هل ينجح ” ترامب الفرنسي ” في دخول الاليزيه ؟//


مهدي مبارك عبدالله

=بقلم / مهدي مبارك عبد الله

على طراز ترامب الامريكي ظهر مؤخرا على الساحة السياسية الفرنسية ترامب الفرنسي وهو الكاتب الصحفي والمعلق السياسي اليميني المتطرف ( إريك زمور ) 63 سنة المولود في مونتروي بالضاحية الباريسي حيث يستعد بقوة لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022 ومنافسة الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون ليكون سيد الإليزيه المقبل وأول ( رئيس تحريفي وعنصري ومعاد للإسلام وكاره للنساء ومعاد للمثليين ) في تاريخ فرنسا

لقد اثارت رغبة زمور هذه استياء اليمين المتطرف والمؤسسة السياسية التقليدية الفرنسية والمحافظة على حد سواء كونه يؤسس لـ ( مناخ سلبي يبعث على الشؤم ) لشدة حساسية ما يطرحه من عنصرية وحقد وكراهية حتى لنفسه اضافة الى عدة تصريحات جدلية حول المساواة بين الرجال والنساء باسم حرية المثليين وهي التي أوقعته في مشاكل متكررة مع السلطات الفرنسية ولا زال هنالك خشية ان تؤثر افكاره واقواله وسلوكياته على جدول أعمال الانتخابات الرئاسية وأجوائها

في المرحلة الراهنةً يتصدر وجه زمور الهزيل أغلفة المجلات وصفحات الجرائد ويشكل احتمال ترشحه موضوع بحث مستفيض في العديد من البرامج الحوارية وتحليلات الصحف السياسية كما يتساءل كثيرون في أوساط المثقفين الفرنسيين إن كان الحديث المكثف عنه بهذا الشكل سيسهم في صعوده ونجاحه كما أسفر من قبل هوس شاشات التلفزة الأميركية بالمرشح الرئاسي الامريكي ترامب وتقديم دعاية مجانية لحملته الانتخابية في 2016 قدرت بمليارات الدولارات الأميركية ساهمت كثيرا في فوزه

يتباهى زمور على غرار ترامب بالحشود الكبيرة التي تستقطبها تجمعاته وبتصريحاته المسيئة للنساء وقد وصل به الحال إلى حد تأليف كتاب بعنوان ( الجنس الأول ) يدين فيه دور المرأة في المجتمع ومن المهم الاشارة ان مناصروه يتشابهون مع مناصري الرئيس الأميركي السابق في ميلهم إلى العنف على غرار ما حدث حين هاجمت عصابة موالية لزمور كاهناً وأصدقاءه داخل حانة في مدينة ليل لفرنسية ولا زال جيشه غير الرسمي من الإلكترونيين يهاجم بقوة منتقديه على وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل شخصي

ينحدر زمور من عائلة جزائرية مهاجرة وينتمي إلى عالم اليهود الجزائريين الذين صاروا فرنسيين بموجب مرسوم كريميو لعام 1870 ويشتهر بمواقفه العنيفة المعادية للمهاجرين وهو مثقف فرنسي كلاسيكي يعتمد على قسم ضئيل من الناخبين الفرنسيين المعادين للمفكرين المثقفين والهجرة

أظهر مؤخرا استطلاع تفاعلي للرأي العام تقدم فيه زمور على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان صاحب نظرية ( الاستبدال العظيم ) العنصرية وذلك خلال السباق الرئاسي من جولة وحيدة فقط وكذلك بينت كل استطلاعات الرأي خسارته أمام ماكرون في حال تواجَها في الجولة الثانية ويتساءل مراقبون كثر عن إمكانية أن يعطي هجوم إرهابي إسلامي واحد أو موجة قاسية من وباء كورونا الفرصة لزمور للتغلب على ماكرون

الواقع يشير الى ان فرنسا تعيش اليوم مزاجاً سياسياً متقلباً ولهذا يعتقد ان الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة سوف تشهد منافسة شديدة وربما يتكرر فيها مشهد المنافسة بين الرئيس إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن في الجولة الثانية من انتخابات عام 2017 ولكن على درجة اوسع واشد

قبل شهرين خاطب زمور في هنغاريا جموع غفيرة للأوروبيين البيض وتوسل اليهم أن ينجبوا مزيداً من الأطفال وقال لهم نحن ( عالقون في محيط الكثافة السكانية الإسلامية الغزيرة ) وخلافاً لترامب فإن زمور نحيل وذكي ويتحدث بأسلوب منمق لا يخلو من التلاعب الثعالبي حين يتناول السياسة والابتعاد عن التصنيع في الاقتصاد الفرنسي والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين عبر التاريخ وان السياسة بالنسبة له هي صراع أفكار أكثر منها ممارسة اعتيادية

من العناصر الأساسية التي تشكل جاذبية زمور مزجه بين تعصب اليمين والنظرة الليبرالية للاقتصاد حيث يرى أن الدولة الفرنسية منفتحة ولكنها بحاجة إلى إصلاح جذري وذلك خلافاً لمنظور لوبين التي جاءت لمصلحة زيادة الإنفاق على حساب الخدمات الاجتماعية

يحظى زمور بدعم كبير من ابناء الجالية اليهودية الفرنسية ووسائلهم الإعلامية المتطرفة وكذلك يقف الى جانبه الحاخام الأكبر ( جيل بيرنهايم ) الذي استقبله عام 2016 بحفاوة لافتة وجمهور زاد على1200 شخص في كنيس باريس الكبير رغم انه متهم بالدفاع عن المشير بيتان الذي سلم اليهود في الحرب العالمية الثانية لمعسكرات الاعتقال والقتل بينما يؤكد آخرون ان زمور سيكون مخلصهم الذي ( وضعه الله في طريقهم للدفاع عنهم ) وهو يمثل التلخيص الجيد لما يعيشونه

بالنسبة للعديد من يهود شمال إفريقيا من الطبقة العاملة يجسد زمور لهم الفرصة الأخيرة قبل المنفى وحصنهم القوي ضد الزوال والأفق لحياتهم الجديدة وهو يستحق غض الطرف عن بعض تجاوزاته بعدما بات مدح زمور لفيليب بيتان مسالة ثانوية

يعد زمور خطيبا سياسيا مفوهاً ومناظرا ماهرا يربك الضيوف المحاورين له كما يتمتع بالقدرة على المجادلة والدفاع عن رأيه في مقابلات صعبة ويخشى كثيرون من تيار اليسار الفرنسي حصول مواجهة بينه وبين ماكرون حيث يعتقد ناخبو اليمين المتطرف واليمين المتشددون بإمكانية أن يتمكن من التفوق عليه في المناظرات الخاصة والعامة

حيث ان لسانه السليط وقد طال الجميع دون استثناء وخرافاته حول فرنسا أنها مهددة بالموت معروفة لدي الكثيرين ومطالبته بدفن الأطفال ضحايا هجوم مدينة تولوز الإرهابي في إسرائيل على غرار قاتلهم محمد مراح الذي دُفن في الجزائر تناولتها كل الصحف من باب العنصرية البغيضة والتحشيد ضد المسلمين وافكاره حول معارضته الهجرة ومعاداته الإسلام جعلته اكثر قبول لدى اليمين واليسار

اريك زمور ينتمي إلى فئة غير أصيلة من اليمينيين المتطرفين الواضحين ولكن الخطر الذي يمثله ينبع من أن قسماً من الطبقة البورجوازية الفرنسية مسؤولين بشكل كبير عن نجاحه في استطلاعات الرأي حين وجدوا فيه أيضاً أداة مثالية لتهميش فيشي والجزائر الفرنسية اللتين يشكل الدفاع عنهما ركيزتين لليمين الفرنسي المتطرف

هنالك عدة وسائل اعلامية روسية مدعومة من الكرملين ساهمت يحماسة بالغة في تغطية صعود الناشط اليميني زمور في استطلاعات الرأي إلى المركزين الثاني أو الثالث حيث ان موسكو تعول على شعبيته المتزايدة وتعتقد أنه قد يتمكن من هزيمة الرئيس ماكرون واقامة تحالف بين موسكو وباريس وبرلين ينافس التحالف الهش ( الأنجلو ساكسوني ) الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا

يأتي ذلك بعد أن تخلت الدوائر الحاكمة في موسكو عن مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني ( اليميني المتطرف ) التي دعمتها بقوة للتغلب على ماكرون عام 2017 وقد طُلب منها سداد قرض بقيمة 10 ملايين يورو مُقدَّم من بنك مملوك لروسيا إلى حزبها، الذي كان يُسمى آنذاك الجبهة الوطنية عام 2014 ( حصان جديد تراهن عليه موسكو )

في الواقع العملي يرى زمور الموالي فطريا لروسيا والمعجب بالرئيس بوتن أن موسكو أجدر بالثقة من الأمريكيين أو البريطانيين أو الألمان وهو يؤيد وجهة النظر اليمينية الفرنسية القائلة بأن الولايات المتحدة وبريطانيا تتآمران منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لعزل موسكو ومنعها من دخول منظومة أوروبية شاملة ولهذا ينظر اليه الروس بأمل كبير في ادخالهم الى النظام الأوروبي الجديد ويعتبرونه ( هبة من السماء للكرملين والبديل المثالي للوبين ) كما انه في كل لقاءاته يكرر دائما قوله ( حينما كنا مع روسيا ربحنا حروباً وحين أصبحنا ضد روسيا خسرنا حروباً ) وكان يقصد في ذلك الحرب العالمية الثانية وليس هزيمة بطله المحبب نابليون عام 1812

لا يتوقع أن يدعو الرئيس بوتين زمور لزيارة موسكو كما فعل مع مارين لوبان وإنه يستبعد أن يقدم دعماً علنياً له لأنه يدرك أن فرصته في الفوز لا تزال ضعيفة لكن المصالح الروسية سيخدمها تعزيز فرص فوزه من خلال دعمه بوسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية التي يمولها الكرملين

يتوقع بعض القانونيين أن إدانة زمور بتهم اثارة النعرات قد تحول دون تأهله للترشح لمنصب الرئاسة المقبل ( القانون الفرنسي يتضمن آليات تحمي الديمقراطية الليبرالية وتشمل عدم أهلية العنصريين الذين أدانتهم المحكمة ) ومن العوائق الاخرى في طريقه الى قصر الاليزيه اشتراط حصوله على توقيع 500 مسؤول منتخب من 30 إقليماً فرنسياً يدعمون ترشيحه والبعض من السياسيين يشكك في أن يقدم فعلاً زمور على الترشح وهو ( ما سوف يشوه صورته بشكل كبير ان فعل ذلك ) في ظل وجود مجموعات عفوية تدعم ترشيحه على وسائل التواصل الاجتماعي وتجمعات المتطرفين

الملمح الاخير والبارز في هذا الامر هو ان صعود زمور السريع أثار الفوضى في معسكري لوبن وماكرون وأخذ كثيرون من المهتمين يناقشون كيفية انتقاده والتهجم عليه من دون جعل صلته أوثق بمناصريه بعكس ما حدث حين نعتت هيلاري كلينتون مناصري ترامب بـ ( سلة البؤساء ) وجعلتهم يتقربون أكثر من المقاول العقاري والشخصية المشهورة على تلفزيون الواقع ويساهمون في نجاحه ووصوله كأسواء رئيس للبيت الابيضmahdimubarak@gmail.com

.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.