بكلفة 200 ألف دينار، مبينا أنه يوجد في المحطة، مدرسة أساسية مختلطة حتى الصف السادس، ويبلغ عدد الطلبة فيها نحو 70 طالبا، ويدرس فيها كل صف بصفه، وهو مبنى ملك تابع لمؤسسة سكة حديد العقبة، وبالتالي يصعب استملاكها أو توسعتها لإضافة غرف صفية أخرى فيها السنوات الماضية.
مدير فرع هيئة تنظيم قطاع النقل في معان سليمان النوافلة، قال إن المحطة مخصص لها حافلة نقل عام لخدمة الأهالي، مبينا أن مكتب الهيئة وصلته شكاوى وملاحظات من الأهالي، حول غياب حافلة الركوب عن مسار الخط، فأقر تعهدا على مالكها للالتزام بمساره، واتفق على نقل الطلبة من المحطة وإيصالهم لمدارسهم.
كما أكد مصدر رسمي في بلدية معان الكبرى، أن البلدية ما تزال المسؤولة عن جمع النفايات منها يوميا، مبينا أنها زودت المنطقة بحاويات وتركيب وحدات إنارة إضافية جديدة.
وأشار المصدر، الى أن البلدية تتابع لرفع مستوى تقديم الخدمة في تلك المنطقة وأحيائها كافة، مؤكدا أن فرق النظافة فيها، تعمل باستمرار على إزالة المكاره الصحية ضمن برنامج زمني محدد.
وأكد أن البلدية ستتخصص عاملي نظافة، للإشراف على جمع النفايات من الأحياء والمناطق السكنية في المنطقة، موضحا أن البلدية عبدت شوارع المنطقة وأحيائها بخلطة إسفلتية مؤخرا، وزودتها بحاويات عدة، وتركيب وحدات إنارة إضافية.
ولفت إلى أن وزارة الأشغال العامة، ستوسع الطريق الرئيس بمسربين وجزيرة وسطية، وتركب وحدات إنارة من مدخل المحطة، باتجاه قصر الملك المؤسس كجزء من مشروع تجميل المنطقة.
وانتقد المصدر، طرح فضلات المنازل في الشوارع وقرب الحاويات، وانتظار عامل النظافة لحملها، لافتا الى أن نظافة المناطق والأحياء مسؤولية مشتركة بين البلدية والمواطنين.
حسين كريشان/ الغد
التعليقات مغلقة.