“الفن التشكيلي الأردني”.. مسيرة 100 عام في الريادة والتطور
صدر عن وزارة الثقافة كتاب بعنوان “الفن التشكيلي الأردني-مسيرة مائة عام 100″، وقد قام بتأليفه وتحريره كل من: رئيسة الجمعية الملكية للفنون الجميلة الأميرة وجدان الهاشمي، ومدير عام المتحف د. خالد خريس، وقدم فيه قراءات نقدية الفنان التشكيلي غسان مفاضلة، ويتحدث الكتاب عن زهاء 150 فنانا وفنانة أردنيين.
يتحدث الكتاب عن سنوات التأسيس وعقود النمو والنقد الفني، ودائرة الثقافة والفنون ووزارة الثقافة، ومعاهد وكليات تدريس الفنون، والمؤسسات الفنية، وصالات العرض الخاصة، والمنصات الالكترونية المختصة في تغطية المشهد الفني الأردني والعربي، والفن التشكيلي المعاصر في الأردن- الروافع الثقافية والحضارية، والسيرة الذاتية للفنانين.
ويأتي الكتاب الذي تم بالتعاون مع وزارة الثقافة، ليسلط الضوء على الحركة التشكيلية في الأردن منذ زمن الريادة وما قبلها وما يتبعها من مراحل التطور، الذي طرأ على الفن التشكيلي في الأردن، معرجا على أهم الفنانين الذين تركوا بصماتهم في هذا المجال عبر أجيال عدة، ومعرفا بهم وبفنونهم متناولا أهم الأحداث الفنية، وأهم المؤسسات الفنية والتعليمية المتخصصة بالفن، وصالات العرض الخاصة التي تنامت في الآونة الأخيرة.
الدكتورة وجدان الهاشمي، كتبت مقدمة تاريخية استعرضت فيها تاريخ الحركة الفنية في الأردن، أشارت فيها إلى سكان الأردن الذين ظلوا عبر التاريخ يعيشون وسط سلسلة متعاقبة من الحضارات التي انتشرت في المنطقة المسماة مهد الحضارة، وفي منتصف القرن الخامس عشر، وقع الأردن تحت الحكم العثماني، وتحول إلى منطقة معزولة عن مركز الإمبراطورية العثمانية في إسطنبول، التي استحوذت على جميع الإبداعات الثقافية في ذلك الزمان ولخمسة قرون بعدها دخلت الأردن في سبات حضاري بعيد عن كرسي الحكم، وخارج مراكز الثقافة العثمانية وفنونها.
وتواصل الهاشمي كلامها عن الأردن الذي تأسس في العام 1921، على يد الأمير الشريف عبدالله، حتى أعوام الخمسينيات من القرن العشرين، قائلة: “كان على الأردن أن يتصدى لمشاكل إنشاء بنية تحتية لدولة عصرية، وهو واقع واجهته جميع دول العالم الثالث، إلا أن الأردن كان لديه عائق وهو ندرة موارده الطبيعية”، لافتة الى نكبة فلسطين في العام 1948، ونزوح العديد من فلسطين، حيث واجهت البلد في السنين الثلاثين الأولى من نشأته مصاعب تتعلق ببقائه، ولكن هذا لم يلغ وجود أشكال من التعبير الفني المحلي، فقد تواصل العمل في حياكة البسط والأقمشة والتطريز والنقش بالمينا السوداء على الفضة، وصياغة المجوهرات الذهبية، وصناعة الفخار والرسم على الزجاج والنحت على الخشب والخط العربي، وشكلت هذه الفنون المحلية وسيلة للتعبير الفني لدى الناس وإظهار حبهم للجمال.
وترى الهاشمي أن المتابع لأصول الفن المعاصر في الأردن حسب مفهوم أصول الفن الغربي، يعود إلى حقبتي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، عندما جاء أفراد من الخارج للعيش في عمان؛ أولهم “عمر الأنسي”، وهو من الرسامين اللبنانيين الطليعيين، جاء في العام 1922، وخلال إقامته القصيرة فيها، أنجز رسومات بالألوان المائية عن الصحراء، وعن بلدة الشونة في وادي الأردن، والتي كان الأمير عبدالله حينذاك يقضي فصل الشتاء فيها لدفئها، ولكن للأسف لم تتح الفرصة للفنانين المحليين في ذلك الوقت بأن يتدربوا على يد هذا الرسام المبدع.
أما الثاني فهو “ضياء الدين سليمان”، فنان تركي درس في باريس، وانتقل إلى عمان في العام 1930، وتوفي في السلط في العام 1945، وتضمن أسلوبه سمات انطباعية، وكان كاتبا ينشر مقالاته في الصحف المحلية والدوريات، وهو أول فنان في الأردن يعتاش من رسوماته.
الفنان الثالث هو “جورج اليف”، روسي انتقل بعد الثورة البولشفية الى فلسطين، وبقى فيها حتى العام 1948، وغادر الى عمان مع اللاجئين الفلسطينيين وعمل فيما بعد على تدريس الرسم لعدد من الفنانين الأردنيين في مرسمه، ومن تلاميذه “مهنا الدرة، ورفيق اللحام، ونائلة ديب”، وفي العام 1967، انتقل الى لبنان.
أما الفنان الرابع فكان “جاك جيردلستون”، كان يرسم خلال عمله في “نزل هيلين كيلر” ببلدة بيت حنينا. وكان يبيع أعماله البسيطة إلى السواح والأصدقاء لصالح النزل، وفي العام 1966، جاء الى عمان بصفة ممثل غير رسمي لجمعية “أرض الإنجيل”، وأقام معرضا في المركز الثقافي البريطاني في العام 1974، وهو فنان عصامي، أمضى أوقات فراغه في رسم مشاهد من الأرياف والمدن والآثار متجاهلا قوانين المنظور استخدم عوائد بيع رسوماته في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين على إصلاح منازلهم ودفع أقساط تعليم أبنائهم.
أما الفنان الأخير بين هذه المجموعة من الأوائل، فهو “إحسان ادلبي”، من أصول سورية، وهو عصامي تعلم الفن بنفسه، رسم في البداية مشاهد طبيعية من سورية والأردن، بأسلوب كلاسيكي أكاديمي، وخلال إقامته الطويلة في سورية تعرف على الفنان السوري ميشيل كرشة، وبعد ذلك أصبحت ألوان رسوماته أكثر شفافية واتخذ درجة أكثر انطباعية، وفي العام 1942 نظم أول معرض جماعي في الأردن شارك فيه الفنانان “فاليريا شعبان ورفيق اللحام”، وكان ادلبي يرفض بيع رسوماته وكان يقدمها هدية للأصدقاء.
وخلصت الهاشمي الى أن هؤلاء الفنانين الأوائل كان لهم التأثير الكبير في الحركة الفنية المعاصرة في الأردن وأسهموا بتطوير الفن لدى العديد من معارفهم، وتعريف الجمهور الأردني بالرسم بطريقة استخدام المسند أو قماش الرسم، ومن خلال أعمال الأنسي وسليمان، وجد الأسلوب الانطباعي طريقة الى منازل الأردنيين، فكلا الفنانين كانا قريبين من الأمير عبدالله، وتمتعا بالرعاية الملكية، ودخلت أعمالهما ضمن مقتنيات القصر.
وكتب د. خالد خريس في الكتاب، أنه يأتي بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الدولة الأردنية، ويمثل أجيالا مختلفة في مجالات الفنون التشكيلية والبصرية، حيث بإمكاننا أن نلاحظ مدى التطور الذي طرأ على الفنون التشكيلية والبصرية في الأردن، وانعكاسها على الحياة الثقافية والفنية في المجتمع الأردني.
ويشير خريس الى أن الأردن بعد تأسيس الإمارة في العام 1921، بدأ باستقبال بعض الفنانين الأجانب والعرب من لبنان وتركيا وروسيا وسورية، وفيما بعد من إيطاليا، وكان لهم حضورهم وتأثيرهم المحدود، ويحتفظ المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة ببعض من لوحاتهم الفنية إلى أن جاء دور الرواد الحقيقي، وبتواضع للتأسيس لبدايات الفن التشكيلي الأردني، كل ذلك في أواخر النصف الأول، وبدايات النصف الثاني من القرن العشرين، لتبدأ أجيال من الفنانين الأردنيين في دراسة الفن خارج الأردن، ذاهبين إلى دول أجنبية وعربية كإيطاليا والعراق وسورية ومصر والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا، وتركيا ولبنان ورومانيا وبلغاريا وبريطانيا واسبانيا وكندا وألمانيا والباكستان. ودرست أجيال أخرى في الأردن بمعهد الفنون وجامعة اليرموك، والجامعة الأردنية، والبعض تابع دراسته في دول غربية مثل أوروبا الغربية والشرقية.
ويوضح أنه قام بدراسة الفن في الدول العربية على أيدي فنانات وفنانين نهلوا من مدارس وجامعات غربية وفق الأسس الأكاديمية الغربية، لافتا الى أن هذا يعود إلى اتباع الفنانين الأردنيين مدارس واتجاهات وأساليب وتقنيات غربية، وبعضهم لجأ إلى تقليد فنانين غربيين بعينهم أو فنانين عرب هم بدورهم تأثروا بمثل هذه المدارس والاتجاهات المتبعة في الدول الغربية مثلهم مثل بقية فناني العالم العربي.
ويقول خريس، من خلال اطلاعه على الفن المعاصر، ودراسته وبحثه فيه “إنه ليس إلا انعكاسا لما هو في الغرب، وإن جاءت فروقات هنا وهناك، فلا تتعدى كونها شكلية باستثناء بعض التباين في التأثر من منطقة إلى أخرى وفي بعض المضامين، ويكاد يكون استلهام التراث وبالذات الخط العربي هو الجامع بين مختلف الأقطار العربية، وجاء شكليا سطحيا أحيانا، وفي أحيان نادرة جدا معتمدا على البحث العميق”.
ويرى خريس أن الفن التشكيلي في الأردن ينفرد بخصوصية لا يكاد يشارك فيها أي فن عربي آخر، ألا وهي تمازج واندماج الحركتين الفنيتين التشكيليتين الأردنية والفلسطينية، فبعد حديثنا عن الحركة التشكيلية في الأردن، لا يمكننا تناسي العديد من الفنانين الأردنيين من أصل فلسطيني، نتيجة لهجرة 1948، وحرب 1967، ومشاركة الفنان التشكيلي الفلسطيني مع الفنان الأردني.
كما تحدث خريس عن تطور ملحوظ بدأ مع مرحلة الريادة، وتصاعد عبر تتابع الأجيال وتلاقيها، مشيرا الى جهود الرواد ومن تبعهم في العمل على تنمية التذوق الفني، من خلال المعارض التي أقاموها، ومن خلال مساهماتهم في تدريس الفن في مختلف المدارس والمعاهد، والجامعات الأردنية الرسمية منها والخاصة، والمطلع على مسيرة الفن التشكيلي الأردني يجد توسعا في إقامة صالات العرض الخاصة، فبعد أن كانت هناك صالة أو صالتان، أصبح لدينا الآن العديد منها، وهو دليل على أن هناك عرضا وطلبا على الفن، إضافة إلى أن عمان أصبحت عاصمة تستقطب العديد من الفنانين العرب والأجانب على السواء لعرض أعمالهم فيها، إلا أن الفن التشكيلي الأردني يعاني غياب النقد الموضوعي الجاد، وهو مهم لتقييم تجربة الفنان بشكل خاص والفن ومسيرته بشكل عام.
وينوه الى أن الفن التشكيلي في الأردن شهد تطورا كبيرا مع بدايات القرن الحادي والعشرين في مختلف مجالاته، وتم تأسيس كلية الفنون والتصميم في الجامعة الأردنية، وافتتحت العديد من الجامعات الخاصة تخصصات في الفن والعمارة والتصميم، فكان لذلك أثر كبير في ازدياد أعداد دارسي الفنون، ومع تخرج العديد منهم، أصبح هنالك ازدياد في صالات العرض الفنية.
وخلص الى أنه في الآونة الأخيرة، برزت أجيال فنية ناشئة درست الفن داخل الأردن وخارجه، وتناولت وسائل جديدة في التعبير تنتمي إلى مرحلة ما بعد الحداثة، مثل التصوير الفوتوغرافي والرقمي، وفن الفيديو والإنشاءات الفراغية وفنون الأداء، إلى آخره من وسائل التعبير المتطورة، التي تنحاز إلى الفن المفاهيمي، مثال المهرجان الذي أقامه المتحف الوطني وشارك فيه هؤلاء الفنانون بعنوان “في الهامش”، ومهرجان “فن المكان العامة: داخل وخارج”، والمعرض الذي أقامه المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة في اسبانيا في كل من مدريد وقرطبة وسبته بعنوان “بلا حدود”.
الغد/ عزيزة علي
التعليقات مغلقة.