الهوية اللاوطنية المفرقة
عمر سامي الساكت
=
بقلم/ عمر سامي الســـــــــاكـــــت
الهوية الوطنية هي الخصائص والصفات التي تميز بها أمة أو شعب عن آخر، وهي ليست مجرد شعار بل تترجم روح الإنتماء لدى أبنائها، وبدون الهوية الوطنية تفقد الشعوب كل معاني وجودها واستقرارها، والهوية ليست رخصة قيادة أو مجرد بطاقة بلاستيكية يمكن تغيير شكلها ولونها حسب متطلبات أو مزاج الجهة المصدرة لها.
فالهوية الوطنية الأردنية هي إنعكاسات للهوية السياسية والإقتصادية والمجتمعية بخلطة ينتج عنها هويتنا الوطنية الأردنيـــــة الجامعة، أما الطائفية السياسية وطائفية المعارضة وطائفية المجتمع قد يعملوا على توسيع الهوة بين الهويات الفرعية وتعزيز الإختلافات التي قد تقود إلى خلافات ومن ثم صراعات تنعكس على تشكيل ثقافة مجتمعية مشوهة وصياغة هوية لا وطنية مفرقة.
الهويات الفرعية يجب أن يجمعها مشتركات ومصالح وطنية عليا لتصب فيها وفيما لا يتناقض وخصوصيتها الفرعية لصنع مواطنة حقيقية تسعى لرفعة الوطن ويحتاج ذلك في رأينا إلى أن تشترك مصلحة الوطن مع المصلحة الفردية للمواطنين وكذلك قد يحتاج ذلك إلى العمل الجاد والمتواصل لتغيّر الأنماط الفكريّة الموروثة والثقافة العامة المغلوطة والتي يجب أن تتسم بالمرونة وقبول الآخر والإنفتاح على الآخر وتقبله على أن يكون هنالك مصلحة عليا مشتركة وهدف سامي وطني وهذا لا يكون إلا بالمرجعيات والقيادات المؤثرة مجتمعياً وسياسياً وإقتصادياً ودينياً ليكونوا مؤثرين في إعادة صياغ الثقافة المجتمعية ويكونوا قدوة للجميع من مختلف الهويات الفرعية بقبولهم واحترامهم الآخر تحت مظلة مصلحة الوطن العليا.
كما تتطلب الهوية الوطنية وقف التوطين السياسي والإقتصادي والديمغرافي وبمختلف مسمياته واشكاله، فالدستور اللبناني على سبيل المثال ورد فيه نصاً “لا توطين ولا تقسيم” واعتبر التوطين خيانة، قد نكون نحن في الاردن بوضع مختلف نوعاً ما عن لبنان وكان هنالك ضرورة تاريخية معينة لعملية التوطين والتجنيس لكن بعد استقرار الدولة واستقرار التركيبة الديمغرافية للاردن فاعتقد بأن وقف التوطين بشتى أشكاله ومصادره هو ضرورة وطنية ملحة وفي هذا الاطار لا بد من تحديد العلاقة بالضفة الغربية (من فلسطين) ومواطنيها الأشقاء والذي كان يجب أن يكون منذ فك الارتباط عام 1988م وفي غير ذلك يصبح الحديث عن الهوية الوطنية الأردنية من نافلة القول وتغميس خارج الصحن وتعزيزاً للهوية اللاوطنية المفرقة.
والهوية الوطنية الأردنية تتطلب الإلتفات الى إحتياجات ومطالب أبناء العشائر ومناطقهم والعمل على حل التحديات والعقبات والمعوقات التي تحول دون تأمين حياة كريمة تشعرهم بأهميتهم وعمقهم التاريخي على تراب الوطن، ومن جهة أخرى لا بد من الإلتفات إلى بقية أبناء نسيج المجتمع الأردني الواحد وبالأخص الأردنيون من أصول فلسطينية فهم جزء أساسي واسع ولا يتجزأ من الأردن تاريخاً وتراثاً بحيث يشعرهم بالعلاقة الوطيدة التي تربطهم وتربطنا جميعا ًبتراب الوطن وهي المساوة الكاملة بين أبناء نسيج المجتمع الأردني الواحد وهي ليست مجرد شعار أو علم يرفع فقط، بل تطبيق على أرض الواقع وليس فقط في تشكيل الحكومات وبعض الوظائف السيادية بل تحقيقها في شتى مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والذي يتمثل بسيادة القانون والأنظمة على الجميع بغض النظر عن مرجعياتهم والذي يتطلب برأيينا عدم تركيز فئة معينة على جهاز أو دائرة أو مؤسسة معينة وهذا حاصل الآن بل الأولى دمج جميع فئات نسيج المجتمع الاردني الواحد من خلال تلك الدوائر والجهات وكذلك يجب إلغاء مخاطبة الفئة رسميا باسمها بل هذا يشكل خرق للدستور وتمييزاً عنصرياً مقيتاً حيث يعلم الجميع بأن الدستور الأردني قد نص على أن الأردنيــــــون “أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق و الواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين“. وفي غير ذلك تتعمق ثقافة الهوية اللاوطنية المفرقة.
