عرب النقب سنموت على ارضنا ولن نرحل
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
بداية أرض منطقة النقب ملك مقدس لأبناء العشائر عريقة الأصول وثابتة الجذور فيها أصحاب الأرض وملاّكها قديما وحديثا ومستقبلا وعلى هذا الاساس تعاملت الحكومة العثمانية وحكومة الانتداب البريطاني وهي أرض عربية إسلامية لا تباع ولا يساوم عليها وفي هذا السياق أجمع عرب النقب على شرف يوم الأرض بتوقيعهم على وثيقة جامعة أطلق عليها ( وثيقة أرض النقب ) أكدوا فيها رفضهم لأي اعتداءات على ارضهم واهلهم
النقب الصحراوية تشكل ما نسبته 40% من مساحة فلسطين التاريخية وتحتل الجزء الجنوبي منها حيث تمتد من عسقلان على الساحل الغربي لوسط فلسطين وحتى رفح على طول الحدود مع سيناء وتقدر أطول مسافة في النقب بنحو 190 كيلومترا وأعرضها بنحو 80 كيلومترا ويحدها شرقا خليج أم الرشراش (إيلات) والبحر الميت وغربا المسافة رفح وغزة حتى طابا المصرية وتمتد شمالا على حدود قطاع غزة وجبال الخليل إلى الشمال الغربي من المنطقة
مؤخرا وتنفيذا واستكمالا لسياسات الاقتلاع والتهجير الصهيونية وحصار اهالي عرب النقب في أقل مساحة جغرافية ممكنة اقتحمت يوم الأربعاء الماضي جرافات الشرطة الإسرائيلية المعززة بالحراسات المشددة أراضي قرية الاطرش وبعض الاراضي الاخرى المحيطة بتجمعات سكانية بدوية في منطقة النقب من أراضي الـ 48 واستأنفت عمليات تجريفها وهدم البيوت العربية تمهيدا لقطع موار المعيشية وحرمان السكان من أبسط الشروط والحقوق الإنسانية للاستيلاء عليها من قبل دولة الاحتلال التي تزعم أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط
وقد سارعت الشرطة الى ازالوا خيمة الاحتجاج التي نصبها الأهالي تنديدا بالعدوان وردا على تجريف أراضيهم كما اعتدت على المواطنين بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع واعتقلت أكثر من 20 شخصاً من المحتجين بينهم نساء وأطفال قاصرون وقامت بتمديد اعتقالهم وقد شهدت مناطق النقب إضراباً عاماً شمل جميع المؤسسات والمرافق العامة والخاصة احتجاجاً على ما يمارس بحق سكان القرى غير المعترف بها خاصة التي تواجه عمليات تجريف مستمرة منذ 10 أيام متوالية تحت الشعار الكولونيالي الاستفزازي ( البدو يهدرون الأراضي )
جراء ذلك الاجرام الصهيوني اندلعت مواجهات ومصادمات عنيفة بين قوات الشرطة والمواطنين العرب اصيب على اثرها شرطيان إسرائيليان بجروح طفيفة عند مفرق قريب من ( شقيب السلام ) بعد تعرض قوات الشرطة لإلقاء الحجارة والمفرقعات وقد تم إضرام النار في الإطارات المطاطية على طريق الـ 25 المجاور ورشقت السيارات والحافلات المدنية الاسرائيلية بالحجارة وأغلقت التقاطعات الرئيسية
كما شوهدت سيارة شرطة إسرائيلية اشتعلت فيها النيران ووضعت كومة من الحجارة على سكة الحديد قرب مفرق غورال لعرقلة سير القطار وتم الاتفاق الجماعي على مواصلة التظاهرات الحاشدة حتى التجميد الفوري لعمليات هدم البيوت وزراعة الاشجار في الاراضي العربية في النقب
اليمين الإسرائيلي المتطرف رحب بالهجمة الشرسة على منطقة النقب وايد عمليات توسيع التجريف والاستيلاء على الاراضي وقد اعلن وزير الاسكان الإسرائيلي بأن عمليات التجريف والتشجير ستستمر بدعم كامل من( زئيف الكين ) وزير الاستيطان الإسرائيلي كما دعا عضو الكنيست العنصري ايتمار بن جفير كافة انصاره وانصار اليمين للتوجه الى بلدات وقرى النقب العربية لدعم الشرطة والجرافات في مهمتهم وقال ما من أحد باستطاعته وقف زراعة الاشجار في أرض إسرائيل
وفي وقت سابق استأنفت طواقم الصندوق الدائم لإسرائيل ( كاكال ) مع عدد من أعضاء الليكود أعمال التجريف وزراعة الأشجار ( نيابة عن الدولة ) ضمن في رسالة وصفت بالاستفزازية لترسيخ استيلاء إسرائيل على الأراضي العربية بالنقب قبل أن تتوقف في عام 2020 على خلفية مواجهات مع سكانها ( الصندوق القومي اليهودي منظمة صهيونية تأسس عام 1901بغرض جمع الأموال من اليهود في العالم لشراء أراض في فلسطين )
