عشر سنوات عجاف يأكلن الطبقة الوسطى
انزلاق يليله انزلاق باتجاه الفقر، هكذا حال أفراد الطبقة الوسطى في المملكة منذ سنوات، والمعضلة الأكبر أن هؤلاء يواجهون الواقع وحدهم دون غطاء حكومي يغير المشهد.
بعد أن تعرضت الطبقة الوسطى بين الأعوام 2011 – 2019 لتبعات أزمة مالية عالمية خانقة اختلطت بتغيرات جذرية على صعيد المنطقة (الربيع العربي) لم تكن تنتظر أن تواجه أزمة غير مسبوقة “وباء كوفيد 19”.
غير أن الطبقة الوسطى لم تجد فرصة لالتقاط أنفاسها هذه المرة أيضا، حيث وجدت نفسها أمام موجة تضخم متوحشة تحت وطأة تأثير حرب تدور رحاها شمال شرق العالم.. ما توقفت معاناتها منذ عشر سنوات عجاف.
وبعد كل هذه الضغوطات الاقتصادية ما تزال الطبقة الوسطى مهددة بمزيد من التلاشي والاضمحلال الأمر الذي يعتبره خبراء أمرا في غاية الخطورة، لاسيما وانها باتت هشة وضعيفة في ظل سياسات حكومية متراكمة لا تكترث لأهمية وجود هذه الطبقة اقتصاديا واجتماعيا على اعتبار انها عماد المجتمع وأساس استقراره.
وبحسب خبراء اقتصاد واجتماع فإن هذه الطبقة هي أكثر الطبقات اليوم المعرضة للانمكاش لصالح توسع الطبقات الفقيرة، فهي وفقا لهؤلاء وبحكم أنها الأكثر استهلاكا ونشاطا، ستكون الأكثر تأثرا بارتفاع الأسعار “التضخم”، وقد كانت دائما الأكثر تأثراً وبشكل مباشر بالسياسات الضريبية التي اعتمدتها الحكومة سواء كان ذلك على مستوى ضريبة الدخل أو على ضريبة المبيعات، أو حتى على الرسوم الحكومية المختلفة التي زادت خلال السنوات الماضية.
وقد بدأت الأسعار في المملكة –شأنها شأن دول العالم أجمع- تشهد ارتفاعات غير مسبوقة سببها بشكل رئيسي الحرب الروسية الأوكرانية، وقبل ذلك ارتفاع أسعار الشحن عالميا مع أزمة كورونا.
وقد كان البنك الدولي قد أشار إلى أن الحرب في أوكرانيا قد أحدثت صدمة كبيرة لأسواق السلع الأولية، حيث أدت إلى تغيير أنماط التجارة والإنتاج والاستهلاك العالمية بطرق يمكن أن تُبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة تاريخيا حتى نهاية عام 2024.
كما كانت الزيادة التي شهدتها أسعار الطاقة على مدى العامين الماضيين هي الأكبر من نوعها منذ أزمة النفط في عام 1973.
ويحذر خبراء من مخاطر انكماش الطبقة الوسطى إذ يشيرون إلى انعكاس ذلك على الطلب الكلي على السلع والخدمات وبالتالي على النمو الاقتصادي، وعلى ارتفاع معدلات الفقر، كما يعرجون على التبعات الاجتماعية الخطيرة والتي ستظهر على شكل زيادة الجريمة والتفكك الأسري وغيرها.
ورغم عدم وجود أرقام دقيقة حديثة عن حجم الطبقة الوسطى في الأردن، حيث أن آخر أرقام رسمية عنها تعود الى 2010، إلا أن المؤشرات الأخرى ذات العلاقة تؤكد اضمحلالها، حتى قبل أزمة فيروس كورونا، حيث أن معدلات الفقر قدرت لعام 2018 بـ15.7 % مقارنة بـ14.4 عام 2010، وهي مرشحة للارتفاع –بحسب تقديرات البنك الدولي- لتصل إلى 26.7 % بسبب انعكاسات الجائحة.
وقد كانت الحكومة قد قدرت حجم الطبقة الوسطى في 2010 –هي آخر احصائية معلنة- بنحو 29 %، فيما كانت تقدر نحو 41 % في العام 2008.
وتشير تحليلات سابقة قامت بها “الغد” في وقت سابق إلى أن حجم الطبقة الوسطى يقدر وفق مسح دخل ونفقات الأسرة للعام 2013-2014 بنحو 27.8 % من المجتمع.
وزير تطوير القطاع العام الأسبق الدكتور ماهر المدادحة أكد تأثر الطبقة الوسطى بموجة ارتفاع الأسعار والتي تزامنت مع تراجع مستوى الدخول، قائلا “هذا سيؤدي إلى تقلصها على حساب توسع الطبقات الفقيرة”.
وأوضح المدادحة أن الطبقة الوسطى تضم عدة طبقات “فئات”، فكل من هو فوق خط الفقر وأقل من الطبقة الغنية يعتبر طبقة وسطى وفقا لتصنيفات الأردن، وبالتالي فإن هناك طبقات فوق خط الفقر مباشرة معرضة للفقر” و”هشة” وهي من ستنزلق إلى الطبقة الفقيرة طالما أن هناك صدمات.
ويرى المدادحة أن هذه الطبقة تعرضت خلال العامين الماضيين لصدمات عدة، وهي معرضة الآن لصدمات كبيرة بسبب التضخم، وحجم التضخم كبير في الأردن وذلك لأنه مستورد حيث أن 90 % من ما يستهلك في الأردن هو مستورد.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د.قاسم الحموري اتفق مع ما سبق وأشار إلى أن الطبقة الوسطى باتت خلال السنوات الأخيرة الماضية تضمحل، وهذا بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والضرائب، مشيرا إلى أن هذا الانكماش زاد في ظل ظروف كورونا وتأثر أعمال ودخول الكثيرين من أبناء هذه الطبقة.
ووفقا للحموري فإن انكماش هذه الطبقة يعني بالضرورة انخفاض الطلب الكلي في الاقتصاد ما يؤثر على النمو الاقتصادي، كما أنه يعني زيادة نسب الفقر.
استاذ علم الاجتماع دكتور حسين الخزاعلة قال بإنه للأسف فإن الطبقة الوسطى باتت تنكمش عاما بعد عام وهو موضوع لا يؤخذ بعين الاعتبار من قبل الجهات الحكومية.
ويرى الخزاعلة بأن الطبقة الوسطى كانت تقدر بـ29 % قبل حوالي 11 عاما، حيث تعود آخر دراسة للطبقة الوسطى الى 2010، وإلى اليوم ليس معلنا حجم الطبقة الوسطى.
إلا أنه ووفقا للمؤشرات المتاحة فإن 80 % من القوى العاملة والمتقاعدين دخلهم الشهري أقل من 500 دينار، وبالتالي فإن أسر هؤلاء “إن لم يكن هناك دخل إضافي” يصنفون بأنهم على خط الفقر أو أعلى بقليل، وهناك 8 % تقريباً هم طبقة غنية، وبالتالي فإن الطبقة الوسطى اليوم لا تتجاوز 12 % الى 15 % في أحسن الأحوال وهذا خطير جداً لأن النسبة لا بد أن تكون على الأقل 50 %.
وألمح الخزاعلة إلى أن الطبقة الوسطى هي مفتاح الأمان للمجتمع اقتصاديا واجتماعيا، فهي المحرك الرئيسي لعجلة الاقتصاد، وانكماشها يعني بالضرورة تهديد الأمن المجتمعي وزيادة لاجرائم، مشيرا الى أن الجرائم الواقعة عى الأموال “الجرائم الاقتصادية” سترتفع، وظاهر التفكك الأسري سترتفع، كما أن الأمراض النفسية ستزيد ناهيك عن زيادة المشاعر السلبية والغضب بين الشباب.
يشار هنا إلى أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك (التضخم) للأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام الحالي قد بلغت 104.11 مقابل 101.78 لنفس الفترة من عام 2021 وبارتفاع نسبته 2.29 %، ومن أبرز المجموعات السلعية التي ساهمت في هذا الارتفاع مجموعة النقل بمقدار 0.92 نقطة مئوية، الخضراوات، البقوليات الجافة والمعلبة بمقدار 0.54 نقطة مئوية، الوقود والإنارة بمقدار 0.16 نقطة مئوية، الثقافة والترفية بمقدار 0.13 نقطة مئوية، والزيوت والدهون بمقدار 0.10 نقطة مئوية.
كما أكدت أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك لشهر آذار (مارس) وحده من عام 2022 قد وصل إلى 104.73 مقابل 102.21 لنفس الشهر من عام 2021 مسجلاً ارتفاعاً نسبته 2.47 %.
سماح بيبرس/ الغد
التعليقات مغلقة.