الفحيص و”لافارج”: تطورات تضع الأزمة على طريق مسدود

– يبدو أن التطورات الجديدة التي شهدتها الأزمة القائمة بين أهالي الفحيص وبلديتها من جهة، وشركة مصانع الإسمنت الأردنية “لافارج” من جهة أخرى، تنذر بتعمق تلك الأزمة، مع تمسك كل طرف بموقفه.
أهالي الفحيص وكذلك بلديتها يؤكدون رفضهم القاطع لخطة إعادة التنظيم التي تطرحها الشركة بوصفها مجحفة بحقهم، فيما ترى الشركة التي حصلت في نهاية أيار (مايو) العام الماضي، على أول قرار قضائي من نوعه في تاريخ المملكة، ويتعلق بالموافقة على لجوئها للإعسار، أن الخطة هي المخرج الوحيد للأزمة، وتحقق التوازن بين جميع الأطراف.
ويسود اعتقاد بين الأهالي بأن عملية الإعسار التي لجأت إليها لافارج قبل أكثر من عام، ما هي إلّا محاولة منها للهروب من الاستحقاقات القانونية المتعلقة بإعادة تأهيل أراضي مصنع الإسمنت، وحتى الجزء منها (273 دونماً) الذي تتحدث عنه الخطة، وتنوي بيعه لتسديد ديونها، يقع على حدود الحفر بقاطع كبير (بعضها على بعد 30م وبعضها الآخر على بعد 100م)، وهذا غير كاف وغير قانوني من وجهة نظرهم، باعتبار أن القانون ينص على أن المسافة بين حد الحفر والأراضي المراد بيعها يجب ألا تقل عن 500م، حفاظا على السلامة العامة، ولتوفير حماية كافية لأي أبنية ستقام على تلك الأراضي.
ولعل أبرز التطورات المتعلقة بالأزمة منذ بدء تصاعدها قبل أسبوعين، عندما تأجل اجتماع “دائني الشركة” الذي كان سيشهد طرح خطة إعادة تنظيم الشركة من قبل وكيلها، احتجاجات، أدت إلى تأجيله أسبوعين (أي يوم غد)، هي إصدار جمعيات عشائر الفحيص بيانا قبل أيام، حذرت فيه من تمسك الشركة بخطتها، تلاه إصدار الشركة لبيان لوحت فيه باللجوء إلى التصفية، لا سيما مع وجود إضراب أيضا للعاملين في المصنع بمحافظة الطفيلة، فيما اعتصم عدد من أبناء الفحيص أمس، أمام مصنع الشركة في المنطقة، وجميعها معطيات تدفع باتجاه التصعيد المتبادل.
من جهتهم، أكد كل من رئيس بلدية الفحيص الأسبق، جريس صويص، ورئيس منتدى الفحيص الثقافي، المهندس جريس غطاس، والناطق باسم الجمعيات العشائرية في الفحيص، جميل مضاعين، أن “الاحتجاجات السلمية والحضارية ستستمر من قبل الأهالي والناشطين في الفحيص، ما لم يتم الوصول إلى حلول منصفة، وليس فيها أي تغول من قبل طرف على حساب الطرف الآخر”، مشيرين إلى أن معاناة الفحيص مع مصنع الإسمنت لا سيما على المستوى البيئي، تمتد لنحو 70 عاما.
كما أكدوا لـ”الغد”، أن المعطيات الحالية، لا تبشر بخير مع ما وصفوه بـ”تعنت الشركة وإصرارها على هضم الحقوق”، مشددين على أنه “لن يتم القبول بأن تكون الفحيص ضحية أخطاء الشركة الممتدة منذ عقود”.
وتطرقوا إلى قيام الشركة بعرض أراض بالفحيص للبيع ضمن خطة إعادة التنظيم، وهو ما يرفضه الأهالي والبلدية بشكل قاطع، مشيرين إلى أن أي توجه يتعلق بأراضي المنطقة يجب أن يلقى قبول الأهالي والبلدية التي لها الحق والولاية على أن تكون طرفا أساسيا بهذا الخصوص.
وطالبوا الحكومة ومجلس النواب وجميع الجهات السيادية ومؤسسات المجتمع المدني، بـ”الوقوف إلى جانب أهالي الفحيص في قضيتهم التي يفترض أنها قضية وطنية وفيها مساس بالحقوق من قبل شركة أجنبية”.
واعتبروا كذلك، أن “لجوء الشركة للتلويح بالتصفية الإجبارية في حال رفض خطة إعادة التنظيم، هي خطوة للضغط باتجاه تحقيق رؤيتها، وهو ما لن يتم”، مشيرين إلى أنه “أسلوب مكشوف ومحاولة بائسة للي ذراع الدائنين والمجتمع المحلي، فضلا عن أنه قد يعكس نية مبطنة لدى الشركة للوصول لهذه النتيجة للتخلص من إيفاء الشركة بالتزاماتها”.
وأضافوا، “أن ما آلت إليه الأمور بخصوص شركة لافارج ووصولها لحالة الإعسار ، ليؤكد الخلل الفاضح في عملية خصخصة الشركة في عدم فصل الأراضي المملوكة لشركة عامة وتقديمها على طبق من ذهب لشركة لافارج بما يقارب ألفي دونم تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدنانير، وهي سابقة في عملية الخصخصة. لذا فالحكومة مسؤولة عن تصويب هذا الوضع والحفاظ على حقوق الوطن ومدينة الفحيص”.
وقالوا، “إن خطة التنظيم المقدمة من الشركة تتجاهل الحقوق التنموية للمدينة وأهلها الناجمة عن سبعين عاما من استغلال الأراضي وتشويه البيئة والاعتداء على المياه وتلويثها وعلى صحة المواطن، وبالرغم من ذلك، فقد تنصلت الشركة من الإيفاء بالتزاماتها نحو المدينة والبلدية وتجاهلها للاتفاقيات بينهما”.
وأكدوا، أنه “بالرغم من مرور عشرة أعوام على توقف صناعة الإسمنت في الفحيص، إلا أن الشركة لم تقم بتنفيذ ما تتطلبه القوانين الأردنية النافذة كإزالة التشوه البيئي وتأهيل الأراضي التي تم التعدين فيها، حيث لم تتضمن الخطة آلية معالجة هذه الموضوعات”.
من جانبه، أكد مصدر مسؤول في “لافارج” لـ”الغد” بعدما طلب عدم نشر اسمه، بشأن التطورات الأخيرة، أن الشركة ما تزال تسعى لحلول توافقية تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف، لكن الأمر يصطدم من وجهة نظره بـ”من يحاولون عرقلة أي طرح تتبناه الشركة بحجج واهية وغير منطقية أو قابلة للتطبيق”.
كما نفى أن يكون حديث الشركة عن التصفية الإجبارية، خطوة تصعيدية أو تعنتية، مشيرا إلى أن هذا الخيار مطروح في حال وصول الأزمة إلى طريق مسدود.
وجهة نظر الأهالي كما ينقلها عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت، الدكتور سليمان صويص، فإن “الأهالي يرفضون أي تنظيم أو بيع لتلك الأراضي”، واصفا الخطة التي كان مقررا مناقشتها في اجتماع الاثنين قبل الماضي، بــ”الفضيحة من العيار الثقيل”.
صويص أكد أن “الخطة جاءت متناقضة في العديد من بنودها مع بنود قانون الإعسار نفسه، بالإضافة إلى غموض وإبهام نقاط أخرى مهمة فيها وعدم واقعيتها، ناهيك عن محاباة وكيل الإعسار للشركة على حساب حقوق الدائنين، وافتقادها إلى وثائق وبيّنات وبيانات ضرورية، ليتمكن الدائنون من الحكم لها أو عليها”.
واعتبر بأن “التحرك العمالي القوي أمام غرفة صناعة عمان، جاء ليذكر الشركة ووكيل الإعسار، بأنه لا يمكن الدوس على أو القفز عن حقوق الموظفين والمتقاعدين الاجتماعية، ما دفع الشركة ووكيل الإعسار، إلى طلب تأجيل اجتماع هيئة الدائنين لأسبوعين”.
ولفت إلى أن مذكرة قدمتها محامية بلدية الفحيص (أحد الدائنين) رانية صويص، إلى محكمة بداية حقوق السلط، وتضمنت أمثلة كثيرة على المخالفات والتناقضات الواردة في الخطة.
وشدد صويص على أن “الأهالي يترقبون الوضع الجديد بانتباه، ويشعرون بقلق شديد بشأن الأراضي المقام عليها مصنع الإسمنت، لأن الاعتقاد السائد بين أوساط واسعة منهم، هو أن عملية الإعسار التي لجأت إليها لافارج قبل أكثر من عام، ما هي إلّا محاولة منها للهروب من الاستحقاقات القانونية المتعلقة بإعادة تأهيل أراضي مصنع الإسمنت، وحتى الجزء منها (273 دونماً) الذي تتحدث عنه الخطة، وتنوي بيعه لتسديد ديونها المزعومة، يقع على حدود الحفر بقاطع كبير (بعضها على بعد 30م وبعضها الآخر على بعد 100م)، وهذا غير كاف وغير قانوني؛ إذ ينص القانون على أن المسافة بين حد الحفر والأراضي المراد بيعها يجب ألا تقل عن 500م، حفاظا على السلامة العامة، ولتوفير حماية كافية لأي أبنية ستقام على تلك الأراضي”.
