البلقاء: العمل الخيري “صمام أمان” الأسر الفقيرة
تواجه أسر فقيرة في محافظة البلقاء، تحدي الأعباء المالية المرتبطة بفصل الشتاء، وتحديدا متطلبات الملابس ووسائل التدفئة، ما يشكل هاجسا لتلك الأسر التي بالكاد تؤمن قوت يومها، واحتياجات الحياة الأساسية.
لكن ثمة بارقة خير وأمل، يفتحها في مثل هذه الأوقات من السنة، نشطاء وناشطات العمل التطوعي والإنساني، سواء كجمعيات أو مبادرات وحتى أشخاص، إذ تنشط الحملات التفقدية لهذه الأسر، المتعلقة بتوزيع الملابس ووسائل التدفئة عليها، ما يسهم بتخفيف معاناتها ويعينها على مواجهة البرد القارس.
ووفق تقرير لدائرة الإحصاءات العامة، أصدرته قبل أكثر من شهر، فإن محافظة البلقاء، سجلت أعلى معدل للبطالة بين المحافظات الأخرى، وبنسبة بلغت 28.2 %، في حين بلغت نسبة الفقر في المحافظة، بحسب أحدث أرقام رسمية تعود للعام 2010، (20.9 %)، وعدد الأسر الفقيرة 12.169 ألف أسرة.
أم أنس، ربة منزل تعيش مع زوجها و4 أطفال، أكبرهم 13 عاما، وأصغرهم 3 أعوام، تقول “إن فصل الشتاء، ورغم أنه فصل خير وبركة، لكنه يشكل هاجسا للعائلة في كل عام، لما يتطلبه من مصروفات خاصة به، يصعب على رب الأسرة توفيرها، كونه عامل مياومة بالكاد يكفي ما يجنيه من دخل فقط، لتسديد أجرة المنزل البالغة 80 دينارا، وبعض الاحتياجات الضرورية اليومية كالطعام”.
وتضيف أم أنس، أنها تستفيد من بعض الأسر في منطقتها في الحصول على ملابس مستعملة لأطفالها على الأقل، مشيرة إلى أن تلك الأسر، تتبرع بتلك الملابس للمحتاجين بدلا من أن تتلفها، كما تؤكد أم أنس، أنها وزوجها يعملان على ضبط النفقات قدر الإمكان، لتأمين نفقات شراء الكاز للمدفأة ما أمكن من الشهر.
ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للأربعينية أم فؤاد التي تعتمد هي الأخرى في ملابس الشتاء والأغطية، على ما يقدمه أهل الخير والجمعيات، إضافة إلى لجوئها إلى ما يعرف بـ”البالات” لشراء ملابس بثمن زهيد.
ووفق أم فؤاد التي تعمل “مراسلة” في مدرسة حكومية، فإن “الظروف المعيشية وارتفاع أسعار الكثير من السلع، أمر بات يستنزف دخل الأسرة قبل الوصول إلى منتصف الشهر”، لافتة إلى أن زوجها يعمل “سائق تكسي” وفي الكثير من الأيام لا يستطيع تأمين “الضمان” لمالك المركبة، فيما لديهما 5 أطفال بينهم 3 في المدارس.
وبشأن مصروفات المدافئ، أكدت أن “التقنين” في الاستخدام، هو ما تلجأ إليه الأسرة، بحيث يجري إشعال مدفأة الكاز خلال أوقات معينة من اليوم؛ أحيانا تكون محدودة وليس طوال الوقت، مع استخدامها لأغراض الطبخ، إن أمكن ذلك من باب توفير استهلاك أسطوانة الغاز.
أما أبو رشاد (58 عاما)، فيؤكد أن حياته “أصبحت ديونا في ديون، بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وفي كل فصول السنة، لا الشتاء فحسب”، مبينا أن ديونه في فصل الشتاء، تزداد، لا سيما أنه يرفض من حيث المبدأ، الحصول على مساعدات، معتبرا أن هذا الأمر، يسبب له حرجا أمام عائلته وأقاربه.
كما يقول أبو رشاد، وله 5 أبناء، بينهم 3 في سن الطفولة، إنه يضطر للعمل ساعات طويلة تمتد من الـ6 صباحا حتى غروب الشمس على بسطته المتواضعة المخصصة لبيع الخضراوات والفواكه على جانب أحد الشوارع، سعيا للحصول على دخل يسد ما أمكن من احتياجات الأسرة، لكنه أشار إلى أن “الديون في ازدياد، رغم كل التعب والجهد” الذي يبذله.
الناشط في العمل التطوعي والإنساني، أمجد عثمان الشبلي، رئيس مبادرة شباب ماحص، يقول لـ”الغد”، إن المبادرة كما الكثير من المبادرات والحملات في المحافظة، تضاعف من جهدها وعملها في الشتاء، لمحاولة تأمين أكبر قدر من الأسر الفقيرة بالملابس والأغطية ووسائل التدفئة أو صيانتها على الأقل.
وعبر المعطيات وسجلات المبادرة، يؤكد الشبلي، أن الظروف المعيشية باتت تزداد سوءا، ما أدى لازدياد أعداد الأسر المحتاجة للمساعدات، مشيرا في هذا السياق، إلى أن هناك أسرا تحتاج بالفعل للمساعدات، لكنها لا تطلبها ولا تقبل بأن تقدم إليهم من أحد، ويسعون في الوقت ذاته، إلى عدم دراية من حولهم بأوضاعهم الصعبة.
ومن جهتها، قالت ناشطة اجتماعية في المحافظة، طلبت تعريفها بوصف “فاعلة خير”، إنها ونساء عدة، يحرصن على تقديم مساعدات عينية ومالية لكثير من الأسر المحتاجة في المحافظة، لكنها تؤكد أنه وفي فصل الشتاء، يتضاعف العمل، لما يفرضه هذا الفصل من أعباء، قد لا تقوى على تأمينها الكثير من الأسر.
لذلك، تؤكد أنها وزميلاتها في العمل الخيري وعددهن 15 سيدة، يعملن قبل بداية الفصل، على حصر ما أمكن من الأسر الفقيرة وأعداد أفرادها، لمحاولة تأمينهم بما يمكن توفيره من ملابس وأغطية وسجاد ومدافئ.
ولفتت إلى أن عملها وزميلاتها، يمتد أيضا ليشمل تأمين بعض تلك الأسر بالكاز أو بالغاز بين فترة وأخرى لاستخدامه في المدافئ، مؤكدة أن الكلف المالية لكل تلك المساعدات ليست منهن وحدهن، بل هناك أيضا مهتمون بفعل الخير ومساعدة المحتاجين، يقدمون بدورهم، ما يمكن من مساعدات بالتنسيق معها، أو مع أي من زميلاتها.
إلى ذلك، أكد أصحاب محال ألبسة “بالة” في المحافظة، أن موسم الشتاء يشهد إقبالا على شراء الملابس أكثر من أي فصل آخر، من جميع الشرائح، لكن محدودي الدخل أو الفقراء، الأكثر إقبالا لتدني أسعار “البالة”.
وأضافوا لـ”الغد”، أن بعض قطع الملابس سعرها زهيد جدا، ولجميع الفئات العمرية ذكورا وإناثا، معتبرين أن ذلك يعين الأسر الفقيرة على شراء مستلزماتها ومواجهة برد الشتاء.
يشار إلى أن دائرة الإحصاءات العامة، بدأت قبل نحو 3 أسابيع، بتنفيذ جولات ميدانية لإجراء مسح دخل ونفقات الأسر الجديد في الأردن، بحيث سيستمر تنفيذه لمدة عام، وسيمكن الدائرة من تحديد نسب الفقر والإنفاق للأسر.
ووفق تصريحات سابقة لوزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة، تقدر نسبة الفقر في الأردن بـ24 % “مرحليا”، وذلك في ارتفاع بلغ نحو 6 % بسبب تداعيات فيروس كورونا، لافتا إلى أن الحكومة تنتظر مسح نفقات دخل الأسر لمعرفة نسبة الفقر في الأردن الذي سينتهي العام المقبل، مشيرا إلى أن آخر نسبة كانت 18 % والجائحة أضافت من 6 إلى 7 %.
ووصلت نسبة الفقر المطلق بين الأردنيين إلى 15.7 %، وتمثل 1.069 مليون أردني، فيما بلغت نسبة فقر الجوع (المدقع) في الأردن 0.12 %؛ أي ما يعادل 7993 فردا أردنيا، وفق آخر مسح خاص بدخل ونفقات الأسرة نفذته دائرة الإحصاءات العامة (2017-2018).
كما يشار إلى أنه، وبحسب آخر تقرير منشور لدائرة الإحصاءات لدراسة حالة الفقر في الأردن، استنادا إلى “مسح نفقات ودخل الأسرة 2010″، بلغت نسبة الفقر في المحافظة 20.9 % مقارنة مع 14.4 % على مستوى المملكة، ويبلغ عدد الأفراد الفقراء في المحافظة نحو 85.494 ألف فرد يشكلون 9.7 % من إجمالي عدد الفقراء في المملكة، كما بلغ عدد الأسر الفقيرة 12.169 ألف أسرة تشكل 10.2 % من عدد الأسر الفقيرة، كما يوجد في المحافظة جيبا فقر هما قضاءا: دير علا وعين الباشا.
محمد سمور/ الغد
التعليقات مغلقة.