ما الجديد في البحث عن الطيار الاسرائيلي رون اراد ؟
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
في مثل هذا اليوم 16 / 10 / 1986 انطلق الطيار الاسرائيلي رون اراد لمهاجمة أهداف اغلبها مدنية في منطقة صيدا بجنوب لبنان حيث اسقطت طائرته وتم اسره في صيف ١٩٨٦ وقد ظهر في آخر مرة وهو محتجز لدى الجماعات المسلحة اللبنانية ويعتقد انه تم أسره من قبل عناصر حركة أمل الشيعية قبل تسليمه إلى إيران لتامين حراسته ورعايته ) ثم أعيد إلى لبنان مرة أخرى ومنذ 35 عام ظل اراد هاجساً قومياً ولغزا غامضا لم يعرف كنهه ولم تفك طلاسمه حتى الساعة
في العامين الأولين من أسره وردت عدة علامات على أنه لا زال على قيد الحياة بما في ذلك صور وخطابات آخرها أرسلها في 5 أيار عام 1988 وفي عام 2016 أشار تقارير مختلفة للمخابرات فيما يتعلق بظروف وتوقيت ومكان وفاته منها انه قتل ودفن عام 1988 بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت وفي عام 2004 قررت لجنة تابعة للجيش الإسرائيلي أنه مات في التسعينيات بعد أن حرم من تلقي العلاج الطبي ( وهي مزاعم غير دقيقة )
مقابل ذلك قال زعيم حزب الله حسن نصر الله عام 2006 إن الجماعة تعتقد أن اراد مات وإن مكان دفنه غير معروف وفي عام 2008 أخبر المفاوض الألماني ( جيرهارد كونراد ) إسرائيل بأن حزب الله أعلن أن اراد مات خلال محاولة هروبه عام 1988بعد فشل مفاوضات تبادل الأسرى والفدية آنذاك
مع عودة الاهتمام الإسرائيلي هذه الايام من قبل نفتالى بينيت رئيس الوزراء الجديد واحتدام السجال والنقاشات الحادة والصارخة في اجتماعات الحكومة وجلسات الكنيست الإسرائيلي للمطالبة بعودة فتح قضية البحث المستميت عن ملاح سلاح الجو الإسرائيلي رون اراد وبالتزامن مع مرور الذكرى السنوية الـ 35 على فقده واثناء خطابه بافتتاح جلسة الكنيست الشتوية يوم الاربعاء 6 / 10 / 2021 كشف رئيس الحكومة الاسرائيلية بينيت النقاب عن عمليتين استخباريتين واسعتين جرتا في أيلول من العام الحالي نفذهما رجال ونساء من عملاء من جهاز الموساد ( المخابرات الخارجية الاسرائيلي ) الاولى كانت في عمق الأراضي اللبنانية والثانية في داخل سوريا وقد شارك فيهما جهاز الأمن العام ( الشاباك ) والجيش الإسرائيلي إلى جانب الموساد
كان ذلك لغايات معرفة مصير ومكان وجود الطيار اراد وصفها رئيس الوزراء ورئيس الموساد ( ديفيد بارنيا ) بواحدة من أهم العمليات الاستثنائية الأكثر نجاحاً لجلب معلومات جديدة عن الطيار المفقود كما اعتبراها من المهمات الناجحة والجريئة والمعقدة وغير العادية والتي لم يسبق لها مثيل نفذت في عدة دول رغم ( فشلها في الحصول على اجتماع داخلي برلماني وسياسي ) حيث شكك مسؤولون في أجهزة الأمن الإسرائيلية بتصريحات بينيت وانتقدوا بشدة فضحه للعمليات الأمنية التي يجب ان تبقى خلف سياج سري ومغلق كي لا تضعف قدراتها المستقبلية على إجراء عمليات مشابهة
ضمن هاتين العمليتين تم مؤخرا فحص الحمض النووي لجثة مدفونة في قرية النبي شيت شمال لبنان لمعرفة ما إذا كانت بقايا الرفات تعود للطيار اراد كما قام عناصر من الموساد بخطف جنرال إيراني متقاعد يقطن في سوريا وجرى نقله إلى بلد إفريقي لم يذكر اسمه واستجوابه هناك حول مصير اراد ثم أطلاق سراحه ويحتمل أن تكون هناك صلة بين العمل الذي قام به الموساد ومحاولة استهداف رجال أعمال إسرائيليين في قبرص والتي اتهمت اسرائيل ايران بالوقوف ورائها
من اجل اتمام سير العلميات شكل الموساد طيلة الأسابيع الماضية اكثر من خمس فرق وجند وزرع عشرات العناصر الخارجية التابعين له في بعض عواصم الإقليم لفتح قضية اراد من جديد وإطلاق محركات التجسس وتقصى المعلومات والحقائق من مصدرها واعتبارها القضية الأولى لتل ابيب في قادم الأيام ولا مسألة تعلو عليها إلا امتلاك إيران الأسلحة النووية وكل ذلك جاء في محاولة من بينيت بهدف تحقيق ( نصرا اسرائيلي فى الداخل ) على حكومات نتن ياهو السابقة التي فشلت بامتياز طيلة قرابة خمسة عشر عاما في كشف اسرار تلك القضية المعقدة
ولمتابعة هذه المسألة وعبر مقابلة اجراها الصحفي المصري ( أشرف العشري ) مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان رئيسا للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بلبنان خلال زيارته لمصر عام 1999 كشف خلالها شمس الدين أن الطيار الاسرائيلي الأسير رون أراد قائلا ( تمت محاكمته بمعرفتنا وحصلنا منه على كل ما نريد عن العدو الإسرائيلي وإن أراد قتل في لبنان ونقل بعد الوفاة سرا الى مكان ما خارج لبنان حيث دفن هناك وأغلق ملفه نهائيا باحترافية عالية ولا يعلم مكان دفنه سوى انا واثنين فقط من القيادة الشيعية ) وعندما قال له الصحفي العشري (هل المكان في إيران نظر اليه ونطق بصوت خفيض دفن سره ومكانه معه الى الأبد )
هناك العديد من التحليلات والتقديرات الاسرائيلية والدولية التي تحدثت بان الإعلان عن العملية في هذا التوقيت بالذات يشكل ( رسالة موجهة للإيرانيين والسوريين ) حول مدى طول يد الموساد وقدرته وكفاءة عمله وأن هذه العملية تعتبر جزء ضئيل من استراتيجية المعركة المستمرة معهما وأن إسرائيل جادة بشأن الإجراءات التي اتخذها الموساد لتعطيل البرنامج النووي ومشروع الطائرات دون طيار واستهداف التواجد والنشاطات الايرانية داخل سوريا فضلا عن كون العملية ايضا تمثل إثباتا لعائلات الأسرى الإسرائيليين أن الحكومة تعتبر نفسها مسؤولة عن إعادة ابنائهم سواء احياء او اموات مهما طال الزمان وكلف الثمن والتضحيات
يشار الى ان اسرائيل على مدى السنوات الماضية بذلت جهودا لاستعادة الملاح الاسرائيلي خاصة من خلال اختطافها المسؤولين في حزب الله مصطفى الديراني والشيخ عبد الكريم عبيد المتهمين بإيواء الطيار اراد بعد اسره والذين أفرج عنهما في صفقة تبادل الاسرى عام 2004
المحصلة تقول بأنه لا طائل لحكومة بينيت من تحقيق أي نجاح بل واستحالة توصلها لأى معلومات او حقائق عن اختفاء الطيار رون اراد وعليها ان تتوقف عن البحث باعتبار ان الفشل الأكبر سيكون من نصيبها في نهاية المطاف في وقت يفترض فيه انها تعلم جيدا أن أراد لم يعد على قيد الحياة منذ سنوات عديدة وأن هناك تقارير استخبارية متناقضة بشأن ظروف وتوقيت ومكان وفاته وهو ما يزيد في العمل تعقيد وفقدان الامل
اللافت وبشكل واضح ان الوقائع على الارض اظهرت بآن العملية ( الكبرى ) لم تسفر عن أي نتائج جديدة أو مهمة حول مصير أراد والمكان الذي أنهى فيه حياته بغض النظر عن كونها كانت عملية نوعية ومعقدة وجريئة وواسعة النطاق شملت عدة دول لفحص البيانات والمصادر التي من شأنها تأكيد المعلومات الأولية المتوفرة لدى الاجهزة الأمنية الاسرائيلية حول مصير الطيار المفقود والتي بقيت على حالها دون احراز أي تقدم
في الختام ورغم الافتراض بأن رون اراد لم يعد على قيد الحياة إلا أن ديوان رئيس الوزراء أعلن مؤخرا أنه ما زال حيا وأن الحكومة الإسرائيلية ما زالت تعمل على إعادته وذلك لدواعي ترويج جوقة تصريحات اعلامية متوالية ذات اهداف سياسية مكشوفة يعلمها الجميع وفي مقدمتهم بينيت نفسه
mahdimubarak@gmail.com