خمس سنوات على اغتيال الزواري صانع أبابيل المقاومة
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
في الخامس عشر من الشهر الجاري حلت الذكرى الخامسة لاستشهاد مهندس طائرات المقاومة المسيرة التونسي المخترع محمد الزواري من قبل عملاء الموساد الإسرائيلي بمدينة صفاقس جنوبي تونس يوم 15 / 12 / 2016 حين كان يستعد لتشغيل سيارته الخاصة أمام منزله قامت شاحنة صغيرة باعتراض طريقه ثم قام شخصان ملثمان يستخدمان مسدسين من نوع براوننج عيار 9 مليم مزودين بكاتمين للصوت بإمطار جسده بأكثر من 20 رصاصة استقرت 8 منها في جسده 5 منها في صدره ورأسه ما ادى الى وفاته مباشرة
ونظرا للتمويه الكبير والغموض الذي احاط ورافق عملية الاغتيال في حينه انتشرت جملة من الأخبار التي اشارت إلى أن القضية ربما تكون مسألة ( حق عام ) الى ان جاء بيان النعي العسكري الذي نشرته كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة حماس بعد يومين من الحادثة ليقطع الشك باليقين ويخبر العالم أجمع أن الزواري كان على اتصال مباشر مع المقاومة الفلسطينية في غزة وأن قتله كان عملية اغتيال نفذها الموساد الإسرائيلي وقد ووعدت بالثأر لمقتله
وعلى اثر ذلك كشفت مصادر امنية في حركة حماس أن الزواري كان قد زار غزة أكثر من 3 مرات في الفترة الواقعة ما بين 2012 إلى 2013 ومكث فيها قرابة 9 أشهر لغايات استكمل بناء وتطوير مشروع الطائرات المسيرة وحينما اندلعت معركة الفرقان عام 2008 كان الزواري قد إشراف على تصنيع 30 طائرة بدون طيار برفقة رجال القسام ليساهم في معركة الإعداد بشكل نوعي ومؤثر وعميق في مواجهة العدو الاسرائيلي
الشهيد الزواري انضم الى صفوف حركة حماس في سوريا عام 2006 وبعدها أصبح الركن الأساس لنجاح مشروع الطائرات بدون طيار الذي كان في مراحله الأولى والمسؤول الاول في وحدة المشاريع بـ ( قسم التصنيع ) بالجهاز العسكري حيث أشرف مع أحد الضباط الكبار في الجيش العراقي على النموذج الأول لمشروع كتائب القسام للطائرات بدون طيار والذي عرف باسم مشروع بناء ( الطائرة العراقية )
والشهيد يعد من ابرز قادة حماس العسكريين ومن الذين أشرفوا على مشروع الطائرات المسيرة ( أبابيل1 ) التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية حتى اليوم لرصد وضرب أهداف إسرائيلية استراتيجية بعيدة وقد كان لها دور فعال في معركة العصف المأكول في غزة عام 2014 بالإضافة إلى عمل الزواري الدؤوب على مشروع الغواصة المسيرة في إطار بحثه العملي للحصول على رسالة الدكتوراه
بعد البيان العسكري لكتائب القسام وتحميل مسؤولية الاغتيال للموساد الإسرائيلي كشفت تحقيقات وزارة الداخلية التونسية بأن التخطيط لعملية الاغتيال بدأ قبل 6 أشهر وتحديداً في شهر حزيران 2016 عبر شركتين وهميتين أقامهما أجنبيان في تونس باستعمال مخططين متوازيين منفصلين فشل أحدهما ونجح الثاني
كما أشارت التحقيقات إلى أن أحد المتورطين في تنفيذ العملية شاب بلجيكي عربي من أصول افريقية كان قد دخل إلى تونس قبل 3 أشهر من تنفيذ العملية للإعداد والتحضير وقد ربطته علاقة تجارية بامرأة تونسية تعمل في مجال الإعلام حيث جرى الترتيب لإجراء مقابلة صحفية مع الضحية على مرحلتين والأهم في القضية أن باخرة روسية رست بميناء صفاقس ليلة الجريمة لتكشف السلطات التونسية لاحقاً عن شبكة جواسيس روسية داخل البلاد وقد تمكنت هيئة الدفاع عن الشهيد من إثبات العلاقة بين الباخرة والعملية رغم أن وزارة الداخلية والجهاز القضائي حينها فصلا بينهما بعد القبض في ميناء صفاقس على متورطين من الجنسية الروسية مجندون من الموساد الإسرائيلي كانوا على متن الباخرة ولكن حصل ضغط من إحدى الجهات فاطلق سراحهم
