باب العامود.. معلم مقدسي يتحول لساحة صراع فلسطيني-“إسرائيلي”

للعام الثاني على التوالي في شهر رمضان، تتسلط أنظار الفلسطينيين على ساحة باب العامود بمدينة القدس المحتلة؛ بفعل ما تشهده من صدامات مع القوات الإسرائيلية.

فما أن تنتهي فترة الإفطار حتى يبدأ تدفق آلاف الفلسطينيين إلى باب العامود الذي ما يلبث أن يشهد توترا بفعل الانتشار الكثيف للشرطة الإسرائيلية في المكان.

ومنذ بداية رمضان، تشهد هذه المنطقة، مواجهات واعتداءات مستمرة من قبل الشرطة الإسرائيلية التي اعتقلت عشرات الفلسطينيين من محيطه.

بدورها تزعم الشرطة الإسرائيلية أن الاحتكاكات ناتجة عن قيام عدد من الفلسطينيين برشق قواتها بالحجارة والزجاجات.

وقالت في تصريح مكتوب أرسلت نسخة منه للأناضول، الثلاثاء: “لن نسمح لهذه القلة التي تعمل للتحريض والعنف بتعطيل النظام، وندعو الجمهور إلى إحياء شهر رمضان وفق القانون والامتثال لتعليمات الشرطة”.

وفي شهر رمضان 2021، شهدت القدس اعتداءات متصاعدة من جانب الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين، تركزت بمحيط المسجد الأقصى و”باب العامود” وحي “الشيخ جراح” وسط المدينة، وأصيب خلالها مئات الفلسطينيين وجرى اعتقال العشرات.

وتطورت تلك الاعتداءات إلى مواجهة عسكرية بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة استمرت 21 يوما في مايو/ أيار 2021، أسفرت عن استشهاد وجرح مئات الفلسطينيين، فيما ردت الفصائل بإطلاق آلاف الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية.

** قيمة تاريخية
الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس (رسمية) حاتم عبد القادر، يقول للأناضول: إن “باب العامود يمثل قيمة تاريخية ونضالية للشعب الفلسطيني بشكل عام والمقدسيين بصورة خاصة”.

وينوه عبد القادر، وهو وزير فلسطيني سابق لشؤون القدس، بأن “العامود هو من الأبواب التاريخية لمدينة القدس ويكتسب رمزية خاصة لأسباب متعددة”.

ويعتبر أن “هذا الباب يمثل برمزيته عروبة مدينة القدس”.

ويضيف عبد القادر أن “تجمهر المواطنين المقدسيين في ساحته يكرس هذه الرمزية الوطنية وهو ما يثير حفيظة الشرطة الإسرائيلية التي تقمع أي تواجد فلسطيني في هذه المنطقة خاصة الفعاليات التي تؤكد على رفض الاحتلال”.

ويتابع، “مجرد جلوس المقدسيين على درجاته لتناول الشاي والقهوة والعصائر بعد انتهاء فترة الصيام هو بمثابة رسالة وطنية بأن القدس للفلسطينيين”.

ويؤكد المسؤول الفلسطيني أن “الوجود الفلسطيني هو رسالة بأن القدس الشرقية مدينة محتلة ويدحض الرواية الإسرائيلية عن القدس الموحدة، أما الوجود الإسرائيلي فهو شرطي مدجج بالسلاح وهو تأكيد ملموس على أن المدينة محتلة”.

ولا تفسر الشرطة الإسرائيلية أسباب تواجدها المكثف في باب العامود منذ بداية شهر رمضان خاصة وأن المنطقة يسلكها المواطنون الفلسطينيون للوصول إلى المسجد الأقصى وأسواق البلدة القديمة أو حتى الجلوس على درج “العامود”.

وكانت الشرطة الإسرائيلية أعلنت نشر آلاف من عناصرها في مدينة القدس الشرقية منذ بداية شهر رمضان؛ تحسبا لاحتمالية تدهور الأوضاع الأمنية.

** أسماء عديدة
وإلى جانب كونه معلما معماريا “ساحرا”، تحوّل “باب العامود”، إلى رمز للتمسك الفلسطينيين بالقدس الشرقية مدينة عربية.

ومع بداية شهر رمضان، من كل عام، يستخدمه الفلسطينيون كـ”ساحة” للاجتماعات والاحتفالات، والأنشطة الثقافية.

وللباب أسماء عدة، منها باب دمشق، وباب نابلس، وباب النصر، وباب القديس اسطفان.

ويُشير باحثون في تاريخ القدس، إلى أن بناء باب العامود في موقعه الحالي يعود إلى زمن الرومان، فقد بناه الحاكم الروماني هيرودس الأول، ومن ثمّ أعاد بناءه الملك هادريان عام 135 ميلادية، بعد أن دمره الإمبراطور الروماني تيتوس.

وقيل إن سبب تسميته بهذا الاسم، يعود لوجود عامود مرتفع في ساحته الداخلية، ظلّ فيها حتى فترة الفتوحات الإسلامية.

أما البناء الحالي للباب فيعود للعهد العثماني، وتحديدا لعهد السلطان سليمان القانوني الذي أمر في القرن السادس عشر الميلادي بإعادة بناء سور القدس، وترميم الأجزاء المهدمة منه.

** وجهة اجتماعية واقتصادية
وباب العامود هو المدخل الرئيس إلى الأسواق التاريخية بالبلدة القديمة، والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة.

وفي مدخله كان هناك موقف للحافلات إلى كل مدن الضفة الغربية، وموقف آخر للسيارات المتجهة إلى قطاع غزة.

وكان الفلسطينيون من مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية يفدون إلى القدس، عبره، من أجل الصلاة بالمسجد الأقصى، والتبضع من أسواق القدس القديمة التاريخية.

وهو أيضا وجهة المقدسيين الاجتماعية والاقتصادية، فعنده اعتادت مزارعات القدس والضفة الغربية، عرض بضائعهم من الفواكه والخضار.

وإلى حين قريب، كانت البسطات تعرض بضاعتها على طرفي الباب قبل أن تمنعهم البلدية الإسرائيلية في القدس.

ومن بين هذه الأسواق التي ما زالت قائمة حتى اليوم سوق خان الزيت واللحامين والقطانين والصاغة والخواجات.

وينظر إليه أيضا أنه “مركز المدينة”، منذ سنوات طويلة، فعنده كانت سلطات الاحتلال البريطاني (1917-1948)، تُنفذ أحكام الإعدام بحقّ الثوار الفلسطينيين، بحسب مراجع تاريخية.

ومنذ أُطلِقَت خطوط المواصلات في القدس نهاية العهد العثماني، شكّل باب العامود محطة انتهاء السفر، فالحافلات تخرج منه وإليه.

وعززت إسرائيل في العقدين الماضيين، من قبضتها عليه، بشكل خاص، وأقامت مدرجا نصف دائري، يؤدي إليه وأبعدت مواقف الحافلات والسيارات العمومية عنه.

وخلال الأعوام القليلة الماضية قطعت السلطات الإسرائيلية جميع الأشجار التي كانت قريبة منه وأقامت 3 نقاط شرطة دائمة.

ويشتكي الفلسطينيون من قيام عناصر الشرطة الإسرائيلية بإيقاف الشبان والتدقيق في بطاقات هوياتهم وأحيانا كثيرة إخضاعهم للتفتيش الجسدي فضلا عن الاعتداءات بالضرب وأيضا الاعتقال.

ومنذ العام 2015، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية العديد من الفلسطينيين على أعتابه، خلال الهبّة الشعبية التي اشتعلت احتجاجا على تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى.

وآنذاك، أطلق الكثير من المقدسيين على منطقة باب العامود اسم “باب الشهداء”.

وادعت القوات الإسرائيلية، أن هؤلاء الفلسطينيون حاولوا تنفيذ عمليات طعنٍ وإطلاق نار على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين.

ولكنّ منظمات حقوقية فلسطينية ودولية، قالت في تقارير لها إن الشرطة الإسرائيلية قتلت العديد من الفلسطينيين، بما في ذلك في منطقة باب العامود، بشكل “غير مبرر في وقت لم يشكلوا فيه أي خطر حقيقي على القوات الإسرائيلية”.-(الاناضول)

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة