عشرات الآلاف يدخلون من الضفة عبر ثغرات الجدار
السهولة التي يدخل فيها فلسطينيون من دون تصاريح من الضفة الى إسرائيل من خلال ثغرات في جدار الفصل تحولت الى موضوع نقاش ثابت بعد العمليات. عندما أدركوا في جهاز الأمن ووسائل الإعلام أن منفذ العملية جاء من أراضي السلطة الفلسطينية، تم إرسال جنود الى هذه الثغرات المعروفة بمرافقة مراسلين ومصورين لتوثيق دخول الفلسطينيين “من دون إزعاج”. نحو 40-50 ألف فلسطيني لا يحملون تصاريح يدخلون الى إسرائيل بهذه الصورة كل يوم لغرض العمل.
ولكن حسب أقوال مصادر أمنية مطلعة على هذا الموضوع، فإنه رغم أن هذه الظاهرة تعرض كإخفاق فإن الأمر يتعلق بمسألة مأخوذة في الحسبان من قبل جهاز الأمن والمستوى السياسي من خلال إدارة مخاطر والأخذ في الحسبان الاعتبارات المالية وتخصيص موارد بشرية، الى جانب الإدراك أن الأمر يتعلق بوسيلة تفيد اقتصاديا السلطة الفلسطينية وإسرائيل وتحافظ على استقرار أمني. وحسب قولهم، فإن منع دخول الفلسطينيين الذين يريدون العمل في إسرائيل يمكن أن يخلق غليانا في الجانب الآخر.
“منذ مرحلة مبكرة بعد إقامة الجدار توصلوا في الجيش وفي الشباك الى الإدراك بأنه لا يمكن السيطرة على كل ثغرة في الجدار وملاحقة كل فلسطيني”، قال مصدر أمني للصحيفة، الذي كان حتى فترة متأخرة شريكا في اتخاذ القرارات في النقاشات الأمنية في موضوع الجدار والفلسطينيين الذين ليست لديهم تصاريح “حينها قالوا: إذا لم نكن قادرين على السيطرة على الوضع فنحن سنديره بصورة مراقبة”.
أول من أمس، زار رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، فرقة منطقة الضفة الغربية وتطرق للوضع الأمني، وقال: “الأسابيع الأخيرة التي نواجه فيها عمليات قاسية هي دعوة لاستيقاظنا جميعا”، صرح بينيت في نهاية الزيارة، وأضاف “نحن نصمم على عدم ترك هذه الموجة (من المقاومة) بأن تمر دون إصلاح، بل يجب إصلاح كل ما يحتاج الى إصلاح بكل القوة”. ولكنه لم يذكر في أقواله الثغرات في الجدار وإذا كانت الحكومة تنوي إصلاحها.
أيضا رئيس الأركان، افيف كوخافي، تجول مؤخرا في الفرقة واختار التطرق للوضع الأمني، قرب الثغرة التي دخل عبرها في الأسبوع الماضي الفلسطيني الذي نفذ العملية في بني براك. “في هذه الأيام نحن نركز جهودا أكبر”، قال كوخافي. “سنواصل العمل بكل الطرق من أجل وقف العمليات. هذه هي مهمتنا”. أيضا في تصريح كوخافي لم يتم ذكر الجدار ومعبر الفلسطينيين الذين ليست لديهم تصاريح.
حسب أقوال جهات أمنية تحدثت مع الصحيفة، فإن حقيقة أنهم في المستوى السياسي والأمني لا يتعهدون بإغلاق عبور الفلسطينيين بصورة شاملة ترتبط بأسباب عدة. وحسب قولهم، خلافا لتصريحات شخصيات رفيعة في جهاز الأمن والمستوى السياسي بعد العملية فإن موقف جهاز الأمن في الغرف المغلقة وفي النقاشات الأمنية هو أنه من غير الصحيح منع دخول عشرات آلاف الفلسطينيين الذين ليست لديهم تصاريح.
“هذا الجدار منذ إقامته لم يستهدف منع عبور من يخططون لتنفيذ عمليات في إسرائيل. من يريد الدخول سينجح”، قال مصدر أمني مشارك في عملية اتخاذ القرارات في كل ما يتعلق بتفعيل القوات على طول جدار الفصل. وقال هذا المصدر “العثور على منفذي العمليات يتم عن طريق معلومات الشاباك على أمل أن اعتقالهم سيتم قبل وصولهم الى الجدار”.
حسب أقوال جهات أمنية تحدثت مع الصحيفة، فإن الهدف الأساسي لإقامة الجدار في الانتفاضة الثانية كان خلق واقع يمكن من السيطرة على المنطقة. “لكننا فهمنا بسرعة كبيرة أنه لا يمكن جعل الجدار في وضع لا يمكن اختراقه”، شرح مصدر أمني. وحسب قوله، حتى قبل بضع سنوات فإنهم في جهاز الأمن اهتموا بـ”الركض من ثغرة الى أخرى”، لكن إزاء جدار طوله أكثر من 500 كم فإن الجيش وجد نفسه يواجه قضية سلبت منه موارد على حساب مهمات أخرى. “في كل مرة أغلقنا فيها ثغرة في الجدار، في اليوم التالي كانت هناك ثغرة على بعد 100 أو 200 متر من هناك”، شرح المصدر. “كلما كان هناك تخريب أكثر فإن الجدار يصبح أقل نجاعة”.
إدارة الثغرات
حسب أقوال هذا المصدر، فإن هذا الإدراك جعل جهاز الأمن يقرر بأنه لا يمكن السيطرة بصورة مطلقة على عبور الفلسطينيين، وأنه من ناحية الميزانيات المطلوبة لتحسين الجدار والقوات التي سيضطر الجيش وحرس الحدود لتوجيهها لهذه المهمة فسيكون من الصحيح التوصل الى وضع فيه جهاز الأمن “يدير الموضوع”. “المعنى هو إيجاد سيطرة على النقاط التي توجد فيها ثغرات”، قال المصدر، “أي أنه حتى لو لم يكن بالضبط، كم من الفلسطينيين يمرون، أين، كم عدد العائدين، هذا يعني أنك تبقي بوابات زراعية مفتوحة، من حولنا لا توجد جدران ويمكن الخروج بسهولة. ولكن في المقابل أنت تقرر أي ثغرات يمكن استيعابها”.
حسب أقوال هذا المصدر، الحديث لا يدور عن موقف رسمي يمكن قوله علنا من قبل المستوى الأمني الرفيع أو السياسي، لكن في نقاشات مغلقة، التي يكون مطلوبا من هذه المصادر طرح موقفها موضوع الثغرات يعرض بطريقة مختلفة. “في الجيش والشاباك يعرفون المناطق الإشكالية التي منها لا يسمحون بعبور الفلسطينيين”، قال المصدر. “في السنة الماضية تقرر منع العبور في منطقة بات حيفر (قرب طولكرم) لأسباب مختلفة.
خلافا للرؤية التي تقول إن الثغرات في الجدار غير مسيطر عليها فإن مصادر في جهاز الأمن تقول إنه من الجانب الثاني للجدار موضوع الثغرات منظم أكثر مما اعتيد التفكير فيه. كل يوم يخرج عشرات آلاف الفلسطينيين الى العمل عبر هذه الثغرات بدون تصاريح”، قال مصدر. “الحديث يدور عن مئات الكيلومترات من جدار الفصل. لا توجد ثغرة في كل مكان، وحتى الآن كل عشرات آلاف العمال هؤلاء يعرفون كيفية الوصول الى المعبر الذي هم بحاجة اليه. هم يأتون في رحلات منظمة من الضفة، وفي الجانب الآخر تنتظرهم سيارات عمومية وحافلات وسيارات خاصة لتنقلهم. حتى عندما يغلقون الثغرات فإنه في اليوم التالي الجميع يعرفون كيف يصلون الى النقطة الجديدة التي فتحت. أنا لا يمكنني القول إنه يوجد مسؤول عن الثغرات، لكن هذا مرتب ومنظم أكثر مما يعتقدون”.
من يتحمل المسؤولية عن منع دخول الفلسطينيين من دون تصاريح الى إسرائيل هو قائد اللواء القطري. “هناك تعليمات من قيادة المنطقة الوسطى بمنع دخول فلسطينيين من دون تصاريح الى إسرائيل”، قال مصدر أمني. “كل قائد لواء يعطي لهذا الطلب تفسيرا مختلفا. قائد اللواء يمكنه اتخاذ قرار، الذي ستأخذ منه النشاطات على الجدار قوات كبيرة من مناطق يوجد فيها توترات أمنية أعلى. قائد لواء آخر يمكنه اتخاذ قرار يقول إن منع دخول فلسطينيين الى المنطقة التي توجد تحت مسؤوليته سيؤدي الى مواجهات مع قوات الجيش”.
غزة والشمال أولا
“الاحتفاظ بالجدار بصورة لا يمكن اختراقه هذا يعني قوة بشرية غير موجودة لدى الجيش الذي ينشغل بتهديدات أكثر أهمية”، قال مصدر أمني رفيع للصحيفة. “من أجل استبدال هذا الجدار وتجهيزه بجنود ووسائل تكنولوجية، هذا يحتاج إلى ميزانية بمئات الملايين إذا لم يكن أكثر من ذلك. عندما نفحص أين من الصحيح وضع الشيكل فإن بناء الجدار في غزة وفي المنطقة الشمالية أكثر إلحاحية”.
موقف جهاز الأمن عدم منع دخول الفلسطينيين الى إسرائيل بصورة قاطعة لا يستند فقط الى ميزانيات وأفضليات لعمليات تنفيذية. في نقاشات مغلقة، عندما يطلب من ممثلي جهاز الأمن عرض موقفهم في هذا الموضوع فإن مقاربتهم هي أن منع عبور عشرات آلاف الفلسطينيين يوميا الذين يريدون كسب الرزق يمكن أن يثير توترات أمنية أشد على المدى البعيد.
“ما يهم اليوم الفلسطيني في رام الله وجنين وقلقيلية وطولكرم هو كسب الرزق”، قال مصدر أمني. “هناك فهم بأن الموضوع الديني والوطني لم يعد ينجح في إخراج الجمهور الى الشوارع، وبالتأكيد ليس لمواجهات أو نضال مسلح ضد الجيش الإسرائيلي. إذا اندلعت انتفاضة ثالثة فهي ستكون على خلفية ضائقة اقتصادية، في وضع لن يكون فيه لدى الفلسطينيين طعام في الثلاجة لأولادهم ولن يكون لديهم ما ينهضون من أجله في الصباح”. مصدر في جهاز الأمن قال “إن الفلسطيني الذي يعمل ويوجد له ما ينهض من أجله في الصباح لن يسارع الى تنفيذ عملية”.
حسب تقديرات جهاز الأمن، فإن المبلغ الذي يكسبه الفلسطينيون الذين يعملون في إسرائيل من دون تصاريح يصل الى 1.5 مليار شيكل في السنة. الحديث يدور عن مبلغ يؤثر أيضا على ميزانية السلطة والاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير. في الشاباك قالوا طوال سنين إن اقتصادا مستقرا في السلطة الفلسطينية سيقلل احتمالات التصعيد بشكل واضح. لهذا أيضا فإن الاعتبار الاقتصادي يؤخذ في الحسبان عندما يناقشون في جهاز الأمن قضية الفلسطينيين الذين يدخلون الى إسرائيل.
“هذه ميزانية إذا أخذناها اليوم من السلطة فإنه يمكن أن تنهار اقتصاديا وتجد نفسها مع كل هؤلاء المحبطين في الشوارع من دون أمل”، قال مصدر رفيع في جهاز الأمن، “منذ العام 2018 خرج الفلسطينيون الى الشوارع للاحتجاج، بالأساس على قضايا مالية، الأجور وغلاء المعيشة. هذا ما يشغل الآن أيضا حماس في غزة التي أدركت أنه من غير الصحيح التنازل بسرعة عن الإنجازات الاقتصادية التي حققتها في السنوات الأخيرة من أجل عملية عسكرية أخرى”.
حسب أقوال هذا المصدر الرفيع، الذي يتواصل مع جهات في السلطة، فإن هذا الخطاب سمع أيضا بعد العملية في بني براك، عندما تم منع العمال الفلسطينيين من الذهاب الى العمل عشية شهر رمضان بسبب التوتر الأمني. “هذه العملية أوقفت دخول الفلسطينيين من دون تصاريح الى إسرائيل عشية عيدهم”، قال المصدر الرفيع. “هذه كانت ضربة شديدة جدا بالنسبة لهم. عندما أتحدث مع التجار وموظفين عامين في السلطة يقولون بشكل واضح جدا إن هذه العملية أضرت بهم”.
وكالات
التعليقات مغلقة.