فريق «مسارات» يستكشف كهوف الأردن المرتبطة بقصص دينية وتاريخية
موقع فريد لا يبعد كثيراً عن عمّان، له حكاية وتاريخ وقصص كثيرة بالموروث الشعبي لكهف حصين ببطن الجبل، الذي اجتمع في تكوينه معول الإنسان وذكاء الطبيعة.
بدأ المسار من غربي بلدة ماحص عند انتهاء الطريق المعبد بعد الكروم والمزارع المشرفة على السلط والفحيص وشعاب كثيرة، اتخذ من كهوفها رعاة الماشية مكامن وملاذا لهم، ومن بئر مفضي المهجور المنقوب بالصخر كانت بداية مسارنا نحو الغرب بوادي عمر الأبيض المعالم.
طريقنا دكته أقدام الرعاة بدرب ترابيّ، واضح المعالم وسهل المسير، بين تلال صخرية لا أشجار فيها وما بينها نباتات الربيع، أخذنا الطريق ونحن بشوق لغايتنا التي حدثنا عنها مضيفنا من بني عباد ذو التاريخ المتجذر بالمكان، مروراً بسلسلة من الكهوف بين منحنيات الجبال إلى أن وصلنا لمقصدنا المستتر عن الأعين ولا يعرف زاويته إلا القليل لغياب البحث والإعلام ودافع المعرفة والاستكشاف.
درب وحيد يصلنا إلى منفذ الكهوف المعلقة ببطن الجبل كالحصن المنيع، والذي يتطلب الوصول إليه الحذر والاعتماد على عصي الارتكاز لضمان التوازن وحذاء بفرزات عريضة خشية من الانزلاق مع أن طريقه آمن بلا عوائق، وكلما ارتفعت أكثر تشعر برهبة المكان ومناعته وخصوصية الخلوة الذي قصدها سكانه الاوائل.
عبقرية الطبيعة
فكان للطبيعة الدور الأساسي بتشكيله من ثلاث طبقات بمساحات مختلفة أوسعها الأوسط فتكونه الأول نتيجة ذوبان صخوره الجيرية قبل أن يهتدي إلى موقعه ساكنوه الذين لعبت معاولهم فيه ليكون بمثابة مأوى متكامل من غرف ومخازن ونظام حصاد مائي متسلسل القنوات، والمصافي وبئر تخزيني قصرت جدرانه بملاط، ومن نظام القطع والقص للمداخل والأبواب الضيقة واستحكامات إغلاقها ونوافذ، وتوسعة بمساحة إجمالية تتجاوز الثلاث مائة متر مربع، نعتقد أنه استخدم أبان الفترة البيزنطية المبكرة للفاريين بدينهم المسيحي خشية البطش والتنكيل، بعمارة بلا زخارف باستثناء مجموعتين من الجرون المشابهة للعبة المنقلة، وبشكله العام مما شاهدنا يبين أنه صمم ليكون لفترة بقاء طويلة وهذا ما يقصده المؤمنون بخلوتهم بغية التأمل والاعتزال في حين أنه ليس ببعيد عنه كهف المعمودية بوادي السير.
وتطل منافذ الكهوف شاهقة الارتفاع بمشهد حابس للانفاس على سلسلة من الأودية من شعيب وارتيمة وحوارى، ومن غير المستبعد أنه استمر مكاناً للعزلة لوقت قريب لخصوصيته والمؤكد من طبيعة آثار دخان النار، وحسب الرواية الشعبية تقول إنه استخدم سجنا من قبل الجيش التركي والألماني أبان الحرب العالمية ولا شيء يؤكد ذلك أو يوثقه، ومع برودة الطقس الآن، إلا أن حرارته معتدلة وهذا ما يميز الكهوف بمعظم أوقات العام، بالإضافة إلى جمعه المتفرد ما بين الجيولوجيا والتاريخ، الذي هو بحاجة للبحث والتنقيب من أهل الاختصاص.
كهوف وحكايا
وفي المملكة العديد من الكهوف ذات العلاقة الدينية من كهف الرقيم في عمان والنبي لوط بدير عباطة بالغور الصافي وقربه أقيم اخفض متحف في العالم، وكهف نبي الله عيسى ابن مريم قرب «جادرا» أم قيس والذي يعتقد أنه لجأ إليه السيد المسيح بعد معجزة إخراج الأرواح الشريرة، وكهف صير ببيت إيدس حين آوى إليه بعد معجزة إكثار الخبز وكهف العاصي، قرب اليادودة وهو جزء من كنيسة بيزنطية وغيرها الكثير.
ومن هناك عدنا لنقطة البداية من الدرب نفسه بمسير استجمامي سهل الصعوبة، وقد أتممنا سبعة كيلو مترات، ومنه إلى إحدى الاستراحات المحلية القريبة لتناول غذائنا ونحظى بغروب بين جبال البلقاء، كما يمكن أن يرسم المسار بنقطة انتهاء تصل لوادي شعيب.
بد الرحيم العرجان/ الدستور
التعليقات مغلقة.