عراق المجد القلعة العصية على التطبيع المبتذل
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد اللهفي موقف قومي وتاريخي اصيل ومشرف مثل دعماً كبيرا للقضية الفلسطينية وقطع الطريق على محاولات إسرائيل اختراق مزيد من العواصم العربية عبر التطبيع المشين اقر البرلمان العراقي بالإجماع يوم 12 أيار الجاري مشروع قانون ( حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني ) المقدم من كتلة إنقاذ وطن والتي تسمى غالبا التحالف الثلاثي بقيادة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يعد عراب هذا القانون وذلك بعد تزايد الضغوطات على بغداد لتطبيع علاقاتها مع تل ابيب ما دفع المشرعين العراقيين الى سد الطريق أمام هذه المسألة بإصدار قانون يمنع التطبيع بكل صوره واشكاله
التشريع البرلماني الجديد شكل انعكاسا حقيقيا لإرادة الشعب العراقي باعتباره قرارا وطنيا حرا وشجاعا يجرم التطبيع بشكل مغلظ ويعتبره خيانة عظمى يعاقب عليها بالإعدام لكل من يروج لمبادئ الصهيونية والحبس المؤقت والمؤبد لكل من يشارك في الدعوة لإقامة أي نوع من العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو أية علاقات من شكل آخر مع الكيان الصهيوني المحتل
احكام القانون تسري على جميع العراقيين داخل العراق وخارجه بما فيهم المسؤولون وموظفو الدولة والمكلفون بخدمة عامة من المدنيين والعسكريين والأجانب المقيمين داخل العراق ومؤسسات الدولة وكافة وسلطاتها الاتحادية والهيئات المستقلة وحكومات الأقاليم ومجالسها البرلمانية ودوائرها ومؤسساتها وجميع الشركات الخاصة والمؤسسات الأجنبية والمستثمرين والعاملين في العراق بالإضافة الى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني وبهذا القرار حسم العراق موقفه بانضمامه إلى ما يعرف تقليديا بجبهة المقاومة ضد إسرائيل
من الجدير بالذكر قبل التعمق في الموضوع الإشارة الى انه يوجد في العراق ( نص قانوني سابق يمنع التعامل مع كيان الاحتلال الاسرائيلي ) لكن النواب العراقيين لاحظوا انه لم يعد يشكل رادعاً كافياً أمام موجة التطبيع المتسارعة والممولة من بعض الدول العربية خصوصاً على مستوى الترويج الثقافي والإعلامي والرياضي والشبابي حيث أخرجوا الى العلن تشريع جديد يجرم صراحة وبقوة التطبيع وإقامة أي علاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب
العراق لا زال حتى اليوم لا يعترف بوجود دويلة إسرائيل ويطلق عليها وصف الكيان الصهيوني أو فلسطين المحتلة على المستوى الرسمي والشعبي لكونها كيان استعماري عنصري بغيض ومحتل كما انه لا يزال ايضا يرفض دخول أي مواطن إسرائيلي إلى أراضيه أو التعامل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر مع جميع المعاملات التجارية الإسرائيلية كما يمنع حيازة وتداول السلع الإسرائيلية بكل أنواعها وقد قاطع العديد من المؤتمرات والمنتديات والنشاطات في المحافل الدولية والإقليمية التي شارك فيها ممثلين إسرائيليين ومن اللافت في أن المقاطعة الشعبية للكيان الصهيوني في العراق سبقت المؤسسات الرسمية بزمن طويل
العراق يكاد يكون الدولة العربية الوحيدة التي ليس لديها حدود مشتركة مع إسرائيل ولا توجد معاهدات سلام بينه وبينها والحرب حتى الساعة مفتوحة بين الطرفين وقد شارك الجيش العراقي في كل الحروب العربية ضد اسرائيل منذ حرب عام 1948 كما ان عدد كبير من أبناء الشعب العراقي التحقوا في صفوف الثورة الفلسطينية وخاضوا جنباً إلى جنب معارك الثورة الفلسطينية مع أبناء شعب فلسطين ومنهم من استشهد في هذه المعارك وفاءً لفلسطين وشعبها
الخصوصية الأهم هنا أنه باختلاف أنظمة الحكم السياسية من ملكية الى جمهورية بقي العراق في حالة حرب مع إسرائيل حيث لم يوقع على اتفاقية الهدنة التي عقدت بعد النكبة ولا زال الفلسطينيون والعرب يتذكرون خلال حرب تحرير الكويت عام 1991 كيف المدن الإسرائيلية بنحو 49 صاروخ لم تكشف تل ابيب عن الخسائر التي ألحقتها سوى العام الماضي بعد مرور 30 عام على إطلاقها وكذلك لن ينسى العراقيون تدمير الطائرات الإسرائيلية لمفاعل تموز النووي عام 1980 وقيامها قبل أربع سنوات بقصف الأراضي العراقية واغتيال الكثير من العلماء والباحثين والناشطين على يد الموساد والقوات الإسرائيلية
العراق لطالما كان بشعبه الأصيل ومواقفه المشرفة عصي على الاختراق الصهيوني باستثناء بعض المحاولات الشاذة النكرة والنادرة التي استخدمتها القوى الصهيونية لكسر الحواجز النفسية الصلبة الراسخة في وجدان وضمير ووعي الشعب العراقي عبر التاريخ حيث يعتبر العراق أحد الاهداف الاستراتيجية التي عملت عليها الالة الفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية الصهيونية ولايزال اليوم بعد وصول قطار التطبيع الرسمي والشعبي مع الكيان الصهيوني الى بعض الدول الخليجية المجاورة له عرضة لمحاولات التطويع لدخول نفق التطبيع المظلم
ما تحقق هو منجز عظيم بامتياز يشكل خطوة كبيرة ورئيسية في مواجهة مسيرة التطبيع المذلة التي قامت بها بعض الدول العربية ويعبر عن موقف صلب اتجاه الشعب الفلسطيني ومقاومته البطولية في مواجهة العدوان والارهاب الصهيوني وهذا ليس غريب على عراق المجد المشهود له تاريخيا بمواقفه الثابتة والداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة طيلة مسيرة نضاله البطولية من أجل الحرية والاستقلال
من الواجب الوطني والقومي والأخلاقي ان نحيي البرلمان العراقي ونعلن فخرنا واعتزازنا بهذا الموقف النبيل وندعو جميع البرلمانات العربية والإسلامية للاقتداء به كما نهيب بشعوب الأمة وأحرارها الوقوف في وجه التطبيع ولفضه ومحاصرته وتعرية وفضح المطبعين وإسقاط رهانات المحتل بأن الكيان الإسرائيلي أصبح حليف وليس عدو وان التطبيع بات القناة المجانية لشرعنة اجرامه بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته وأن العلاقات الإسرائيلية العربية المتواصلة ستجبر الفلسطينيين على الخضوع فى النهاية لسياسة الامر الواقع
على الرغم من هرولة بعض الدول العربية نحو التطبيع مع كيان الاحتلال على نهج اتفاقات أبرهام المخزية تحت حجج مختلفة في مجالات الطاقة والرياضة والاقتصاد والشؤون العسكرية والبيئية والثقافية والفنية والتراثية فضلا عن تبادل الخبرات والزيارات والتنسيق المشترك وغيرها الا ان بغداد حافظت على موقفها القطعي والمبدئي برفض التطبيع مع إسرائيل واصرت على داع القضية الفلسطينية حتى تنفيذ الحقوق المشروعة الكاملة للشعب الفلسطيني خاصة عقب مؤتمر أربيل المشبوه الذي عقد في عاصمة إقليم كردستان في شمال العراق وضم 300 شخصية من القادة والوجهاء بل ( العملاء والخونة ) المحليين الذين دعوا حكومة بلادهم بلا خجل ولا وجل الى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل
من جانب آخر وفي الوقت الذي نال فيه القانون تأييد إيران وكافة الفصائل الفلسطينية وحزب الله اللبناني الا إنه وضع العراق في موقف شبه معادٍ لدول عظمى مثل أمريكا وبريطانيا ففيما وصفته بريطانيا بالمروع عبرت واشنطن عن انزعاجها من اقراره بدعوى مزيفة يعزز بيئة معاداة السامية ويعرض حرية التعبير للخطر ويقف في تناقض صارخ مع التقدم الذي أحرزه جيران العراق من خلال بناء الروابط وتطبيع العلاقات مع إسرائيل
قانون تجريم التطبيع سيعيد إضافة العبارة التاريخية على جواز السفر العراقي التي تنص يسمح لحامل هذا الجواز بالسفر إلى كل دول العالم ما عدا الأراضي الفلسطينية المحتلة فضلا عن تأصيله الخطاب الإعلامي الرسمي ضد الاحتلال واركانه
العراق بمختلف تلاوينه الفكرية والسياسية يثبت مجدداً دعمه الأصيل للقضية الفلسطينية ورفضه لإسرائيل واصراره العنيد بالوقوف سدا منيعا امام كل محاولات التطبيع الهزلية مع هذا الكيان الإرهابي الذي ما زال يمارس أبشع الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته الإسلامية والمسيحية وان هذا القرار الهام في توقيته يعزز العمق العربي والإسلامي المطلوب لحماية القدس وإفشال مشاريع التهويد وتدنيس المقدسات داخل الأقصى المبارك
محاولات إسرائيل والحركة الصهيونية اقامة علاقات مع بغداد ليست جديدة فقد بذلت على مدار السنوات الماضية جهودا كبيرة من أجل نسج هذه العلاقات حيث تريد السيطرة على ثروات العراق وموقعه الاستراتيجي وتدمير هويته الحضارية العربية وشطبها عليها او تفتيها الى هويات طائفية وعرقية حتى جاء الموقف العراقي الشريف والشجاع الذي عبر بشكل واضح عن حقيقة انتماء الشعب العراقي ومرجعيته الدينية وقواه السياسية كما ويؤكد على موقع العراق الثابت والدائم الى جانب القضية الفلسطينية والذي لم يؤثر فيه كل مؤامرات الاحتلال الاميركي ولا الاوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة التي عاشها في السنوات الاخيرة حيث بقي وفيا لانتمائه العربي الصادق ودعمه لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والسبل المشروعة
الرؤية الأنسب فيما يتعلق بعلاقات الدول العربية مع المحتل الإسرائيلي هو دعم الجهود الدولية الرامية إلى إحقاق الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ودفع عمل الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي تجاه بعث المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على أسس عادلة بدلا من أن تساعد بعض الدول العربية الكيان الإسرائيلي في التوسع والتوجه إلى مناطق عربية جديدة لان ذلك لا يخدم السلم في الشرق الأوسط كما انه لن يحقق الامن والاستقرار في عموم المنطقة
يذكر انه من أصل 22 دولة عربية تقيم 6 دول هي ( مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان ) علاقات معلنة مع إسرائيل التي ما تزال تحتل أراضي عربية في فلسطين وسوريا ولبنان منذ 1967 وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية
في الختام لا يفوتنا أن نتوجه بجزيل الشكر والامتنان لكل من سعى مِن أجل انجاز هذا القانون الهام لاسيما أعضاء اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي وتحالف إنقاذ وطن والشكر الموصول لكل النواب العراقيين الشرفاء الذين مَن صوتوا لصالحه والتقدير الخاص والشكر الكبير لرئيس مجلس النواب العراقي ونائبيه على جهودهم الجبارة خلال اعداد التشريع ومناقشته واقراره
سيبقى العراق العظيم بشعبه الابي وحضارته العريقة ومواقفه المشرفة منارة للعلم وقيثارة للفن وعبقا للتاريخ وقلعة للقومية ومفخرة للعرب ولا ريب في ذلك ولا عجب
mahdimu.barak@gmail.com