ربابعة يحاور حول “الصمت وفائض الكلام” في الجمعية الفلسفية
ألقى أستاذ اللغة العربية في جامعة فيلادلفيا، ورئيس تحرير مجلة “أفكار”، الأكاديمي الدكتور يوسف ربابعة، محاضرة بعنوان “الصمت وفائض الكلام”، في مقر الجمعية الفلسفية.
وقال ربابعة “إن النقاد والبلاغيين العرب القدماء بحثوا في مصطلحات “الإيجاز، المساواة، الإطناب، الحشو”، وهي أربعة مصطلحات مترابطة، وأطلقوا عليه اسم “علم المعاني”، وفي تعريفهم للإيجاز قالوا “إنه أداء المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة”، وذهب بعضهم إلى التسوية بين البلاغة والإيجاز”.
وأكد الشعراء والنقاد والمفكرون أهمية الإيجاز في الشعر وفي سواه من فنون القول. ويدفعنا توكيدهم أهمية الإيجاز إلى استنباط نوع من الرفض الضمني للفائض اللغوي وإن لم يرد هذا المصطلح صراحة فيما قالوا أو كتبوا؛ فكلامهم ينطوي على أن الفائض اللغوي يمثل عبئاً على النص الأدبي عموماً وعلى النص الشعري على وجه الخصوص.
ورأى المحاضر أنه لم يوجد من يمتدح “الإطناب”، أو يجعله شرطاً من شروط البلاغة. والإطناب هو “التفصيل والاستطراد”، ونستنتج من هذا أن الإيجاز هو أمر جوهري في كل أنواع القول، في حين أن الفائض اللغوي من عيوب الكتابة الأدبية في الشعر والنثر معاً، مشيرا الى أن الكثير من النصوص تتأرجح بين الإيجاز ومضار الفائض اللغوي، ما يشير إلى اضطراب في وعي شروط الكتابة الأدبية في الأجناس الأدبية كافة لأنها لا تختص بجنس دون سواه، أو بتيار أدبي معين أو مرحلة أدبية معينة.
وقال ربابعة، إن الشائع هو أن اللغة فطرية، أو هي “مطبوعة في جيناتنا”، وهي متشابهة عند جميع البشر، كما يقول المفكر الشهير نعوم تشومسكي: “لو أن هناك علماء على كوكب المريخ، فلا بد أن يستنتجوا أن جميع الأرضيين يتحدثون بلهجات مختلفة للغة واحدة”، إذ تتشارك جميع اللغات أساسًا في قواعد لغوية عالمية ومفاهيم معينة ودرجة من التعقيد المنهجي، وهذا ما تتفق عليه النظريات”.
وأشار المحاضر الى آراء اللغويين الذين يرون أن الجوانب التي تستحق الدراسة فيما يخص اللغة هي تلك التي تفصح عن كيفية قيامها بالتعبير عن طبائع الإنسان، و”أننا في الأساس جميعًا نفكر بطريقة واحدة، فالإنسان يولد بدماغ مزود بمعدات خاصة وببنيات نحو محنكة تغني الطفل عن تعلم تلك البنيات عندما يبدأ في اكتساب لغته الأم. فتعكس قواعد النحو طبيعة إنسانية عالمية حسب التوليديين، أما تلك الاختلافات بين بنيات قواعد النحو المختلفة فليست أكثر من اختلافات سطحية لا أهمية لها”.
ورأى ربابعة أن الأدبيات التي تتحدث عن علاقة اللغة مع تلك المفاهيم تتجاوزها إلى الحديث عن تحرير اللغة وتبرئتها من كل هذا الكلام الذي نتفوه به، وكذلك تبرئتها من تهمة كل نقص يحصل في اتجاهاتنا، فهناك من يرى أن اللغة العربية ليس فيها فعل للمستقبل، ما يعني أن الإنسان العربي لا يتقن التفكير في المستقبل، أو أن اللغة العربية تميز بين المذكر والمؤنث في الألفاظ، ما يعني أن الإنسان العربي يمارس الجندر في حياته وسلوكه… الخ.
وأشار المحاضر إلى أن اللغويين لم يصلوا لقرار أكيد في مسألة العلاقة بين اللغة وفكر أصحابها وسلوكهم، قد يحلو للبعض أن يذهب في تحليله بعيدا ليستنتج أن تعبير (قاعد بشرب) أو (قاعد بلعب) .. الخ، على سبيل المثال، تشير إلى أن الإنسان العربي يعاني الكسل المفرط حتى أنه يركض وهو قاعد. و”هي مسألة ممتعة أن نحمل اللغة كثيرا من السلبيات والإيجابيات التي نحكم عليها من خلال نظرة خاصة تعتمد على الثقافة والمجتمع والتربية وليس للغة أي علاقة بتحليل الكسل أو الجندر أو المستقبل الذي يعانيه المجتمع العربي من منظور لحظي”.
ورأى أن فائض الكلام يشير إلى عجز لغوي يتم التعبير عنه بألفاظ لا علاقة لها به، “فلا أستطيع أن أعبر عن حبي لك بكلمة أحبك، لكني حين أنظر في عينيك صامتا أكون قد عبرت عن حب فائض لا تحتمله الكلمات”، مبينا أن هناك الكثير من التعبيرات التي تمدح الصمت بوصفه طريقة أبلغ في التعبير، وأن الكلام مفسدة لبعض المواقف العميقة التي لا تحتمله.
وأشار الى قصيدة نزار قباني التي يقول فيها “هل تسمعين أشواقي عندما أكون صامتا؟ إن الصمت يا سيدتي هو أقوى أسلحتي. هل شعرت بروعة الأشياء التي أقولها عندما لا أقول شيئا؟”.
ويعتبر ربابعة أن اللغة هي التعبير عما لا نستطيع إدراكه، أي أن الكلام هو تعبير عن نقص في الفهم، “فكل ما لا نفهمه نعبر عنه بكلمات وألفاظ وتعبيرات، وأقول أنا لا أملك أي دليل على ما أقول ولا أملك أي قدرة على دحض النظريات السابقة للغة، فكلها مقنعة وتملك وجاهة واضحة لا يمكن أن نغمض أعيننا عنها”.
عزيزة علي/ الغد
التعليقات مغلقة.