كازاخستان أمام إصلاحات تاريخية / المستشار محمد الملكاوي
=
كازاخستان أمام إصلاحات تاريخية لترسيخ بناء دولة حديثة وزيادة مشاركة المواطنين في إدارة الدولة
الرئيس توكاييف: لدينا رؤية واضحة لمُستقبل كازاخستان، ودولة فعّالة ذات مجتمعٍ مدنيٍ قوّي
بقلم: المستشار محمد الملكاوي / عمّان
الإصلاحات التاريخية التي أعلن عنها رئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توكاييف مؤخراً تستحق أن نقف عندها وقفة تأمل حقيقية لأنها إصلاحات تهدف إلى ترسيخ بناء دولة كازاخستان الحديثة، خاصة وأنها إصلاحات تهدف إلى التمكين الديمقراطي من خلال تحويل السلطة إلى الحكومة والبرلمان من أجل كازاخستان الجديدة.
لهذا أود أن أقول كإعلامي أردني يُتابع شؤون الملف الكازاخستاني بأن هذا هو الرد الوطني (الرئاسي والحكومي والشعبي) القوي على التنظيمات الإرهابية وعلى المُتطرّفين والمجموعات المخرّبة الذين حاولوا اختطاف السلام والأمن والأمان والاستقرار في هذه الدولة، وسعوا (ولكن فشلوا بحمد الله) إلى تدمير إنجازات جمهورية بعد (31) عاماً من استقلالها عام 1991، لهذا فإن جرأة الرئيس توكاييف وقراراته الصارمة وحرصه على شعب كازاخستان ومُستقبل الدولة جعله يتخذ قرارات عاجلة وحاسمة لوأد الفتنة الإرهابية والتخريبية في مهدها، وعدم السماح للإرهابيين والمخربين أن يعيثوا في كازاخستان فساداً وإفساداً.
والشئ اللافت للانتباه بأن الرئيس توكاييف كان حكيماً وحازماً في آن واحدٍ، لهذا اتخذ مسار “بناء كازاخستان” الجديدة مع ضمان المنافسة السياسية العادلة والحُرّة، وذلك بهدف التحوّل السياسي إلى تحقيق قواعد منصفة، والقضاء على المحسوبية والاحتكارات في جميع مجالات الحياة، خاصة عندما أكد في خطابه لحالة الأمة في الجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان قبل عدة شهور: (لدينا رؤية واضحة للمستقبل وخطوط كازاخستان الجديدة – دولة فعّالة ذات مجتمع مدني قوي).
وتعهد الرئيس في خطابه ببذل الجهود لتعزيز سيادة واستقلال ووحدة أراضي كازاخستان والعمل من أجل الازدهار الآن وليس في المستقبل، وقال أن الوقت قد حان لبناء الوِحدة في المجتمع، معترفًا بأن أحداث كانون الثاني / يناير 2022 أضرت بسمعة كازاخستان الدولية، وأن هناك حاجة إلى إجراء (30) تعديلاً للدستور لتنفيذ إصلاحاته المقترحة و (20) قانوناً إضافياً يجب اعتمادها قبل نهاية عام 2022.
ومن المفيد معرفة أبرز ما تطرّق إليه الرئيس توكاييف في خطابه، وتأكيده على تحسين عمل أجهزة إنفاذ القانون، وحماية أحكام الدستور والتطبيق الصارم لها، وتحسين القدرة التنافسية لوسائل الإعلام، وإنشاء شكل جديد للحوار العام، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، هذا إضافة إلى تحديث العملية الانتخابية، وتعيين أقاليم المناطق على أساس بديل، وتبسيط إجراءات تسجيل الأحزاب السياسية، وإدخال نظام تشكيل مختلط من المجالس وإدارات الأقاليم في النظام الانتخابي.
وركز الرئيس توكاييف على أن البرنامج الرئاسي للإصلاحات السياسية أخذ بعين الاعتبار آراء الخبراء والجمهور، مشيراً إلى أنه عند تطوير البرنامج تمت دراسة مقترحات الأكاديميين والخبراء والشخصيات العامة والأحزاب السياسية والمنظمات العامة بعناية، كما تم النظر في توصيات أعضاء البرلمان والمجلس الدستوري ولجنة الانتخابات المركزية والمحكمة العليا وعلماء والخبراء المختصصين. لهذا أعلن توكاييف بجرأة وصراحة وشفافية بأن كازاخستان تحتاج إلى إصلاحات جوهرية، لافتاً إلى أن التحوّل السياسي يهدف إلى إنشاء (قواعد للعبة) عادلة ومنصفة، والقضاء على المحسوبية والاحتكارات في جميع مجالات الحياة”.
وأجاب رئيس كازاخستان نيابة عن الشعب وبلسان الشعب عندما قال: بأن الشعب لا يحتاج إلى أفكار ووعود مُجرّدة ، بل يحتاجوا إلى تغييرات ملموسة نحو الأفضل، لهذا فإن كازاخستان بحاجة إلى استئصال كل الاحتكارات المصطنعة، سواء في الاقتصاد أو في السياسة، ولدينا رؤية واضحة للمستقبل وخطوط كازاخستان الجديدة – دولة فعالة ذات مجتمع مدني قوي، والهدف الرئيسي للتحديث السياسي هو زيادة مشاركة المواطنين في إدارة الدولة.
كما ركز على أن مسار بناء كازاخستان الجديدة يهدف إلى تغيير نموذج التنمية في البلاد، ويجب أن يقوم تأسيس كازاخستان الجديدة على مزيج متناغم من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والمزيد من التحول الديمقراطي، وذلك بالتوازي مع تمكين وسائل الإعلام الحرّة والمستقلة والمسؤولة.
ويرمز البرنامج الرئاسي للإصلاحات إلى بداية حقبة جديدة في التطور السياسي لكازاخستان، مع التركيز على تعزيز الديمقراطية والمساءلة والاستدامة في إدارة الدولة، ويهدف إلى نقل البلاد من نظام حكم رئاسي أعلى إلى جمهورية رئاسية ذات برلمان قوي، يتضمن البرنامج مراجعة أساسية للمؤسسات الرئيسية للدولة، بما في ذلك مكتب الرئيس وصلاحياته، وسير عمل البرلمان والحكم الذاتي المحلي، فضلاً عن الأحزاب السياسية والانتخابية والقضائية وأنظمة إنفاذ القانون.
وقد تمت صياغة البرنامج الرئاسي للإصلاحات بعد مشاورات مع آراء الخبراء وقادة الفكر في المجتمع المدني، بما في ذلك الأكاديميين والشخصيات العامة، كما تم أخذ التوصيات من أعضاء البرلمان والمجلس الدستوري ولجنة الانتخابات المركزية والمحكمة العليا.
وتعد هذه الإصلاحات استمراراً مباشراً للإصلاحات السابقة التي أعلنها الرئيس توكاييف، لكنها تسارعت بفعل الأحداث المأساوية التي وقعت في البلاد في شهر كانون الثاني / يناير الماضي والتي تخضع للتحقيق حالياً.
· ويبقى القول:
إن جمهورية كازاخستان التي تخلّت بجرأة وقوّة وطواعية عن رابع أكبر ترسانة نووية تدميرية في العالم ورثتها جمهوريات الاتحاد السوفيتي الذي انهار عام 1991، هي ذات الدولة التي تفخر بأنه يعيش ويتعايش على أرضها ما يزيد على (130) قومية وجماعة عِرقية، وأنها ملتقى الكثير من الحضارات والثقافات الإنسانية التي يوثقها أكثر من (9) آلآف معلمٍ أثري وثقافي وسياحي، وهي أيضاً ذات الدولة التي تحارب الإرهاب والتطرّف، وفي ذات الوقت بدأت تعمل على تعزيز بناء كازاخستان الجديدة.
لهذا أقول من الأردن قلب الشرق الأوسط النابض بالحياة والأمل والمُستقبل والسلام بأن دولة عريقة وعميقة مثل كازاخستان تمتلك ما يزيد على (7) آلاف بحيرة وغابات كثيفة وجبال شاهقة وسهول ممتدة وسهوب مترامية الأطراف، ويعيش فيها ما يزيد على (2000) نوع من الأحياء البحرية وأكثر من (1300) نوعٍ من الزهور، وتعتز بإرث فروسيتها وفرسانها وخيولها الأصيلة ووعولها وثلجها وجليدها وأمطارها الغزيرة هي دولة سلام وتسامح ومحبة تضم على أرض مساحتها حوالي (2.7) مليون كيلو مترٍ مربعٍ حوالي (19) مليون مواطن كازخي ينشدون السلام والمحبة.
فـ (لكِ السلام … ومنكِ السلام …كازاخستان).
*الكاتب محمد الملكاوي هو مُحلل سياسي وأمني أردني ومستشار إعلامي لنائب رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية ووزير الشؤون السياسية والبرلمانية المُكلّف msa.malkawi@gmail.com
التعليقات مغلقة.