فوبيا الحجاب في المدارس الهندية استهداف مبيت
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
شاع في السنوات الأخيرة مصطلح ( فوبيا الحجاب ) هو مصطلح يشير إلى التمييز ضد المرأة التي ترتدي الحجاب الإسلامي من النقاب أو البرقع أو الشادور وهو نوع من اعمال التخويف ضد الإسلام أو العداء تجاه الحجاب وان رهاب الحجاب أصبح ظاهرة وطنية فرنسية بعد قضية الحجاب المعروفة عام 1989
الاعتداءات المتكررة على المسلمين من قبل الجماعات الهندوسية القومية باتت شائعة في الهند دون أن تلقى سوى النذر اليسير من الاهتمام من أجهزة الشرطة والإدانة الخجولة من قبل الحكومة الهندية وقد ظهرت العديد من مقاطع الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي توثق ممارسة التنمر والعنف الوحشي بالضرب والسحل والتحقير والشتم
من قبل افراد وجماعات يمينية هندوسية بحق المسلمين أطفال وفتيات وشباب وشيوخ ونساء فضلا عن سعيهم المتواصل لتعطيل إقامة صلواتهم في الأماكن العامة بسبب قلة المساجد في العاصمة دلهي وباقي المدن الهندية الاخرى وهم يصرخون في وجوههم ( هندوستان زيند آباد) وتعني ( تحيا الهند ) و ( جاي شري رام ) التي تعني ( النصر للإله رام ) وهي عبارات شعبية تقليدية تحولت إلى هتافات تحريضية للقتل والترويع من قبل الحشود الهندوسية في السنوات الأخيرة
المسلمون في الهند يبلغ تعدادهم نحو 200 مليون نسمة لكنهم محاصرون في هوية إسلامية انعزالية ومحرومون من هوية وطنية ومجتمعية مشتركة بل وممنعون من الحياة الكريمة وتلقي التعليم المناسب
القوميون الهندوس اعتادوا منذ سنوات الاساءات للمسلمين في السابق واللاحق من خلال إطلاق حركات ضدهم على غرار ( جهاد الحب ) وهو نظرية مؤامرة يروج لها اليمينيون تتهم الرجال المسلمين باستقطاب النساء الهندوسيات إلى الإسلام عبر الزواج واجبارهن على التحول المزعوم إلى الإسلام إضافة الى التعمد بذبح الابقار المقدسة عندهم وقد وفر حزب بهاراتيا جاناتا الذي يحكم الهند منذ 2014 الحماية الكاملة للمتطرفين من العصابات الأهلية الهندوسية التي تهدف رؤيتهم الأخلاقية والاجتماعية إلى فرض ممارسات ثقافية واجتماعية خاصة بهم بدلاً من القوانين والأنظمة المعمول بها
غالبا ما يتعرض مسلمو الطبقة العاملة في الهند للضرب والتهديد والمضايقة مع الإفلات من العقاب وقد عرضت مؤخرا صور لمئات من النساء المسلمات البارزات على مواقع التواصل الاجتماعي على أنهن معروضات للبيع وذلك بهدف إذلالهن وتحطيمهن وترهيبهن من خلال حملات منظمة للتشهير بهن
في ديسمبر عام 2021 عقد القوميون الهندوس وكثير منهم على صلة بحزب بهاراتيا جاناتا مؤتمرا دينيا لمدة ثلاثة أيام في أوتار براديش دعا فيه المتحدثون علانية إلى قتل المسلمين وفي ولاية هاريانا دعم رئيس وزراء حزب بهاراتيا جاناتا الحراس الهندوس الذين طالبوا بوقف صلاة المسلمين في الأماكن العامة ولو بالقوة
خلال الأسابيع القليلة الماضية انتقلت ساحة المعركة والمواجهات العنصرية والممارسات الطائفية للجماعات المتطرفة الهندوسية اتجاه المسلمين من الشوارع والأسواق وأماكن السكن والعمل الى أروقة المدارس والغرف الصفية في العديد من الولايات الهندية والتي كان اخرها ما حدث مطلع الشهر الجاري في ولاية كارناتاكا الواقعة في جنوب الهند
المشكلة بدأت تلفت الانتباه عندما قررت 6 تلميذات في مدرسة ثانوية حكومية في مقاطعة أودوبي الاحتجاج على قرار الإدارة منعهن من ارتداء الحجاب داخل الفصول الدراسية والسماح للطالبات بارتدائه في باحة المدرسة المنطقة تعد معقلا لحزب بهارتيا جاناتا اليميني الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي وعادة ما يصف المراقبون المنطقة بأنها مختبر للسياسات الجماعية الهندوسية
في تصريحات مقتضبة لبعض وسائل الاعلام قالت الطالبات انهن يلتزمن بالزي المدرسي الموحد وان لديهن بضعة مدرسين من الرجال وهذا يفرض عليهن تغطية رؤوسهن ولهذا السبب يرتدين الحجاب وقد رفضن المزاعم الحكومية التي أشارت إلى أنهن يتصرفن بإيعاز من جبهة طلاب الهند وهي الذراع الطلابي لجماعة إسلامية متشددة هي ( جبهة الهند الشعبية ) التي أعربت عن تأييدها لقضية الطالبات
منذ ذلك الحين تفاقمت الأزمة مع بدء مدارس أخرى بفرض إجراءات مماثلة ثم اتخذت المسألة بعدا طائفيا مع خروج جماعات مؤيدة للقوميين الهندوس في مظاهرات مؤيدة لقرارات منع الحجاب وتحول الاحتجاجات إلى أعمال عنف في بعض الأماكن مما دفع بالحكومة الى أغلاق المدارس الثانوية والكليات المتوسطة والجامعية التي شهدت حالة من الاستقطاب بسبب الجدل حول ارتداء الحجاب
عقب أعمال العنف الشديدة والمظاهرات الحاشدة على خلفية منع الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في الفصول بدأ الطلاب الهندوس بدخول المدارس والجامعات وهم يرتدون الأوشحة الحمراء المائلة إلى البرتقالي وهو اللون الذي يعتبر رمزا يرتبط بالديانة الهندوسية والجماعات القومية العنصرية الهندوسية احتجاجا على ارتداء الطالبات المسلمات للحجاب
بعد فشل المفاوضات بين أولياء أمور الطالبات والإدارات المدرسية وصل الأمر إلى المحكمة العليا في الولاية بدعوى رفعها أولياء الأمور للفصل في القضية سيما وأن دستور البلاد يمنحهم الحق في ارتداء ما يشاءون وان ملايين النساء المسلمات اعتدن ارتداء الحجاب والنقاب في الهند وهو أمر شائع ويعتبر من الرموز الدينية العلنية لكن هذا الخيار تحول في الآونة الاخيرة إلى أمر مثير للجدل ومحل خلاف
منع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس كان أمر مروع وقد أدى إلى زيادة حالة الخوف والحنق بين الأقلية المسلمة خاصة بعدما انتشرت مقاطع مصورة تظهر فتاة مسلمة تتعرض للمضايقة من قبل مجموعة من الشبان الذين كانوا يهتفون ببعض الشعارات كما شوهدت في الفيديو مناقشات حامية بين طالبات يرتدين الحجاب وطلبة هندوس يرتدون الشال البرتقالي وهم يخرجون في مظاهرات مناهضة للطالبات المحجبات
في منطقة مانديا التابعة لولاية كارناتاكا انتشر مقطع مصور كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيه الطالبة مسكان خان 19 سنة ابنة تاجر محلي وهي ترتدي عباءة سوداء وحجابا أسود إضافة إلى قناع للوجه ويتعقبها حشد من الشباب الذين يرتدون الشال البرتقالي وبينما أخذ الحشد يردد هتاف جاي شري رام ( المجد للإله رام ) صاحت الشابة بتحد في وجه الشبان الذي استمروا بمضايقتها الله أكبر كل ما أريده هو الدفاع عن حقوقي وعن تعليمي وسأتمسك بحجابي وذلك قبل أن تهرع إدارة المدرسة لاصطحابها إلى الداخل لحمايتها
وقد اشارت مسكان التي تحولت إلى رمز للمقاومة بين الشابات الهنديات المسلمات اللواتي يكافحن ضد قرارات منع الحجاب أن زملاءها يستطيعون ارتداء الأوشحة الحمراء المائلة إلى البرتقالي والعمائم عندما يأتون إلى الفصل الدراسي وهي أيضا لها الحق في ارتداء الحجاب وقالت أن الموقف الذي تعرضت له جاء بتخطيط من قبل اشخاص غرباء كانوا نحو 30 ألي 40 شاب قاموا باعتراض طريقها لمنعها من دخول الحرم المدرسي وهددوها وطلبوا منها خلع الحجاب إذا أردت الدخول إلى المدرسة لكنها أصرت على المواجهة وقالت هم ليسوا طلابا في مدرستها أو زملاء لها في الفصل
العديد من المعلمين في المدارس والأساتذة في الجامعات طالبوا الطلبة المسلمين بالتخلي عن تحية بعضهم بالسلام ( تحية الإسلام ) وبالامتناع عن التحدث باللغة الأوردية ( لغة المسلمين الهنود ) وهو ما اصبح يثير الخوف لديهم من مخطط مبيت للشروع بمذابح جديدة قد تحدث بحقهم خاصة بعد استهداف هويتهم الدينية
تصاعد الهجمات وخطاب الكراهية في السنوات الأخيرة من قبل أعضاء الأغلبية الهندوسية ضد التجمعات غير الهندوسية ليس بالشيء الجديد حيث يتم توصيف وتأطير المسلمين على أنهم تهديد ديمغرافي وسياسي للقومية الهندوسية في ظل ( دولة هندوسية متعصبة دينيا ) ولهذا يتعرض المسلمون في الهند للتهديد بالمجازر والهجمات الغوغائية والضرب المبرح والحرق وهم أحياء وتخريب مساجدهم لإجبارهم على ترديد شعارات دينية هندوسية وقومية متعصبة
حظر الحجاب ينتهك التزامات الهند بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يضمن الحق في التعبير بحرية عن المعتقدات الدينية للفرد وحرية التعبير والتعليم دون تمييز وهو أحدث مثال على سعي السلطات الهندية بشكل مستمر لتهميش المسلمين وتعريضهم لأعمال عنف متزايدة
بعض المراقبين الهنود أكدوا ان كل ما حصل هو بالأساس لعبة سياسية مدبرة لدواعي انتخابية حيث ان انتخابات مجلس الولاية من المقرر أن تجرى العام القادم وهي ايضا محاولة استعراض عنصرية من قبل الجناح السياسي لجبهة الهند الشعبية الرامية إلى تحقيق بعض المكاسب في المنطقة
قرار المحكمة الهندية العليا طعن في قانونية مرسوم زي المؤسسات التعليمية الذي أصدرته حكومة الولاية مؤخرا والذي يحظر الحجاب وأغطية الرأس على الطلاب والطالبات
المحامي الذي تقدم بالالتماسين دفع بأن المرسوم الذي يحظر الحجاب غير دستوري ومخالف للقانون وبناء على ذلك طالب المحكمة المختصة إصدار قرار مؤقت يسمح لجميع الطالبات بالعودة إلى الفصول قبل الامتحانات لإن بقائهن خارج الفصول ليس بالموقف الصحي او الصحيح
الغريب في الامر ان صمت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الغربية والناشطات النسويات اللواتي يعجبن بـالناشطة ( مالالا يوسفزاي ) الناشطة الباكستانية في مجال تعليم الاناث وأصغر حاصلة على جائزة نوبل عما يجري يوحي بأن قلقهم لا يمتد إلى المستقبل التعليمي للمرأة الهندية المسلمة وأن العون والمساندة للمسلمات يقدم فقط عندما يكون الرجال المسلمون هم الظالمون او عندما تنفصل النساء المسلمات عن شعائرهن ومجتمعاتهن الإسلامية ويلذن للاحتماء بالغرب
اللافت ان كل هذا يأتي من حكومة هندية تدعي إنها تدعم تعليم الفتيات ومشاركتهن في الحياة العامة ولكنها في الواقع تعمل عكس ذلك وتتصرف بعدم مسؤولية في حماية حق الفتيات في التعليم وارتداء الحجاب دون تعرضهن للترهيب والإساءة باعتبار ان الحقوق والحريات كل لا يتجزأ ومن العار الكبير ان يجري ذلك بصورة فاضحة داخل المؤسسات التعليمية الهندية الرسمية تحت سمع وبصر ودعم كافة أجهزة الدولة
mahdimubarak@gmail.com