منتدى الفكر العربي ينظم حوارية “بيت المقدس”
نظم منتدى الفكر العربي حوارية، عبر تقنية الاتصال المرئي، بعنوان “بيت المقدس في نظر الرحالة المغاربة والأندلسيين”، حاضرت فيه أستاذة الأدب العربي والأدب الأندلسي وعضو المنتدى د. فريال العلي.
وشارك بها كل من: أستاذة الأدب الأندلسي في جامعة المستنصرية في العراق د. أناهيد الركابي، أستاذ الحضارة في الجامعة التونسية د. لطفي دبيش، الناقدة والباحثة في النثر العربي القديم والبلاغة الجديدة في المغرب الأستاذة نادية الزقان، الباحثة في الدراسات الأندلسية والاستشراقية في الأردن د. رشا الخطيب، وأستاذ اللغة العربية وآدابها في الجامعة الأردنية د.عبد الله المانع، وأداره الأمين العام للمنتدى، د. محمد أبو حمّور.
قالت د. فريال العلي: “إن صلة الأندلسيين والمغاربة ببيت المقدس مرتبطة غالباً بأسباب دينية تتمثل في حج البيت الحرام وزيارة المسجد النبوي وطلب العلم، وكثيراً منهم آثر البقاء في بيت المقدس حتى وفاته، وأسهم في الحياة العلمية والسياسية، ومنهم أبو عبد الله القرشي الهاشمي (ت 599هـ) أحد أشهر المتصوفة الأندلسيين، وإسماعيل بن محمد الأنصاري الأبذي (ت 656هـ)، وكان إماماً في مسجد الصخرة، وأبو بكر الشريشي المالكي (ت 658 هـ) الذي تولى مشيخة الحرم الشريف ومشيخة المدرسة بالقدس”.
وأشارت العلي إلى أن كثيراً من الرحالة المغاربة والأندلسيين قد دونوا مشاهداتهم عن بيت المقدس وأسهبوا في وصفها وصفاً دقيقاً وغنياً بالمعلومات المهمة، ومنهم الرحالة الأندلسي الشريف الإدريسي (ت 559هـ) في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، الذي وصف سور المدينة بأبوابه الأربعة، وكنيسة القيامة، والمقبرة المقدسة، والكنيسة العظيمة، والمسجد الأقصى وصفاً كاملاً، وعرج بعد ذلك إلى وصف ما شاهده في رحلته من أماكن مختلفة، مؤكدةً أن كتابه يُعد مرجعاً مهماً عن فترة الاحتلال الصليبي لبلاد الشام.
وأشارت الى أن ابن بطوطة في كتابه “تحفة النظار”، الذي دونه محمد بن جزي الكلبي (756هـ)، تحدث فيه عن بيت المقدس بعد انتهاء الحروب الصليبية بشكل دقيق، فوصف سورها الذي هدم جزءاً منه صلاح الدين الأيوبي إبان معركة حطين، والقناة التي شقها سلاطين المماليك لتوفير المياه للمدينة، كما وصف كلاً من المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وكنيسة القيامة والمزارات الدينية المقدسة عند المسيحيين، وذكر أهل العلم والتصوف الذين اجتمعوا في بيت المقدس.
ومن جهتها، رأت د. رشا الخطيب، أن الرحلة في نصها الخاص تتأثر بالوضع العام للمدينة والفترة الزمنية التي كتبت فيها، فهي وليدة العصر الذي كتبت فيه، مبينة أن المغاربة والأندلسيين هم رواد أدب الرحلة، سجلوا مشاهداتهم للأماكن التي زاروها في بلاد الشام بالرغم من قلة رحلاتهم إليها مقارنةً مع رحلاتهم إلى الحجاز، نتيجةً لمخاطر الطريق التي سجل بعضها الرحالة عبد الله بن محمد العياشي في القرن السابع عشر، مبينة أن أدب الرحلة سلط الضوء على البيئة العلمية المزدهرة والمشتركة بين الشرق الإسلامي وغربه من خلال كتب التوصية التي كتبها كبار المشايخ والعلماء للرحالة، وعلى الحياة الدينية والثقافية في المدينة.
واعتبرت د. أناهيد الركابي الرحلات المغربية والأندلسية إلى المدينة المقدسة غاية في الأهمية، لأنها تبين إسهامات العرب والمغاربة في الأدب الجغرافي وأدب الرحلة، وحدثوا في كتاباتهم عن معلومات تاريخية للمدينة معتمدين على مشاهداتهم وما سمعوه من أهلها، وهي معلومات لا تتوفر في كتب التاريخ المعاصرة على الرغم من أهمية المكان.
ورأى د. لطفي دبيش، أن الأبحاث والقضايا التي تتعلق برحلات المغاربة والأندلسيين إلى بيت المقدسة جديرة بالنشر والاهتمام، فهي قليلة مقابل الأبحاث المتعلقة بالشعر القديم والبلاغة، بالرغم من أن نصوصها عاشت امتداداً زمنياً طويلاً من القرن الثالث إلى القرن الخامس في المشرق الإسلامي، ومن القرن السادس إلى القرن الثامن في المغرب الإسلامي، ولاقت تقبلاً أكثر من النصوص الأدبية الأخرى، ما وفر فيها مادة معرفية زخمة تحيط بالمدينة من جميع عناصرها الطبيعية والبشرية.
ومن جهتها، قالت نادية الزقان “إن مدينة القدس تفتح أبوابها للقادمين إليها دون تعصب، وسكان المغرب العربي اهتموا بزيارتها منذ العهد الفاطمي كركن أساسي في فترات الحج والعمرة، ومنهم من استقر بها بشكل دائم وتولى مناصب مهمة في المدينة منها القضاء وإمامة المالكية بالمسجد الأقصى، وأصبح للمغاربة حضور مكاني في القدس بعد خضوعها للحكم الفاطمي بعد معركة حطين سنة 583هـ، في شكل حارة تحمل اسم “حارة المغاربة” هدمت عام 1967م، كما أطلق على أحد أبوابها في سورها الجنوبي-الغربي اسم “باب المغاربة””.
وبين د.عبد الله المانع، أن من أقدم الرحلات إلى بيت المقدس رحلة القاضي عبد الله بن عربي العام (485هـ)، ورحلة نصر الدين محمد العلمي المغربي العام (656هـ)، مبينا أن الرحلات تنقل الأفكار والمعارف والعادات والثقافات بين الشعوب وأداة تفاعل داخل الثقافة الواحدة، وربط التراث بالمعاصر، ووصل الماضي بالحاضر، إلا أنها حظيت بدراسات عربية قليلة.
وكان قد استهل د. محمد أبو حمّور الحوارية بحديثه عن أهم ما تكشف عنه الرحلات عموماً، والرحلات الأندلسية والمغربية هو تطور العلاقات بين أجزاء من العالم العربي والإسلامي أيضاً، وتوضح جذور التنوع الثقافي والمشتركات الحضارية، عدا الامتداد الحضاري والثقافي لحضارتنا في عالم العصور الوسطى ومعالم التطور، وما أفادت به هذه الحضارة العالم من تنبه إلى العلم والقيم والثقافة والأفكار والحوار. فالأندلس تمثل جسراً بين الثقافات، كما أسهمت في نهضة أوروبا الحديثة باعتراف كثير من المستشرقين والباحثين الغربيين.
عزيزة علي/ الغد
التعليقات مغلقة.