“فاجعة السلط”.. الأردنيون يدا واحدة بمواجهة حوادث الوطن المؤلمة
لم تمر “فاجعة السلط”، التي نتج عنها وفاة 9 أشخاص نتيجة انقطاع الأكسجين في غرف العناية الحثيثة، مرورا عاديا، إنما تركت وراءها الوجع والحسرة والقهر في قلب كل أردني، اعتبر أن المصاب مصابه هو، ليتملكه الألم على ما حدث.
صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، اتشحت بالسواد من داخل الأردن وخارجه، ليكتب كل شخص ما يجول في خاطره وقلبه بعد هذا الحادث، والذي جاء نتيجة إهمال وتقصير، فانتشرت كلمات يغلفها القهر والألم، وعبر كل واحد عن مواساته الشديدة لأهل المتوفين بعد خساراتهم الكبيرة.
القضايا الإنسانية عادة ما تجمع الأردنيين، وتجعلهم يدا واحدة في مواجهة الحوادث المؤلمة التي يشعر كل مواطن وكأنها تعنيه شخصيا، فيشعر بالأسى حينما يصاب غيره بالأذى، فتوحدت القلوب، وشاركت أهالي مدينة السلط حزنهم وألمهم.
حادثة السلط المؤلمة ما تزال حاضرة بأوجاعها، والحزن يخيم على جميع محافظات المملكة، فالفقد واحد والمصاب واحد والقهر واحد في جميع البيوت التي اتشحت بالسواد من شمال الوطن وحتى جنوبه تلتقي في الحزن، وكأنها جسد واحد إذا تألم أحد أجزائه تألم الجميع الوجع ذاته. تلك القلوب تبكي وتحزن وتتألم لمصاب ذوي الشهداء الذين قضوا بسبب نقص الأكسجين. وفي بلاد الغربة، استيقظ الأردنيون على الوجع، ليواجهوا الفاجعة على قلب رجل واحد.
ما حدث في السلط السبت الماضي، بحسب اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، كان موجعا لجميع الأردنيين، وبدا ذلك واضحا من خلال توحد المجتمع، فمصاب السلط انتفض له الأردنيون من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب يعزون إخوتهم على مصابهم الجلل، مطالبين بمحاسبة المقصرين ومعالجة الإهمال، فالحزن واحد والألم واحد.
“ألم ابن السلط يؤلم ابن الكرك وابن إربد وابن العقبة وكل بقعة على أرض الوطن وخارجه”، وفق الخزاعي، الذي يلفت إلى أن استجابة الأردنيين في دول الاغتراب وتأثرهم بما حدث بالفاجعة تؤكد توحد القلوب من الأرجاء كافة، وهو ما تربى عليه المواطنون في كل ما يسبب الألم لوطنهم.
التوحد في فاجعة السلط بهذا الشكل، بحسب الخزاعي، يعد رسالة لكل مسؤول تسول له نفسه التراخي أو ارتكاب الأخطاء ليعلم حينها أنه محاسب على تقصيره وأنه في مواجهة شعب بأكمله وليس شخصا واحدا.
إلى ذلك، فإن الأحداث المتتالية التي شهدتها الأردن نبهت المجتمع إلى خطورة “فيروس كورونا”، لاسيما وأن الدراسات أثبتت أن 22 % من المجتمع يعتقدون أن فيروس كورونا مؤامرة، في حين لا يعترف 4 % من الأردنيين بوجود الفيروس أصلا.
ويبين الخزاعي أن جائحة كورونا، بشكل عام، جعلت الجميع يفكر ويخاف من فكرة فقدان عزيز، لافتا إلى أنه آن الأوان لالتزام الحيطة والحذر واتباع كل الإرشادات وطرق الوقاية الصحية، لكي لا يكون أي أحد معرضا لانتقال العدوى والتسبب بوفاة أحد أفراد عائلته.
ومن جهة أخرى، نبهت “فاجعة السلط”، رغم مرارتها وقسوتها، إلى كيفية التعامل مع الأزمات والتفاعل الإيحابي مع الآخرين، فأصبح المواطن على وعي ودراية كاملة بأهمية وكيفية جاهزية المستشفى لاستقبال مريضه سواء كان بتوفر الكوادر الطبية والأكسجين أو الاطلاع الكامل، حتى لا يختبر ألم الفقد مرة أخرى. ونفسيا، يشير اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة إلى أن أي حادثة إنسانية أو مأساة أو فاجعة مؤلمة تصيب المجتمع، يكون لها تأثير كبير، وهي طبيعة إنسانية، فالمشاعر تتحرك أمام الحزن والمصائب وأوجاع الآخرين.
ويضيف “نحن في الأردن عائلة واحدة، لذلك اعتاد الناس عندما يشعرون بأن هناك مصابا أن يتحركوا تجاهها بكل عفوية وحب”، فالأردنيون يجمعهم التآلف والمحبة والمودة فهم للبعيد يتحركون، ويتمتعون بالبساطة والطيبة والشهامة والعطاء والنخوة وحب المساعدة، ولذلك كانت حادثة السلط كارثة على كل أردني، لأن فيها ضحايا وأبرياء لا ذنب لهم، وجاءت أسباب الوفاة نتيجة إهمال أشخاص غير مسؤولين.
ويقول مطارنة “انفطرت قلوب الأردنيين على فاجعة السلط، والمجتمع كعادته يتحد كالبنيان المرصوص داخل الوطن وخارجه”.
ويؤكد مطارنة أن تكاتف الأردنيين مع بعضهم بعضا في هذه الفاجعة داخل الأردن وخارجه يشعر ذوي شهداء فاجعة السلط أنهم ليسوا وحدهم وأن مصابهم هو مصاب الجميع، الأمر الذي يلقي السكينة والطمأنينة في أنفسهم أنهم ليسوا وحدهم وأن الشعب بأكمله خلفهم وهذا يخفف ولو قليلا من حالة السخط والحزن والحقد التي قد تنتابهم بعد خسارتهم الموجعة لأحد أفراد عائلاتهم.
منى أبوحمور/ الغد
التعليقات مغلقة.