يواجه أهالي النقب منذ العقود الماضية هجمة شرسة من قبل المؤسسة الإسرائيلية على اهل القرى مسلوبة الاعتراف لهدم مساكنهم وترحيلهم من أراضيهم إضافة لحملات تحريض متواصلة يشنها الاعلام الاسرائيلي ضدهم مما دفع اللجنة التوجيهية العليا لعرب النقب الاعلان خلال اجتماع طارئ وموسع عقدته في قرية الأطرش نيتها تصعيد خطواتها النضالية لمواجهة الاعتداءات المتكررة والمخططات الإسرائيلية لتهجيرهم والهيمنة على أراضيهم ودعت الجماهير للتواجد في أرض ” نقع بئر السبع ” والمشاركة في المظاهرة القطرية التي ستقام على مفترق قرية سعوة
وبالرغم من الانخراط الطوعي لبعض بدو النقب الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي إلا أن التحريض الإسرائيلي العنصري ضد بقائهم على أراضيهم التي ورثوها أبا عن جد يتواصل ويتصاعد من خلال تداعيات الشعار الصهيوني المرفوع ضد فلسطينيي النقب ( البدو يغزون النقب ويستولون عليه) علما أن بدو النقب يعتبرون ( فلسطينيين وإسرائيليين ) وهم الشريحة الاجتماعية العربية الأكثر فقرا في فلسطين المحتلة عام1948 ويبلغ عددهم نحو مائتي ألف نسمة ويشكلون نحو ثلث سكان النقب
وللمقارنة مع ما يسمى المجلس الإقليمي الإسرائيلي ( بني شمعون) في شمالي النقب والذي يضم 13 تجمعا سكانيا صهيونيا تعاونيا يتكون من ( كيبوتسات وموشافات ) الكثافة السكانية فيها أقل بـِ 6.3 أي ضعفي مما هو قائم في جميع أراضي 35 قرية بدوية غير معترف بها من قبل إسرائيل وسيمنع البدو من الإقامة في الأراضي التي سيهجرون منها
الاحصائيات الديمغرافية تذكر أنه عشية إقامة دولة إسرائيل كان عدد المواطنين البدو العرب في النقب أكثر من مائة ألف يعملون في فلاحة مساحات واسعة من الأرضي الزراعية نحو 90% منهم اقتلعوا وشردوا من أراضيهم خلال حرب عام 1948 وبعض القرى البدوية التي تواجه حاليا خطر الهدم كانت قائمة أصلا قبل قيام دولة إسرائيل بمئات السنين بينما نشأت التجمعات البدوية الأخرى في مواقعها الحالية
استنادا إلى أوامر الحاكم العسكري الإسرائيلي بعد عام 1948 ورغم ذلك لا تعترف دولة الاحتلال بخمس وثلاثين قرية بدوية في النقب ولا تزال تحرمها من الشبك بالبنى التحتية الأساسية مثل مياه الشرب والكهرباء وشبكة المجاري والمدارس والعيادات الطبية وغير ذلك
الواقع الحالي يبين ان البدو الفلسطينيين يقطنون في 3% فقط من إجمالي مساحة النقب البالغة نحو 14 ألف كيلومتر مربع (حوالي 50% من مساحة فلسطين التاريخية بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة والمنظمة بهدم هم منازلهم وتدمير البنى التحتية وتسميم اغنامهم وحقولهم الزراعية بهدف ترحيلهم واقتلاعهم من أراضيهم ورغم الهدم والنهب الإسرائيلي لمساحات شاسعة من أراضي التجمعات البدوية إلا أن مطالبهم المتعلقة بالأراضي لا تتجاوز 5.4% فقط من إجمالي أراضي النقب
القرى غير المعترف بها تشمل أراضي النقع التي تمتد مساحتها على 45 ألف دونم، ويعيش عليها 30 ألف فلسطيني من بدو النقب قرى خربة الوطن والرويس والأطرش وبير هداج وبير الحمام وبير المشاش والزرنوق وغبرها
في حزيران عام 2013 تمكنت الحكومة الإسرائيلية من تمرير ما يسمى مخطط “برافر” في الكنيست ينص على تنظيم سكن البدو في النقب ويهدف أساسا إلى هدم قرى بأكملها ومصادرة أكثر من 800 ألف دونم وتهجير أكثر من 40 ألف عربي من أراضيهم ومنازلهم وتدمير 35 قرية وتجمع سكاني فلسطيني في المنطقة وتهويد أراضي الفلسطينيين البدو الذين يعتاشون من الزراعة وإرغامهم على السكن في مدن بدوية تعاني أصلا من الإهمال الإسرائيلي الكامل والبطالة والفقر الرهيبين وانعدام الخدمات الأساسية كما رفضت اللجان الإسرائيلية الحكومية التي بلورت المخطط الاقتلاعي الاستماع إلى مطالب ممثلي القرى البدوية الخمس وثلاثين غير المعترف بها إسرائيليا
