أُمنِيَتي سَاعَة لَكِن بِتَوقِيتي/هِبَة أَحْمَد الْحَجَّاج

فِي يَوْمِ مَا مِنْ أَيَّامِ الْمَطَر الْجَمِيل ، اسْتَيْقَظَت عَلَى قَطَرَات الْمَطَرِ عَلَى النَّافِذَة ، كَانَت صَوْتَهَا ” تَك تَك ” كَانَت تَطَرَّق عَلَى نَافِذَتِي وَكَأَنَّهَاتُوقِظَنِي و تَقُولَ لِي ” اسْتَيْقَظ ، الْيَوْمَ قَدْ بَدَا . . حَان الْآن وَقْتُ أَذانِ الفجر” . و بِالْفِعْلِ مَا إنْ وَقَفَتْ عَلَى نَافِذَتِي أتأمل خَيْرٌ اللَّهِ الْعَظِيمِ ، مِنْتَسَاقُطِ الْأَمْطَارِ وَ صَوْتُ الرَّعْدِ الْمُخِيف وَإِذ أَسْمَعُ صَوْتَ أَذَانِ الْفَجْرِ .فَسَارَعَتْ إلَى الْوُضُوءِ حَتَّى أُلَبِّي نِدَاء اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَبَدًا يُومِئ بِالتَّقَرُّب مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ و أَشْكُر رَبِّي عَلَى نِعَمِهِ الْغَيْث ، و أردد أَهَمّ الْأَدْعِيَةالَّتِى رددها الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ ، و لَعَلّ أَشْهَرُهَا “اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ، اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا ، اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلَنَا بغضبك ، وَلَا تُهْلِكُنَا بِعَذَابِك ، و عافناقَبْلَ ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُك خَيْرَهَا و خَيْرُ مَا فِيهَا ، و خَيْرُ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ ، ‏وأعوذ‎ ‎بك مِنْ شَرِّهَا ، وَشَرِّ مَا فِيهَا ، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ به” .و مَا إنْ انْتَهَيْت مِنْ الدُّعَاءِ ؛ لُفَّت نَظَرِيٌّ أَن سَاعَةِ الحَائِطِ يُشِير الْوَقْتُ فِيهَا إلَى الثَّانِيَةِ و الرُّبْعَ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ . قُلْت فِي نَفْسِي : أَنَّالسَّاعَةَ قَدْ تَعَطَّلَت و وَجَب تصليحها .مارست أَعْمَالِي اليَوْمِيَّة الْمُعْتَادَة ، أَعْدَدْت فِنْجان قهوتي الصُّبَاحِيّ و جَلَسَتْ عَلَى شَرَفِهِ الْمَنْزِل ، و شَاهَدْت الْآخَرِين ، هُنَاكَ مَنْ يَرْكُض بِسُرْعَةالبَرْق لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَأَخَّر عَلَى عَمَلِهِ أَوْ كِلْيَتُه أَوْ حَتَّى مَدْرَسَتِه ، وَهُنَاكَ مَنْ يَمْشِي بِتَمَهُّل و عَلَى رَأَيْنَا بالعامية ” عَلَى رَاحَةٌ راحته” .وَهُنَاكَ مَنْ يَنْتَظِرُ ، وَهُنَاكَ مَنْ يَجْلِسُ و يُتَأَمَّل كحالتي ، وَهُنَاكَ مَنْ يُزَاحِم حَتَّى يَجْلِسَ فِي الباص ، وَهُنَاك من يُوقَف التَّكَسِّي ، وَهُنَاكَ مَنْ يَرْكَبُسَيَّارَتِه الْمُسْتَقِلَّة ، وَهُنَاك الشَّابّ و الطَّاعِن فِي السِّنِّ وَهُنَاك الطِّفْل وَهُنَاك الْمَرْأَة .