ولا بد هنا من وقف التمثيل الفئوي بصناعة (قيادات) لكل فئة تمثل وتتحدث باسم فئتهم وتبدأ مناوشات ومناورات مع (قيادات) فئة أخرى وتظهر جلياً في الإنتخابات والتي نجمت برأينا عن قانون الإنتخاب المأزوم – القديم والمقترح- (مع الاحترام) الذي أوجد كوتات وتقسيمات للوطن تعزز هذه الفئوية و(قياداتها) علاوة على أندية كرة القدم مثلاً والتي يظهر فيها جلياً هذا الطابع ليحرك مشاعر العوام الرعاع بوعي أو بدون وعي، ومن تلك (القيادات) ما يحركهم المصلحة الشخصية فهم مستفيدون من الوضع بالإضافة إلى تشجيع بعض الجهات لهم وعلى مرأى ودعم حكومي وللأسف، لذا أعتقد بأنه يجب إيجاد طريقة للتخلص من هذه الظاهرة المفرقة.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله “اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بـالْجُحْفَةِ” رواه مسلم.وقال عليه السلام أيضاً (فيما روي عن أنس رضي الله عنه ” اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ” ومن هنا لا استطيع أن أدرك أنى لجماعات المرجعية الإسلامية (ولا أعمم بالطبع) ينكرون أية هوية وطنية وبعتبرونها من مخلفات سايسبيكو وتقسيم للعالم العربي والإسلامي وعندما تطرح فكرة الخلافة العثمانية الإسلامية فالكثير منهم يمتعظ ولا يعتبرها خلافة اسلامية بحجة عدم عروبتها وقرشيتها وهو أمر خلافي بين العلماء ، ولا ينكر عاقل ومنصف ما قدمته الخلافة العثمانية الإسلامية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يخلو الأمر من العديد من المآخذ والرتوش، وهذا ليس حديثنا لكن لطرح هذا التناقض في الهوية والإنتماء وأعتقد أنها مجرد حجة لإضعاف الهوية الوطنية وخلخلة لمرتكزات الدولة ، وهذا ينسجم واعتقاد العديد أن الهوية الوطنية الأردنية (كغيرها من الهويات العربية) هي نتاج تقسيم سايكس وبيكو وحدودهما المصنعة وأنه جرى صياغتها بشكل أساسي برعاية محتلينا سابقاً (بريطانيا) وتحديداً على يد غلوب باشا”ابوحنيك” والذي لعب دوراً كبيراً في تأسيس الجيش العربي الأردني وقوات البادية وعمل على صياغة ولاءه للجيش ويعتبر هؤلاء المناصرون لهذه الفكرة ، أن الأردن عبارة عن كيان جرى صياغته بشكل مصطنع وكأنه رقعة نزلت من السماء بلا تاريخ ولا شعب (الفكرة الصهيونية أرض بلا شعب) وهذا كله مستقى من كتاب جوزيف مسعد “تأثيرات استعمارية”
الوطنيون الأردنيون من شتى مرجعياتهم وأصولهم لن ينطلي عليهم فكرة “الهوية الوطنية الجامعة” والتي ظهرت بعيد مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية والتي كنت أتمنى أن تترجم ذلك في مخرجاتها وخاصة قانون الانتخاب، فهذا الشعار الخالي من الكلمة المقدسة “الأردن” هو محاولة لطمس الهوية الوطنية الأردنية الأصيلة والتي يجب أن تكون هي الجامعة الكبرى لكل الهويات الفرعية ودون إنكارها أو طمسها، فقد سبق وأن طرحت فكرة المملكة المتحدة والتي هي مستقاة من الفكر السياسي البريطاني، حيث بناءً عليها يتم دمج الهوية الوطنية الاردنية والهوية الوطنية الفلسطينية وكل الهويات الفرعية للخروج بهوية جديدة مشتركة، لا أدري أي مؤامرة أكبر من هذه لضياع الأردن وفلسطين في ضربة واحدة، أعتقد بأن أي طرح يخرج الهوية الوطنية الأردنية عن أساسها ويلغي كلمة الأردن يتجه للدخول في نفق مظلم وحتماً سيلتطم رأسه في جدار الوطنية ويجد نفسه خارج نطاق التغطية.