في ذكرى عملية الطائرات الشراعية
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم // مهدي مبارك عبد الله يوم الحميس الماضي 25 / 11 / 2021 حلت بنا الذكرى 34 لعملية الطائرات الشراعية او كما أُطلق عليها رسمياً اسم (عملية قبية ) حينما امتزج الدّم التونسي بالدم السوري في عملية نوعية وجريئة أذهلت الصهاينة وحلفائهم في العالم العالم خاصة وانه بعد عملية سلامة الجليل والتي اجتاح على اثرها الجيش الاسرائيلي الجنوب اللبناني ثم العاصمة بيروت عام 1982 حيث قال رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن مخاطبا سكان المستعمرات شمال فلسطين المحتلة ( الان ان الاوان كي تنعموا بالهدوء والامن والاستقرار الى الابد فلن يلحق بكم أي اذى بعد الان ) لتأتي هذه العملية الفدائية البطولية لتبث الفوضى والرعب في نفوس المستوطنين وفي قلب المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بأكملها وقد كان لهذه العملية تحولات معنوية وسياسية كبرى في امتداد الصراع مع الاحتلال الصهيوني في الزمن الثوري الجميل ففي تمام الساعة 11:00 من يوم الاربعاء 25 تشرين الثاني عام 1987 وفي ليلة سُميت في كل الأوساط الدولية والاقليمية بـ ( ليلة الطائرات الشراعية ) حين وقف 4 مقاتلين شبان فوق وادي البقاع اللبناني بجانب طائراتهم الشراعية وادوا التحية العسكرية لقادتهم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( القيادة العامة ) ثم انطلقوا بطائراتهم الشراعية باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة لاستهداف ( معسكر كيبور ) الإسرائيلي القريب من منطقة بيت هلال في الجليل الأعلى وهو ما كان يطلق الاسرائيليون عليه اسم ( معسكر الأبطال ) والذي كان تابعاً للواء جولاني ذائع الصيت حينها الذي كان يضم الصفوة من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي وفيه مقر قيادة المنطقة العسكرية الشمالية وقد شارك في العملية فلسطينيان لم يكشف عن اسميهما بعد بالإضافة إلى السوري خالد محمد أكر من محافظة حلب والتونسي ميلود بن الناجح نومة من منطقة سيدي بو خليفة في سرية تامة والتزاما بالإجراءات الامنية الصارمة ومنعاً لأية تسريبات عن طبيعة العملية وموعدها اقتصر العلم بتفاصيلها على الأمين العالم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة ( أحمد جبريل ) و4 آخرين من قيادات الجبهة وضمن دائرة ضيقة جداً بالإضافة إلى المقاتلين الـ 4 المشاركين فيها الذين انشغلوا بالتدريب والتحضير والتخطيط لأدق التفاصيل على مدار الساعة وفي مقدمتها مسألة إجمالي الوزن الذي باستطاعة الطائرات الشراعية البسيطة أن تحمله وبقياس الغرام المحدد خصوصاً وأن العملية ستنفذ في ليلة باردة وجو عاصف والذي قد يؤدي الى فقدان الحرارة وتجمد اطراف الاصابع للمقاتلين ولذلك اضيف الى طعامهم ( مادة العسل ) لرفع حرارة جسادهم الا ان المنفذون طلبوا أن يخفض عدد وأوزان الملابس والمعدات لصالح زيادة كمية الذخائر التي سوف يحتاجون إليها أكثر حين اقتحام المعسكر ومواجهة العدو منذ اللحظة الأولى التي بدأ التخطيط فيها للعملية أدرك الشَبان المشاركون فيها أنهم يمتلكون ( تذاكر ذهاب بلا عودة ) وأنهم يشاركون في عملية فدائية نهايتها القتل أو الاعتقال وبينما فشل 3 من المشاركين في العملية في الوصول إلى الهدف حيث اضطرت طائرات الفلسطينيان على الهبوط داخل الأراضي اللبنانية نتيجة مشاكل ميكانيكية وبذلك لم يستطيعا المشاركة في العملية فيما تحطّمت طائرة التونسي ميلود بن نومة فوق مرتفعات عين زحلتا في الجنوب اللبناني داخل المنطقة العازلة التي كانت تسيطر عليها قوات ( جيش لبنان الجنوبي ) الذي كان يدين بالعمالة والولاء لجيش الاحتلال اثناء ذلك اختبأ ميلود على مقربة من الجنود الإسرائيليين وعناصر قوات لحد التي كانت تمسح الحدود بحثاً عن مقاتلين آخرين منتظراً وصولهم اليه بعد ان أُصيب في كاحله جراء سقوط طائرته وعقب محاصرته خاض معهم معركة شرسة لم تتوقف وظلت مستمرة قتل فيها 5 من الجنود المهاجمين قبل الى استشهاده لكن الفدائي السوري البطل ( خالد أكر ) استطاع الوصول إلى المعسكر بعد أن تمكن من قيادة طائرته بصمت ودقة وحرفية فوق الأحراش بعيداً عن أعين الجنود الإسرائيليين وراداراتهم وفور هبوطه على أرض قريبة من المعسكر وهو يحمل بيده رشاش كلاشنكوف وبالأخرى مسدس فيه كاتم للصوت بدأ تحركه نحو بوابة المعسكر والاشتباك مع الجنود الإسرائيليين الذين فاجئهم منفردا فأصابهم بالهلع والخوف لمدة ساعة ونصف حيث تمكن من قتل 6 جنود إسرائيليين وإصابة 34 آخرين بجروح خطيرة إلى متوسطة ولم تنتهِ المعركة بينه وبين قوات النخبة إلا بعد تدخل قوات إضافية براً وجواً ما أدى الى استشهاده بعدما تمزق جسده من كثرة الرصاص بعد انتهاء المعركة نقل جنود الاحتلال جثة الشهيد أكر في نقالة الى المستوصف الصحي في مستوطنة ( كريات شمونة ) بالجليل المحتل ووضعوها في الخارج قرب الباب واثناء ذلك وصل قائد لواء جولاني وتوجه الى المستوصف ومر بجثمان الشهيد الذي كان ملفوف ببطانية فأدى التحية العسكرية امامه فهمس قائد المعسكر في اذنه انها ( جثه المخرب منفذ العملية ) ليرد عليه انه يستحق التحية الشهيد الأسطورة خالد أكر كان البندقة التي لم تسقط والرصاصة التي لم توجه إلا لصدرِ المحتلٍ الغاصبٍ لم يكن ( الخامس والعشرين من تشرين الثاني ) يوماً عادياً بعدما حفر في الذاكرة أخدوداً فمن ينسى هذا الصقر الذي حلّق في سماء فلسطين والمقاوم الذي أبى إلا أن يموت واقفاً كالأشجار ليكون في ذلك اليوم درساً في حياة بني صهيون حين سقطوا أمامه كأوراق الخريف ورقةً تلو الاخرى فلم يستطيعوا النيل منه إلا بجموعهم الحاقدة ومن خلف حصونهم المنيعة عملية قبية انذاك لعبت دورا رئيسيا في إعادة القضية الفلسطينية الى مسرح الأحداث العربية والعالمية خاصة بعدما حاول البعض حرف بوصلة الصراع العربي من إسرائيل إلى إيران كما ساهمت أيضاً في إحياء الكفاح المسلح ضد الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وكانت الشرارة الحارقة التي إشعلت الانتفاضة الأولى يذكر أن عملية الطائرات الشراعية أخذت اسمها الرسمي ( عملية قبية ) من قرية قبية الواقعة في قضاء رام الله والتي تعرضت لهجوم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية بقيادة أرئيل شارون يوم 14 تشرين الأول 1953 راح ضحيته 51 شهيداً و15 جريحاً من سكانها كلهم من المدنيين ولم تكتف العصابات الصهيونية الاجرامية بذلك بل قامت قبل ان تغادر القرية بنسف جميع منازلها وتدميرها كليا وتسويتها بالأرض لتأتي محاولة الأبطال الأربعة وبعد 34 عام على هذه المجزرة الصهيونية بحق الفلسطينيين ويؤكدوا أنه ( ما ضاع حق وراءه مطالب ) وقد خلدت العملية في ذاكرة الشعب الفلسطيني الشهيدان ( خالد السوري وميلود التونسي ) كأبرز عناوين للعمل الفدائي العربي في صفوف الثورة الفلسطينية كما ظهرت اعمال فنية وادبية عديدة تناولت العملية منها قصيدة للشاعر العراقي مظفر النواب واغنية شعبية فلسطينية بعنوان ( طار اليعسوب ) كثير من المحللين السياسيين قالوا وقتها بان هذه العملية انقذت القضية الفلسطينية واعادت اعتبار وحضور القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير على الخريطة السياسية للعالم بعدما وضعت القضية الفلسطينية وحركت الاتصالات مع منظمة التحرير كرقم صعب في المعادلة السياسية العربية والدولية وانه لولا هذه العملية النوعية والمتميزة لكانت القضية الفلسطينية قد شطبت عن جدول اعمال واهتمام بعض الدول والقيادات التي فرضت عليهم هذه العملية الوقوف أمام بسالة وشجاعة الفدائيين الذين لم يتأثروا بالأخطاء السياسية الفادحة لقد لاقت عملية الطائرات الشراعية تقديراً واهتماماً واسعاً بسبب ما حملته من تطور نوعي وشجاعة نادرة في التخطيط والتنفيذ حيث قالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية عنها ( انها كانت المفجر لروح الانتفاضة والتحدي الفلسطيني ) التي عرفت بانتفاضة الحجار كما كانت العملية الجريئة اشبه بهزةً أرضية أصابت جيش الاحتلال في عقر قيادته اليوم أصبح اشد واقسى من الامس بكثير حيث نواجه في كل يوم هزات أرضية خيانية ذات ارتدادات شديدة جدا جراء استمرار ( موجات التطبيع ونشر ثقافة الإحباط وتبرير الفشل ( ولهذا لا بد من مواجهة هذه الصعاب والتحديات بالعودة إلى خيار المقاومة والانتفاضة وإعادة بناء افق المصالحة الوطنية والتئام الفصائل وتفعيل لحمة وعمل منظمة التحرير الفلسطينية بالوحدة والتوافق على كل شبر من الأرض المغتصبة الفدائيون والابطال والشهداء المقاومون للاحتلال الصهيوني لم يموتوا وان رحلوا فقد بقيت ذكراهم تسكن خواطرنا المحملة بالوجع بعدما تركوا صورهم معلقة على جدران حياتنا وذكراهم تسكن في نفوسنا ودماءهم الزكية مازال مسكها يملأ الذاكرة حنينا وشموخ والتاريخ فخرا ومجد وارواحهم بشذى عطرها تزرع فينا الامل وتعبد طريق النضال وذكراكم بعزتها باقية بيننا ولن ترحل أبداً رغم كل حقول الألغام ودروب الموت التي تحيط بنا والقهر والشقاء الذي بنى منابره على صدورنا فان ابناء صهيون الى هزيمة وزوال لا محالة والحق حتما منتصر مهما علا موج الظلم والطغيان ونور الخلاص والحرية والاستقلال الساطع يتلألأ في آخر النفق مهما كان بعيدا فإننا نراه قريب اخيرا ستبقى البوصلة موجهة نحو القدس وشرفاء فلسطين والعرب والمسلمين واحرار العالم يسيرون باتجاهها وان تثاقلت خطواتهم وتعددت كبواتهم وتعثرت اقدامهم فهم كـ ( طائر الفينيق ) الذي يجدد نفسه ذاتيا وبشكل متكرر بولادته من رماد احتراق جسده رحمة الله الشهداء الابرار والأحرار الاوفياء والمناضلين الشرفاء من كل ابناء الامة الذين سقطوا دفاعا عن ثرى فلسطين الطهور mahdimubarak@gmail.com