مُجْتَمَع بِأَكْمَلِه تَنْظُر لَهُ عَنْ بُعْدٍ وَكَأَنَّك تَنْظُرُ إلَى الْعَالِمِ مِنْ فَوْقِ الغُيُوم .أقفلت بِأَحْكَام بَاب شرفتي حَتَّى لَا يَدْخُلُ الْمَطَرِ وَ يبللها أَوْ حَتَّى لَا يَتَسَرَّب الْهَوَاء مِنْهَا وَ أتجمد مِنْ الْبُرُودَةِ ، و نَظَرْت إلَى التَّلْفاز ، رَأَيْت أيضاًأَن البَرْنامَج الَّذِي رَأَيْته قَبْلَ سَاعَة قَدْ انْتَهَى وَ قَامُوا بِعَرْض بَرْنَامَج آخَر مُخْتَلِفًا كُلِّيًّا عَن البَرْنامَج السَّابِق ، و هَا هُوَ أَذَانُ الظُّهْرِ . يَأْذَن و يُعْلِندُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ الظُّهْرِ وَوَقْتُ الظُّهْرِ أيضاً ، وَالسَّاعَة المتعطلة مَا زَالَتْ عَلَى حَالِهَا ، مَا زَالَتْ تُشِيرُ إلَى السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ و الرُّبْعَ بَعْدَ مُنْتَصَفِاللَّيْلِ ، نَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقُلْت : – حِين تَتَعَطَّل السَّاعَةِ لَا يَتَوَقَّفُ الْوَقْتِ فَقَطْ تَجْهَلُه أَنْت .فَالسَّاعَة تَعَطَّلَت و تُشِيرُ إلَى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ ، و الْوَقْتِ الَّذِي تُشِير إلَيْه السَّاعَة و تَعَلَّمْنَا بِهِ لَمْ يَتَعَطَّلْ بِالْعَكْس ، كَانَ يَقْطَعُ و يَقْطَع بِشَكْل سَرِيعجِدًّا ، فَالْوَقْت كَالسَّيْفِ إنْ لَمْ تَقْطَعْهُ قَطَعَك .نَظَرْت إلَى السَّاعَةِ المتعطلة وَقُلْت فِي نَفْسِي : – يَا سَاعَتِي الْجَمِيلَة أَنْت تعطلتي وَلَوْ صَدَقْت توقيتك ، لَتَعَطَّلَت حَيَاتِي مَعَك أيضاً . لَا عليكِسَأقوم بإصلاحك بَعْدَ أَنْ أُؤَدِّيَ فَرِيضَة الظُّهْر ، و سأجعلك تسيرين مَعَ الْوَقْتِ تَمَامًا .و مَا إنْ انْتَهَيْت مِنْ فَرِيضَةٍ الظُّهْر ، ذَهَبَت بِالسَّاعَة المتعطلة إلَى الْمُصْلِح حَتَّى يَقُومَ بتصليحها ، و تُصْبِح تعلمني الْوَقْتِ الْحَقِيقِيِّ الصَّحِيح ،لِأَنَّهَا بَعْدَ أَنْ تَعَطَّلَت هَذِهِ السَّاعَةَ ، قُدِّمَت لِي دَرْسًا إلَّا وَهُوَ ” إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِنْسَان السَّيْر مَعَ الزَّمَنِ ، فَالزَّمَان قَادِرٌ عَلَى أَنَّ يَسِيرَ دونه” .و مَا إنْ وَصَلَتْ إلَى الْمُصْلِح وشرحت لَه الْمُشْكِلَة فِي هَذِهِ السَّاعَةَ ، بَاشَر عَلَى الْفَوْرِ فِي تصليحها . و بَيْنَمَا هُوَ يُقَوِّمُ بالتصليحات نَظَرْت إلَىتِلْكَ السَّاعَاتِ الْمُعَطِّلَة و الَّتِي تَعُودُ إلَى كُلِّ شَخْصٍ يمتلكها وَقُلْت ” يَا لَيْتَنَا نمتلك سَاعَة الْوَقْتِ الْحَقِيقِيِّ نُوقِف الزَّمَن مَتَى نُرِيد و نَجْعَل الْوَقْتيَسِير مَتَى نُرِيد ، بِحَيْثُ لَا يَمْضِيَ عُمْرِنَا هَدَرٌ ” .مَثَلًا عِنْدَمَا نَدْخُل الْجَامِعَةُ فِي مَرْحَلَةٍ البكالوريوس أَو الماجستير أَوْ حَتَّى الدُّكْتوراه ، نَقُوم بِتَسْيِير الْوَقْتِ حَتَّى نتخطى هَذِه المراحل سَرِيعًا . . و عِنْدَمَا لَا نحصل عَلَى وَظِيفَةِ أَوْ نُرِيدُ أَنْ نَتَّخِذَ قَرَار مصيريا نُوقِف الْوَقْت ، و عِنْدَمَا نحصل عَلَى مَا نُرِيدُ أَو نَتَّخِذ الْقَرَار نَجْعَل الْوَقْت يسيير… ياااااه يالَها مِنْ أُمْنِيَةٌ جِدًّا جَمِيلَة .و بَيْنَمَا أَنَا مُنْغَمِسٌ فِي تخيلاتي الْجَمِيلَة سَمِعْتُ صَوْتَ يَقُولُ لِي ” ساعتك جَاهِزَةٌ . . قُمْت بتصليحها” .قُلْت لَهُ ” مَا شَاءَ اللَّهُ ، كُنْت سَرِيعًا ، فِي إِنْجَازِ عملك” .فَقَال : أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ ذَهَبٍ وَ وَقْتِك لَا يَقُلْ شَأْنًا عَنْ وَقْتِ الْآخَرِين .و مَا إنْ أَصْلَحْت السَّاعَة و ذَهَبَت ، اشْتَدّ الْمَطَرِ وَ أَصْبَحْت أركض مُهَرْوِلَا إلَى سيارتي ، و الْحَمْدُ اللَّه إنَّنِي صَعِدَت قَبْلَ أَنْ أتبلل . فَبَيْنَمَا كُنْتأَسِيرُ بِحَذَر و انْتِبَاه فِي ظِلِّ هَذَا الجَوّ الممطر و الْعَاصِف ، كَانَت السَّيَّارَات الْأُخْرَى تصطف إلَى جَانِبِ بَعْضِهَا الْبَعْضِ و تَسِير بِكُلّ حَذَّروَانْتِبَاه خوفاً مِنْ الْحَوَادِثِ . . لَفَّت نَظَرِيٌّ سَيّارَة تَعْلُو مِنْهَا أصْوَاتٌ ، عَلَى مَا أعْتَقَدَ كَانَت الْأَصْوَات ضحكات الْفَرَح و الْمِزَاح ، كانت تتَطْغَىعَلَى مَلَل الِازْدِحَام و السَّيْر ، أَمَّا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ كَانَتْ هُنَالِك عَائِلَة فَرِحِة بتساقط الْمَطَر . مِنْهُمْ مَنْ يُمْسِك هاتفه و يُصَوِّر تَسَاقَطَ الْمَطَرُ،وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَلِذّ بِشُرْب النسكافية فِي هَذِهِ الأجْوَاء و الْآخَرِين يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ السَّيَّارَة حَتَّى يَلْعَبُوا تَحْتَ الْمطَرِ ؛ وَلَكِن أَمَّهُم مَنَعَتْهُمخَوْفًا مِنْ الْمَرَضِ .

فقُلْت فِي نَفْسِي وانا اشاهدهم : –

بَعْضُ الْوَقْتِ لأصدقائك ، وَبَعْض الْوَقْت لِأَهْلِك ، وَبَعْض الهُدوء لِنَفْسِك ، و بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَخَفْ عَلَى مستقبلك .

و مَا إنْ وَصَلَتْ إلَى الْمَنْزِلِ ، قُمْت بِإِعَادَة السَّاعَةُ إلَى مَكَانِهَا .وقلت :-قَدْ يَكُونُ إدْرَاك عَدَم أَهَمِّيَّة الْوَقْتِ هُوَ بَوَّابَة الْحِكْمَة . يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نستخدم الْوَقْت بِحُكْمِه و أَنْ نُدْرِكَ دَائِمًا إنْ الْوَقْتَ قَدْ حَانَ لِفِعْلِ مَا هُوَ حَقٌّ.

فَهُنَاك زُهُور لِكُلِّ وَقْتٍ وَلَيْسَ الرَّبِيع فَقَط .

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة