جريمة إعدام الشيخ المسن سليمان الهذالين !
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
ضمن مسلسل الإرهاب المنظم وسلسلة جرائم الإعدامات الميدانية التي تنفذها قوات ومستوطنو الاحتلال وفقاً لتعليمات وتوجيهات مباشرة من اعلى المستويات السياسية والعسكرية أقدمت يوم الاثنين الماضي 5 / 2 / 2022 شاحنة تابعة لقوات الشرطة الإسرائيلية يفترض أنها أحضرت لتحميل السيارات المصادرة بمنطقة مسافر يطّا جنوب محافظة الخليل
الا ان سائق المركبة وعن سبق إصرار وترصد باغت المواطن الفلسطيني المسن الشيخ سليمان الهذالين 70 عام ودهسه خلال تصديه لمحاولات الاستيلاء على ممتلكات المواطنين وهنالك شريط مصور يظهر ذلك بوضوح وهو ما أدى الى استشهاده بعد أيام من إدخاله مستشفى الميزان بالخليل متأثرًا بجراحه الخطيرة التي أُصيب بها في الرأس ( نزيف دموي في الدماغ ) والصدر والبطن والرقبة والحوض والفخذ إضافة الى رضوض وكسور مختلفة في جميع أنحاء جسده وقد لاذا السائق بالفرار بعد عملية الدهس وغادرت الشرطة الإسرائيلية المكان بعد مشاهدتها ما جرى دون أن تقدم أية إسعافات للمصاب أو تبلغ عن اصابته
قبل الحادثة بساعات قليلة قامت قوة من الشرطة الإسرائيلية بمداهمة القرية الواقعة إلى الشرق من بلدة يطا جنوبي الخليل بزعم مصادرة سيارة تعتبرها غير قانونية أي أنها (غير مسجلة لدى السلطة الفلسطينية أو سلطات الاحتلال ) وفي الحقيقة لم تكن قضية ملاحقة السيارات سوى ذريعة لاقتحام القرية وترويع سكانها واستهداف احد اهم وجهائها ورموزها الوطنية وقد اراد الاحتلال من عملية الاغتيال كسر شوكة المقاوم الفلسطيني والانتقام من الشيخ الهذالين الذي تعرفه جيدا من خلال تصديه له في كل فعالية حيث يحفظ الجميع بصمة هتافاته التي كان يرددها بحماسة ( اللهم حرر الأسرى والمسرى الأقصى )
لم تقتصر مقاومة الشهيد الشيخ على جنوب الضفة الغربية بل كانت ممتدة من شمالها إلى جنوبها حتى الأغوار وقد وصل الى جميع الأماكن وناصر جميع الأسرى والمضربين عن الطعام ورفع صوته عاليا في كل أماكن المواجهة مع الاحتلال حتى غدى ظاهرة فريدة ومشروع وطني كبير جداً في المقاومة الشعبية السلمية ولهذا على كافة أبناء الشعب الفلسطيني بكل فصائله وألوانه وأطيافه وجهاته الرسمية اليوم يحذوا حذوه وأن يأخذوا الإرث الوطني عنه في مواجهة الاحتلال
استشهاد الشيخ الهذالين كان نهاية طبيعية لمسيرة حافلة بالنضال والصمود والتحدي حيث واجه الاحتلال في كل مكان مقبلاً غير مدبر وكأنه رسم لنفسه هذه الصورة المشرفة لتاتي لحظة ارتقائه التي حفرها عبر سنوات من المرابطة والمجاهدة والمصابرة لتكون الدماء والتضحيات الهائلة التي قدمها القنديل الذي سينير الطريق نحو استعادة كل فلسطين
الشيخ الهدالين أصبح قبل رحيله وبعده رمزا للوطنية ومصدرا للشموخ والعزة وأيقونة للمقاومة والصمود كما يطلق عليه بعض الصحفيون والناشطون ابن قرية خربة أم الخير في محافظة الخليل حارس زيتونها وجبالها ومياهها كان له باع طويل في مقارعة قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين حيث بدأ مشوار حياته في النضال الشعبي منذ عام 1985وهو يقاوم بجسده النحيل وتكبيراته المزلزلة جبروت سلطات الاحتلال وآلياته التي تحاول اقتلاع عائلته التي تسكن ارضها منذ عام 1956
وكثيرا ما تصدرت صوره مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام العالمية والمحلية وهو يعتلي جيب او جرافة اسرائيلية او يلوح بيده في وجه احد الجنود وقد ظل يشكل الدافع والمحفز الكبير لأبناء المنطقة على المقاومة والتصدي للاحتلال وكان يردد دائما ( لن أستكين لن أمل وأعاهد الله والحاضرين على المقاومة لآخر رمق واطلب من الله ان استشهد شهادة تغيظ العدو وتسر الصديق )
كما ويسجل للشيخ الشهيد على نطاق واسع حضوره الدائم في الفعاليات الشعبية وتصدرِهِ صفوفَها الأمامية وهو يرتدي حطته البيضاء على كتفيه وبيده عصاه يتوكأ عليها ويلوح بها في المظاهرات والفعاليات إلى جانب علم فلسطين ولم يغيب يوما عن أي فعالية لرفض الاستيطان والاحتلال في الضفة الغربية وبشكل خاص جنوبي الضفة وفي محيط قريته البدوية التي يزحف إليها الاستيطان ومع كل عملية هدم أو اقتحام كان يقف في وجه الجنود المدججين بآلات القتل مكبراً في وجوهم ورافضاً ظلمهم وحصارهم بكل ثبات وجراءة
عانى الشيخ الهذالين مرات عديدة من قسوة الاعتقال وظلمات الزنازين والسجون بسبب مشاركته الواسعة في فعاليات المقاومة الشعبية واعتراضه الآليات العسكرية الإسرائيلية في كل عملية مداهمة للتجمعات الفلسطينية شرق بلدة يطّا كما تعرض للضرب والسحل والخنق من قبل جنود الاحتلال دون مراعاة لعمره وتم توقيعه على تعهدات امنية وفرضت عليه غرامات مالية باهضة
