عندما تحدث الوزير دودين بلسان عربي مبين
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
قال الله تعالي في سورة الشعراء ( نَزلَ بِهِ الروحُ الأَمِين عَلَى قَلبِكَ لِتَكونَ مِنَ المنذِرِينَ بِلِسانٍ عَربِي مبِينٍ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُحِب اللغَةَ العَربِيةَ لِثَلاَث ( لأني عَرَبِي وَالقران عَرَبِي وكَلاَم أَهلِ الْجَنّةِ عَرَبِي )
اسمحوا لي بداية بهذه المقدمة والتي تقع في ذات السياق يعلم الجميع بان اللغة العربية لغة عظيمة في كونها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية في ديننا الإسلامي الحنيف وهي إحدى مقومات وقواعد الإسلام كما أنها الأداة اللغوية التي تساعدنا على تفسير المعاني وفهما فضلا عن كونها لغة رسمية لأكثر من 25 دولة تتركز معظمها في قارتي آسيا وأفريقيا ويتحدث بها حوالي 450 مليون شخص حول العالم
في هذا الزمن العجيب اصبحنا نلحظ توجه عدائي ضد اللغة العربية من بعض ابناء جلدتها فضلا عن تعرضها لحالة مستشريه من الإنكار والتجاهل المتعمد والدلائل على ذلك كثيرة بعد أن بات العديد من الأشخاص يخجلون من التحدث بها في العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات وبعض المناسبات والاجتماعات حيث حل مكانها استخدام اللغة الانجليزية للتباهي والاستعراض والمفاخرة كموضة عصرية للظهور تغلب على اهمية الحديث بالعربية
وهنا تكمن المشكلة عندما يحرص القائمون على تنظيم المؤتمرات وورش العمل الرسمية وغير الرسمية على أن تكون لغة الحوار والخطابة والكلمات الرئيسية هي الإنجليزية بالرغم من أن جميع الحضور غالبا هم من ابناء المجتمع المحلي او المحيط العربي وزيادة على ذلك يقول الأشخاص الذين يعملون بشركات تنظيم الورش والمؤتمرات بأن اللغة العربية غدت لا تعنيهم وهي غير متداولة ولا مطلوبة وأن التحدث بالإنجليزية بمناسبات كهذه منقولة اعلاميا يعطي أهمية وقيمة أكبر للحدث واحتراما مضاعفا من الحضور وأن الخطاب حينما يكون باللغة الإنجليزية يصل الهدف المطلوب بطريقة اسرع واسهل ( حسب زعمهم التجاري )
ورغم ان معظم الفعاليات لا يكون حضور للأجانب ولمن لا يتحدثون العربية فيها إلا أنهم يصرون على ألا يستخدموا اللغة الأم ليكونوا بدواعي مواكبة العالم المتحضر وهو ما أصبح مؤخرا يثير استياء الكثير من المشاركين والمتابعين بسبب تجاهل لغتهم الرسمية الأصلية واعتبار الانجليزية لغة أنيقة وتعكس مدى الثقافة والاطلاع والتمدن وكل ذلك من دون الاهتمام بتوفير أدوات تساعد على الترجمة كما تفعل العديد من دول العالم
هذا التحول غير المرضي نحو اللغة الانجليزية يعود في اغلبه الى الفراغ الثقافي وعدم وجود قناعات لدى فئة كبيرة بحضارتنا وثقافتنا وتاريخنا فضلا عن الاعتقاد الخاطئ بأن الظهور بصورة أفضل يوجبك التحدث بلغة غير لغتك بالاضافة الى العديد من الأسباب النفسية والاجتماعية داخل الكثير من الاشخاص الذين يعتبرون أن الحضارة والثقافة والتطور مرتبطة بالتحدث باللغة الإنجليزية بعد محاولات البعص لإظهار ذواتهم وتخيلهم أن التحدث باللغة الإنجليزية يضفي عليهم حالة متفردة من السمو والرقي والثقافة ويعطي إيحاء بأن من يفعل ذلك شخص متحضر ومثقف وهو ما يعزز وجود شخصيات استعراضية تفتقد للمبدأ والفكرة والشعور تعاني من حالة الاهتزاز وعدم الثبات الى جانب أن هؤلاء لا يرتقون الى مستوى الإنسان الواثق من نفسه والمبدع والخلاق المعتز بتاريخه وثقافته ولغته
كما انهم في غمرة سكرتهم الموهومة ونشوتهم الفارغة تناسوا تماماً قيمة وأهمية اللغة العربية وتنكروا لثقافتها وتاريخها امام غير الناطقين بها مع ضرورة الاشارة الى أن جميع الدول الأجنبية ترفض التحدث بلغة غير لغتها لأنها تعتز بثقافتها وهويتها اما نخن العرب فالمشكلة لدينا داخلية واجتماعية وحضارية لا زالت مستعصية العلاج رغم أن لغتنا العربية ليس لها مثيل في كل لغات العالم عدا عن أنها من اللغات الخمس المعتمدة في العالم من حيث معدل الانتشار والاستخدام
وكم نحن اليوم احوج الى استصدار قانون عربي مشترك لحماية اللغة العربية ينص على عدم جواز عقد أي مؤتمرات او ندوات ولا حتى أي تصريح رسمي ولا لقاءات رسمية إلا باللغة الرسمية لان ما يحدث في المؤتمرات والعديد من المحافل على طول الوطن العربي وخارجه يمثل حالة إشكالية ثقافية كبيرة وللأسف هو ايضا واقع نشهده يومياً من اسبابه الرئيسية الانهزام أمام الآخر نتيجة قناعة وايمان ابعضنا بأن التطور يكون فقط من خلال اللحاق بالآخرين والتحدث بلغتهم والتشبه بهم
المبادرة الطيبة والموقف النبيل والشجاع الذي اتخذه وزير الاعلام صخر دودين قبل ايام قليلة ضمن فعاليات الدورة العاشرة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي عقد بمركز إكسبو الشارقة في الإمارات على مدى يومين تحت رعاية الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة تحت شعار دروس الماضي تطلعات المستقبل بحضور 79 شخصية محلية وإقليمية وعالمية من 11 دولة عربية وأجنبية وقد ضم رؤساء دول سابقين ووزراء وصناع قرار ومسؤولين حكوميين إلى جانب نخبة من المؤثرين والإعلاميين
خلال مشاركته في المؤتمر وضمن مداخلته رفض وزير الاعلام صخر دودين الحديث باللغة الانجليزية رغم اتقانه لها نطقا وكتابة وفهما وبطلاقة وقد فضل الحديث باللغة العربية وقد أرجع ذلك إلى أن جُل الحاضرين في المؤتمر هم من العرب ما اثار موجة كبيرة من التقدير والاعجاب والإشادة الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي سواء من روادها الأردنيين او العرب باعتبار أن الوزير دودين بذلك التوجه أعاد بعض الاعتبار للغة العربية في الوقت الذي تفضل فيه الجهات المنظمة جعل الانجليزية لغة المؤتمر الأولى رغم أن 99% من الحضور من العرب
وفي ذات الشأن كشف دودين اثناء متابعته الحديث للحضور عن عزم جامعة الدول العربية على إنشاء ( هيئة رقمية عربية ) من أجل مراقبة المحتوى الإعلامي وسيكون الأردن مكلفاً برئاستها وأن الدول العربية ناقشت خلال مؤتمر وزراء الإعلام العرب بالقاهرة قبل 3 أشهر ضرورة تأطير المبدأ القانوني والمالي مع شركات البحث العملاقة في العالم خاصةً ما يتعلق بالمحتوى العربي فلا ريب أن لغتنا تتعرض الآن لهجمات عنيفة سواء من جهة اللغة الفرنسية فيما يخص المغرب العربي أو الانكليزية فيما يتعلق الخليج والمشرق العربي
هذا السلوك الحضاري الذي قدمه الوزير دودين يعبر عن ثقة بالنفس وقدرة عالية في التعاطي مع الظروف والاحداث وشجاعة في طرق باب الحق الذي ينبغي ان يتبع ومخالفة البروتوكول والروتين الخاطئ المعمول به دون احاطة وهو يذكرنا بموقف ( وزير سابق للثقافة عام 2020) نعتذر عن ( ذكر اسمه ) عندما رفض التحدث بالعربية خلال إلقائه كلمة الأردن في الاجتماع الافتراضي لوزراء الثقافة في دول مجموعة العشرين الذي نظمته آنذاك المملكة العربية السعودية بعنوان ( نمو الاقتصاد الثقافي أنموذج جديد ) واللافت حينها كان ميل الوزير المفرط إلى استخدام اللغة الإنجليزية رغم أن هذا لم يساعده كما كان واضحا على التعبير عن نفسه وفكرته بشكل جيد حيث كان كلامه غير واضح تماما خلال التحدث بغير لغته الأم
وفي حادثة اخرى وقعت بلاد المغرب عام 2015 تفاعل المغاربة معها بنقاشات حادة حول وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار الذي كان يرفض الإدلاء بأي تصريحات صحافية للقنوات المحلية والدولية او الحديث في المؤتمرات والندوات الداخلية والخارجية الا باللغة الفرنسية بدعوى أنه لا يجيد الحديث باللغة العربية وهو ما جعل عموم المغاربة يطالبونه بتقديم استقالته فورا لأنه يشكل تهديدا ( للأمن التربوي واللغوي للمغاربة ) اضافة الى ان بقائه في منصبه على هذا الحال يعتبر استهزاء بقيمهم المجتمعية والدستورية ً
وحتى لا تظل لغتنا العربية تمر بمراحل عصيبة وخطيرة تنعى حظها العاثر وترثي حالها المفجع وتتعجب من إهمالها ابنائها لها كأم رؤوم لا بد من تضافر الجهود العربية للوقوف أمام هذا التيار الجارف الذي يكاد يقضي عليها وعلى الهوية العربية كمكون أصيل من مكونات الأمة ورمزا خالد لانتماء أبنائها وهي تمثّل ذاكرتهم الثقافية والدينية والحضارية
ولا بد ان نقول لكل من يتهاون بلغتنا وهويتنا ( اتقوا الله في لغتكم ) كي لا تكون من اللغات أو الهويات المحكوم عليها بالانقراض والفناء في وقت نتعرض فيه كأمة لمشروع هيمنة سياسية وثقافية غربية شاملة من أخطر مظاهرها علينا هيمنة اللغة الإنجليزية على ألسنتنا ومنطوقنا اللغوي اليومي رغم أن التاريخ لم يسجل نهضة علمية لشعب من الشعوب بغير لغته الوطنية ما يجعل من اللغة العربية قضية ( أمن قومي بلا منازع ) وأداة معرفية لا يمكن الاستغناء عنها في أي مشروع عربي للتنمية والتقدم
نحيي ونشكر الوزير دودين ونشد على يديه وثمن موقفه الاصيل بتصديه للدفاع عن اللغة العربية وإصراره الحديث بمفرداتها وتعابيرها فخرا واكبار وهي التي تزهو على غيرها من لغات العالم بما تمتاز به من ثراء وسحر ورصانة وما تحويه من خصائص وميزات أبقتها حية لأكثر من 15 قرنا من الزمان كما اننا وفي نفس والحين نستنكر وندين ونرفض محاولات البعض طمس مكانة ودور اللغة العربية كجزء اصيل من بنية هويتنا الثقافية والحضارية التي على قواعدها الصلبة نهضت الامتين العربية والاسلامية ومن المؤلم اننا بعدما خسرنا كل المعارك وفقدنا كل شيء ( الأرض والتاريخ والجغرافيا ) جاء الان دور اللغة
بقيت كلمة اخيرة نتمنى فيها على وزرائنا المعنيين بهذا الشأن في الحاضر والمستقبل الاقتداء بهذه السنة الحميدة والنهج القويم الذي اختطه الوزير دودين في أي مشاركات وندوات ومؤتمرات داخلية خارجية فهنالك العديد من المترجمين ويجب ان لا نبقى مصابون ( بعقدة الخواجا ) وذلك من اجل المساهمة في الحفاظ على لغة الضاد الجميلة من الاندثار والضياع خاصة وان الاردن بلد مسلم الديانة وعربي اللغة وقومي الهوية يقود ركب سفينته ربان هاشمي ملهم كانت ارومته وما زالت وستبقى بحول من الله الوجه المشرق للعربية والعرب
mahdimubarak@gmail.com
ش