الهدف الصهيوني الحقيقي من وراء هذا المخطط التهجيري هو إحلال مستوطنين يهود على أنقاض القرى والتجمعات البدوية العربية حيث تخطط إسرائيل وفق التقرير الى توسعة غابة اصطناعية وإنشاء مستوطنة يهودية مرفهة ستدعى ” حيران ” على أنقاض القرية البدوية العربية أم الحيران التي يقطنها نحو 500 مواطن فلسطيني كما تخطط دائرة أراضي إسرائيل الى زراعة حرج شجري على أنقاض قرية العراقيب البدوية التي هدمتها القوات الإسرائيلية أكثر من ستين مرة
احداث النقب الاخيرة اوجدت داخل الحكومة الصهيونية تناقضات بالمواقف وخاصة بعد تصريحات وزير الخارجية يائير لابيد الذي يدعم وقف برنامج غرس الأشجار وتهدئة المنطقة بدلاً من تأجيج النيران مثلما أوقفته حكومة نتنياهو في عام 2020 بالإضافة الى تحذير رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس من أنه لا يمكن للحكومة الاعتماد على أصوات تكتله إذا استمرت أعمال التجريف في النقب التي أثارت غضب الجمهور العربي في داخل أراضي 48 تجاه القائمة الموحدة كونها شريكة في الحكومة الحالية
عام 2023 ستبدأ الحكومة الاسرائيلية بنقل مجموعة مصانع عسكريّة وصناعية كيماويات خطيرة من المناطق الساحلية في الشمال الى اراضي النقب وتحديداً إلى أراضي قرى الصواوين ووادي النعم وأبو تلول ووادي المشاش وأم امتنان وقصر السر وغيرها بسبب درجات التلوث المرتفعة لتنفله الى مناطق النقب
المثير للاستغراب أن تجمعات المدن البدوية السبع التي أنشأتها إسرائيل مثل راهط تقع في أسفل السلم الاجتماعي والاقتصادي الإسرائيلي وهي تعاني ايضا من انعدام البنى التحتية والخدمات الاجتماعية وأماكن العمل وهو ما يثبت بشكل لا لبس فيه ( البنية الكولونيالية العرقية ) للدولة اليهودية القائمة على احتلال وتهويد أكبر مساحات ممكنة من الأراضي العربية انطلاقا من اعتبارها دولة استعمارية توسعية عنصرية بحتة تقتلع اكبر كم ممكن من العرب أهل الارض الأصليين والإبقاء على أدنى عدد ممكن منهم في مساحات ضيفة ومحدودة فضلا عن تكريس الفقر والبؤس الاجتماعي في أوساط الذين بقوا منهم على أراضيهم
تقييد المناطق السكنية للمواطنين البدو وفقا لمخطط برافر يذكرنا بالمعازل السكنية اليهودية المغلقة (الجيتو) التي فرضت على اليهود في بعض الدول الأوروبية ( روسيا القيصرية وبولندا وغيرهما ) وبشكل عام فهي تكشف علاقة دولة إسرائيل بفلسطينيي عام 1948 بصورة الاستعلاء الاستعماريا العنصري البشع علما بأن إجمالي مساحة منطقة النقب تساوي نصف مساحة فلسطين التاريخية وهي لا تتسع فقط للبدو وحدهم بل لملايين الفلسطينيين المشتتين في جميع أصقاع المعمورة
لم تتوقف جرائم الاحتلال في بقعة واحدة من أرض فلسطين التاريخية وما نرى في جنوب فلسطين المحتلة يشكل ملحمة صمودية تتوج تاريخا مشرفا في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال يسطرها اليوم ابنا النقب بمواصلتهم النضال وعدم ترك ارضهم ولو أدى الأمر إلى استخدام العنف والوسائل القتالية كما اعلنوا انهم سيموتون هنا ولن يرحلوا تلك الصرخة الكبيرة والمدوية لكل أهالي النقب المحتل في مواجهة قرار الاحتلال بهدم قراهم والتي تقع في عين ودائرة الاستهداف الصهيوني منذ بداية الاحتلال وحتى اليوم لتحويلها إلى مستعمرات صهيونية وما غرس من الأشجار في الحقيقة ما هو الا غرز للخنجر المسموم في خاصرة بدو عرب النقب الذين الذين يواجهون العدو الصهيوني ومخططاته ويجترحون كباقي ابناء الشعب الفلسطيني المعجزة من رحم المستحيل والأمل من رحم الألم
mahdimubarak@gmail.com
أ