ولم يتراجع عن مقاومة استيطان الاحتلال وانتهاكاته والدفاع عن المواطنين العزل وصد جميع محاولات قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين الى أن دهس مطالع الشهر الجاري امام أعين العالم بوحشية مفرطة وبدم بارد حيث قتلوه لأنه ما كان يوما مجرد رقم زائدا وما كان للغدر معاهدا بل دوما كان للحق ناصرا ولنيل الشهادة راغبا
هذه الجريمة البشعة والنكراء بكل تفاصيلها تضاف إلى سجل جرائم الاحتلال الطويلة وتعكس وحشيته وعنصريته وقمعه وتنكيله بالمواطنين الفلسطينيين المدنيين العزل المشاركين في المسيرات السلمية الذين يدافعون عن حقهم ووجودهم على أرضهم وأرض أجدادهم في وجه الاستيطان والمستوطنين الذين يمارسون عربدتهم وإرهابهم اليومي بدعم وحماية قوات الجيش الصهيوني
مما يستدعي متابعتها مع المنظمات الأممية المختصة والمحكمة الجنائية الدولية والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف معالمها ودوافعها الإرهابية ومحاكمة الاحتلال على جرائمه المتكررة فضلا عن ضرورة تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية ولجان حراسة وحماية المواطنين
ولد الشيخ سليمان في خيمة بدائية على أراض اشتراها والده قبل احتلال الضفة الغربية عام 1967 حيث لا يسمح الاحتلال بأي حال ووقت تغيير في الواقع الذي كان قائما في القرية قبل احتلالها بل نفذ فيها أكثر من 15 عملية هدم ما زالت آثارها ماثلة إلى اليوم
لم يتوقف الأمر بالشيخ سليمان وأقاربه عند الملاحقة بالهدم ومنع البناء بل أخذت المأساة بعدا آخر بالشروع عام 1982 في بناء مستوطنة لا يفصل بينها وبين خيمته سوى أسلاك شائكة واليوم امتدت المستوطنة غربا وجنوبا وشمالا لتلتهم مزيدا من الأرض بينما هو لا يستطيع إضافة أي لبنة بناء مما يضطر أبناءه وغيرهم إلى الرحيل والبحث عن مكان يستطيعون العيش فيه بدل قريتهم
الجريمة الجديدة لن تثني الفلسطينيين عن المقاومة والصمود في وجه مخططات الاحتلال العدوانية والرد عليها يستوجب تكثيف فعاليات المقاومة الشعبية في كافة المدن والبلدات والقرى بالضفة الغربية المحتلة وتوسيع دائرة الاشتباك مع الاحتلال ومستوطنيه في كل مكان ليكونوا حراساً للأرض كما كان الشيخ الهذالين حارساً لها
الرئيس محمود عباس وتقديراً لمسيرة الهذالين الوطنية والنضالية المشرفة في الدفاع عن أرض ووطنه وتثميناً عالياً لصموده ونضاله المتواصل في وجه الاحتلال والاستيطان الغاصب إلى ان ارتقى شهيداً وهو يرفع علم فلسطين عاليا منح مؤخرا ( نوط القدس ) لعائلته كأيقونة للمقاومة الفلسطينية الشعبيةً فليس ( بعد الجود بالنفس والروح من فداء او عطاء ) في هذا الزمن المأثور بالصمت والمسكون بالخوف والخيانات لشعب محتل ينزع نحو الحرية والحياة الكريمة
يذكر انه ما بين كانون الأول ومنتصف كانون الثاني من العام 2021 قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 324 فلسطينيا وأصاب نحو 17 ألفا في الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس وقطاع غزة وفق تقرير خاص لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة
جذور عائلة الهذالين البدوية تعود إلى منطقة ( عراد ) جنوبي فلسطين المحتلة وقد هجروا إلى الضفة الغربية وانتشروا في سفوحها الشرقية ومناطق جنوب الخليل المسماة ( مَسافِر يطا )
الآن وبعد رحيل ( شيخ الأرض المقاوم الصلب القوي والجبل الأشم ) ستفتقد ساحات المقاومة وجبال الخليل عزته وكرامته وكلماته التي من المستحيل نسيانها ولكن العزاء المؤنس في وحشة غيابه انه سقط غدرا ورحل شهيدا فوق تراب وطنه الذي احبه ودافع عنه والذي لم يخذله يوما ما والذي سيحتضنه في هذه الأرض التي سئمت طغيان وقهر الاحتلال وغطرسة مستوطنيه
رحل مقاتل أم الخير شهيدا مرضيا واقفا كحرف الألف الذي ظل طوال حياته عصاً تسند صمود أهالي قريته وهي ذات العصاً التي كانت تلهب جنبات وظهر الاحتلال
وداعاً أيها البطل الذي لفقدك تدمع المقل يا مَن قدمت دمك ونفسك وروحك في سبيل الله ودفاعًا عن وطنك حيث كنت تتمنى الشهادة وتسعى لها بكل ما أوتيت وقد أعطاك الله تعالى مرادك ومبتغاك وسيبقى جل عزاء اهلك وذويك ومحبيك أنك حي ترزق عند رب كريم في مقام امين اللهم تقبل شهداء المسلمين في كل بقاع الارض في المتقين واحشرهم مع النبيين والصديقين والصالحين ولا نقول ختاما الا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين
mahdimubarak@gmail.com