أحد المنفذين نمساوي التابعية يدعى كريستوفر وقد قدم نفسه على أنه مهتم باختراعات الزواري خاصة مشروع التحكم بالغواصة عن بعد واثنان آخران من الجناة يحملان الجنسية البوسنية هما ( ألفير ساراك والان كانزيتش ) وهما اللذان تعقبا سيارة الزواري واختراق هاتفه الذي تمت عملية مراقبته منه قبل يوم من الاغتيال وهو ما يعزز فرضية إتلاف القتلة هاتفه بعد اغتياله
الشهيد محمد الزواري ولد بمدينة صفاقس التونسية عام 1967 ودرس هندسة الميكانيك بالمدرسة الوطنية للمهندسين قبل أن يتعلم الطيران لكن بسبب انتمائه إلى حركة النهضة التونسية تعرض للحبس في عهد نظام زين العابدين بن علي وعقب إطلاق سراحه عام 1991 سافر إلى ليبيا ومن ثم الى السودان وعقب حصوله على الجنسية السودانية غادرها إلى سوريا وتزوج هناك من سيدة سورية الجنسية
بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي البائد عام 2011عاد الزواري إلى تونس ليشغل منصب أستاذ جامعي في المدرسة الوطنية للمهندسين حيث كان يعلم الطلبة تصنيع الطائرات بدون طيار وبحلول عام 2015 نجح في اختبار طائرته بدون طيار التي كان يعمل عليها في أبحاث ما قبل تحضيره لرسالة الدكتوراه
مجموعة انجازات المهندس الزواري والتكنولوجيا التي طورها كان لها دور ومهم في إحداث نقلة كبيرة ونوعية في قدرات المقاومة الفلسطينية وبالأخص في المنظومتين الجوية والبحرية وأن ابداعاته التقنية ما زالت تخطف الأنظار عندما يتم استخدامها سواءً لرصد ومراقبة الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية أو حتى ضربها عن بعد دون الحاجة إلى المخاطرة بحياة أفراد المقاومةوأن إسهامات الزواري لم تتوقف عند حدود الطائرات المسيّرة وحسب بل وصلت إلى عمق المياه الاسرائيلية من خلال الغواصات المسيرة التي صممها وطورها لدعم المقاومة وخلق نوع من الردع التقني لصد ومواجهة الجبروت الإسرائيلي حيث تمتلك كتائب القسام اليوم في ترسانتها العسكرية غواصات مسيرة غير مأهولة قادرة على حمل مواد متفجرة بوزن 50 كيلوغرام تحمل إمضاء المهندس التونسي المبدع محمد الزواري
قبل اربعة ايام فقط كشف رضوان الزواري شقيق الشهيد محمد الزواري عن معطيا ت ومستجدات جديدة ومهمة طرأت في قضية اغتيال شقيقه بتونس منها تورط أعضاء من السلطة السياسية في تونس بعملية الاغتيال حسبما ابلغته بذلك هيئة الدفاع عن شقيقه وقد رفض في حديث له في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا بحضور عديد الشخصيات الوطنية والسياسية والحقوقية والمحامين كشف فيه المزيد من التفاصيل لدواعي سلامته والحفاظ على سرية ما تم التوصل إليه من حقائق دامغة في القضية في ظل عدم وجود إرادة واضحة لكشف الحقيقة ومعاقبة الجناة
كما صرح رضوان بانه تم تعيين قاضي جديد مكلف في 14 من الشهر الجاري وقد بدأ مهامه بالاستماع إلى شاهد أمني كبير في القضية وقد جاء ذلك بعد ممارسة حملة من الضغوط المتواصلة على الدولة التونسية من قبل عائلة الشهيد وهيئة الدفاع ومؤسسات المجتمع المدني وبعض الشخصيات الوطنية بالإضافة الى مخاطبة الرئيس قيس سعيد بعشرات الرسائل للتحقيق في القضية ومتابعة قضية الاغتيال
بعد تجميدها لعامين كاملين حيث اتلفت العديد من الوثائق التي تتعلق بشخصين أجنبيّيْن يشتبه في تورطهما ضمن خلية الاغتيال بعد رصد وجودهما في المقهى المجاور لمحل إقامة شقيقه وقد طالب الرئيس التونسي التدخل لضمان حيادية التحقيق وتسريع المسار القضائي وادانة إسرائيل سياسيا وقانونيا عبر توجيه الاتهام إليها بالمسؤولية عن الجريمة كما اتهم في حديثه بعض الأطراف بطمس ملف الدعوى بهدف إغلاقه سياسيا وقضائيا
وقد اعلن انه جرى توسيع هيئة الدفاع بانضمام الهيئة الوطنية للمحامين في تونس والجمعية التونسية للمحامين الشبان التي يرأسها عميد المحامين التونسيين في تطور مهم من شأنه تقوية الجهد للوصول إلى الحقيقة ومعاقبة الجناة فيما لم تكشف السلطات التونسية بعد عن هوية الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال
مطالبات عائلة الشهيد الزواري وهيئة الدفاع من الدولة التونسية تمثلت بإعادة فتح التحقيق من جديد في قضية الاغتيال لوجود تلاعب في التحقيقات السابقة لا سيما في فترة تجميد القضية وضرورة توجيه الحكومة التونسية الاتهام المباشر لكيان الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة والقبض على الخونة ممن ساعدوا في عملية الاغتيال ومعاقبتهمجريمة اغتيال الشهيد الزواري يلاحظ انها تكتسي هدفًا سياسيا وقانونيا حيث تعمل العديد من اللوبيات داخل السلطة بالضغط باتجاه التستر على بعض الحقائق وعدم إدانة إسرائيل بشكل صريح ومعلن حيث لم توجه الحكومة التونسية أو الجهات القضائية المكلفة حتى الان اتهامًا رسميا لإسرائيل أو جهاز الموساد بالمسؤولية عن الاغتيال رغم كل الدلالات والبراهين الواضحة ضدها
وفي ذات السياق كشفت مؤخرا أرملة الشهيد محمد الزواري عن تلقيها اتصالات من جهة غير معلومة اخرها كان من شخص قال لها ان ( قضية زوجها محمد بالنسبة لتونس تعتبر ميتة ) والمتصل الذي خاطبها تحدث معها باللغة العربية الفصحى ولم يكشف عن هويته وقد حذرها من فتح القضية من جديد او التحدث عنها في الوقت ذاته قالت أنها لا تزال تتعرض للمضايقة والمراقبة في تونس منذ خروجها من المنزل وحتى العودة إليه وأنها حتى اليوم لم تحصل على الجنسية التونسية رغم الوعود الكثيرة واستكمالها لكافة شروطها وأنها تتعرض لتحقيقات تستمر لعدة ساعات في كل مرة تذهب لمتابعة معاملة اقامتها ويطرح عليها ذات الأسئلة المتعلقة ببداية دخولها الى تونس وزواجها من الشهيد الزواري وعلاقته بالمقاومة
اموال طائلة جرى إنفاقها لتصفية الزواري في مخطط سري تم الإعداد له منذ عام 2015 في أوربا الشرقية ونيويورك وشارك فيه تونسيون لم يكونوا على دراية بالجريمة والموساد الاسرائيلي هو من يقف خلف الاغتيال ويتحمل مسؤوليته مع وجود تعاون لوجستي ساهمت فيه أجهزة وجهات أمنية أخرى خصوصا ما يتعلق بالجانب المعلوماتي والاستخباري الرسمي المشترك
عائلة الشهيد الزواري يحيون اليوم الذكرى الخامسة لاغتياله بألم وحزن شديدين خاصة وأن الكشف عن الخونة في الداخل والخارج لم يتم بعد وقد اكدت أرملته بأنها تفتخر بما قام به زوجها الشهيد طيار المقاومة وصانع أبابيلها وملهم الشباب العربي ومصحح مسارهم نحو القدس والقضية الفلسطينية
الذي اصبح رمز مشرفا للمقاومة بعدما اجتاز الحدود ليصنع لنفسه تاريخ البطولة والتضحية والفداء وقالت بكل اعتزاز وفخر انه لو عاد بها الزمن إلى الوراء لتمنت أن تستشهد معه في فلسطين وختمت بالقول الملف لا يزال يراوح مكانه والجرح ما زال ينزف والوجع يتجدد والظلم يتطاول والاهمال يتمدد وإذا ضاعت قضية زوجي في محكمة الأرض فلن تضيع في محكمة السماء
mahdimubarak@gmail.com