على صعيد آخر، قال صويص، إن “هناك قسما كبيرا من الأراضي المقام عليها المصنع معدّنة، وجزء آخر مهم تعرّض لتعدين جائر واعتداءات من جانب لافارج (عليها غرامات غير مدفوعة بعد)، ومخلوطة تربتها بالزيوت، وهناك تلوّث في الأرض والمياه الجوفية ويجب على الشركة إعادتها لوضعها الطبيعي الخالي من التلوث والحفر والقطع، بحيث تصبح مقبولة بيئياً، وعندئذ فقط يجوز التصرف بها، أما تجزئتها وبيعها إلى أفراد، والتهرب من استحقاقات إعادة تأهيلها، وعدم تسديد الديون المستحقة عليها لصالح بلدية الفحيص، فهذه من الأمور التي لا يمكن أن تمر، وسيقف الأهالي لها بالمرصاد”.
وأضاف، “يجب تذكير لافارج بأنه وفقاً للقانون، فإن 5 إلى 10 % من تلك الأراضي ملك للبلدية، تستخدم كشوارع تنظيمية وطرق زراعية، أي أن هناك نحو 100 دونم لا تستطيع لافارج بيعها بأي شكل من الأشكال؛ ويمكن أن ترتفع النسبة إلى 25 % من الأراضي”.
أما موقف بلدية الفحيص، فتنقله محامية البلدية رانية صويص، التي أكدت ضرورة أن تعكس خطة إعادة التنظيم التي قدمتها “لافارج”، التوازن القانوني بين حقوق الشركة والدائنين، مشيرة إلى أن البلدية تقدمت إلى محكمة بداية حقوق السلط، بمذكرة خطية هي وزميلها المحامي شادي صويص، تتضمن ملاحظات ومآخذ قانونية وشكلية، وردت في الخطة والتي لا تعكس حقوق البلدية، وتخالف للواقع والقانون.
ومن أبرز تلك الملاحظات وفق المحامية صويص، “خلو الخطة من ضمان حقوق والتزامات الشركة تجاة البلدية دون مبرر قانوني، ودون أن تستند على الوقائع الصحيحة، ومخالفة الخطة لأحكام المادة (55) من قانون الإعسار، لعدم استنادها على تقرير وكيل الإعسار ماليا وإدرايا، بما استكمل من أعمال في نهاية المرحلة التمهيدية التي أعلنتها المحكمة نهاية تموز (يوليو) الماضي، بل تقدم بتقريرة المحاسبي في الثالث من أيار (مايو) الماضي، أي قبل شهرين ونصف الشهر تقريبا من انتهاء المرحلة التمهيدية، ما يشكل مخالفة صريحة لأحكام قانون الإعسار، بالإضافة إلى أن الدائنة (البلدية)، لم يجر اطلاعها، ولم تتبلغ خطيا ولا شفويا بجواب وكيل الإعسار على اعتراضها على التقرير المحاسبي المقدم في الثالث أيار (مايو)، خلافا لأحكام المادة (55\ه\و) من قانون الإعسار”.
وقالت إن “خطة إعادة التنظيم، جاءت بجداول مالية مطبوعة بصورة مبهمة، لا يمكن قراءتها وغير واضحة وغير مفصلة، وبالتالي غير مقبولة قانونيا، كما اعتمدت الخطة خلافا لأحكام المادة (79) على مبدأين هما (تخفيض الديون وإعادة جدولة الديون) معا، علما بأن القانون أجاز إما تخفيض الديون أو إعادة جدولتها”.
كما جاءت الخطة بحسب المحامية، “خالية من توضيح إعادة عمل المنشأة في مصانع الفحيص، بل على العكس تطرقت لموضوع بيع خطوط الإنتاج العاملة والمتوقفة، بالإضافة إلى بيع جزء من الأراضي، مما لا يعكس وجود نية بإعادة نشاط الشركة”.
وسبق للشركة أن أرسلت ردودا على استفسارات “الغد” في تقرير سابق، أكدت فيها أنها “ملتزمة بتطبيق أحكام القانون، وأن لجوءها لقانون الإعسار كان لحمايتها من التصفية الإجبارية التي إن حدثت، ستلحق الضرر بالاقتصاد الوطني وبالدائنين، وكذلك بموظفي الشركة وعمالها الذين سيفقدون وظائفهم بسبب تصفية الشركة”.
كما بينت “لافارج”، أن مديونيتها التي أقرتها المحكمة وصلت إلى 99 مليون دينار، وأنه جرى تثبيتها وفق إجراءات قانون الإعسار، بعد البت بالاعتراضات القانونية المقدمة من الدائنين كافة، وبموجب قرارات قضائية صادرة عن محكمتي البداية والاستئناف اللتين فصلتا بهذه الاعتراضات.
ووفق “لافارج”، فـ”إعادة تنظيم الشركة يشكل فرصة للمساهمة بالمحافظة على الوظائف وإعادة جدولة الديون، ضمن ما تتيحه قدرات الشركة المالية ومتطلبات قانون الإعسار، وبما يسهم بتوفير الأمن الوظيفي إذا ما أخذنا بالاعتبار الحاجة الماسة في هذه المرحلة التي يمر بها اقتصادنا الوطني، والتي تستلزم المحافظة على المشاريع القائمة وحمايتها من خطر التصفية، لتبقى عاملة ومنتجة ضمن منظومتنا الاقتصادية”.

محمد سمور/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة