في ذكرى رحيل فارس القدس وأميرها
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم/ مهدي مبارك عبد اللهلعمرك ما الرزية فقد مالٍ ولا فرسٍ تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حرٍ يموت بموته خلقٌ كثير
في تزامن مع ما تعيشه القدس في هذه الأوقات العصيبة من هجمات بلطجة شرسة وأحداث غطرسة جسام تفتقد أحد أهم رجالاتها الغر الميامين حيث صادفت يوم الثلاثاء الماضي الواحد والثلاثين من أيار الذكرى الـ21 لرحيل عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير القائد الرمز( فيصل الحسيني ) أبو العيد المناضل الجريء والصلب الذي عرف بدوره السياسي في الدفاع عن القدس ومواجهة مختلف التحديات التي عصفت بالقضية الفلسطينية حيث قاد انتفاضة الحجارة الاولى وكان له دور هام وبارز في الوقوف أمام قرار نتنياهو بإقامة مستوطنة صهيونية على جبل أبو غنيم في القدس ضافة الى قيادته المظاهرات والمسيرات المنددة بذلك والتي تعرض إثرها للاعتقال والتنكيل والضرب المبرح على أيدي قوات الاحتلال الفاشية
أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم الذكرى الحادية والعشرين لرحيله يستذكرون أمير القدس وشهيدها الذي شكل سداً منيعاً في وجه الاحتلال الغاصب واضطلع بدور كبير في معركة الدفاع عنها واستبسل في ترسيخ هويتها وحماية عروبتها كما يجددون العهد بمواصلة السير على دربه حتى تحرير القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة وأن يبقوا أوفياء لإرثه ونضاله وتأصيل خطاه في الدفاع عن القدس والتصدي لمخططات العدو الرامية لتهويدها وتزوير تاريخها وتدنيس أقصاها وتصفية قضيتها العادلة والقضاء على وجودها واغتصاب حقوقها ومحو هويتها من سجل الكفاح والنضال الراسخ والممتد لشعب مقاوم وأصيل
فيصل الحسيني سليل ارومة الثوار والاحرار الذي يعد أحد رموز وقيادات منظمة التحرير بل من اهم القادة العظماء الذين أنجبتهم فلسطين في القرن العشرين والذي شكل في تاريخ النضال الفلسطيني علامة فارقة ومدرسة كفاحية عريقة تخرج منها رواد الثورة الفلسطينية جيل بعد جيل وهم يقتدون بشجاعته الوطنية وشخصيته المتفردة حين كان لا يأبه لسياسة قمع الاحتلال ولا ترتعد فرائصه لإرهابه وبطشه يواجههم كالبركان الثائر والإعصار الجامح والجلمود العصي وهو يجسد بوصلة القدس وعنوان قضيتها فحسب له الاحتلال ألف حساب بعدما وهب نفسه لفلسطين والقدس وقد حظى على الدوام بثقة وتقدير الكل الوطني بتواضعه وإخلاصه وعمق انتمائه ونضاله وأخلاقه الرفيعة
ورغم كل القيود القاهرة التي فرضها عليه الاحتلال استطاع الحسيني إقامة العديد من النشاطات وبناء بعض المؤسسات الفلسطينية الفاعلة في مدينة القدس التي كان أبرزها ( بيت الشرق ) الذي لازال مغلق بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم بعدما اصبح شوكة في حلق الاحتلال وكذلك جمعية الدراسات العربية التي اختصت بإعداد الأبحاث في مجالات تربوية واجتماعية و تاريخية وثقافية وسياسية والاقتصادية متعددة لدعم أهل القدس والحفاظ على هويتها وفلسطينيتها
سيرة ومسيرة القائد الحسيني الذي اشترى زمانه في القدس فضمن مكانه في السماء كانت العنوان الابرز لكل المقدسيين وهي الشحنة المعنوية للمدافعين عن الأقصى والمرابطين في ساحاته الذين يتحدون الاحتلال يوميا في الشوارع والزقاق والحارات ورؤوسهم مرفوعة واعلام فلسطين ترفرف بأيديهم واصواتهم تصدح الموت للصهاينة الغاصبين غير ابهين بوحشية الهراوات ومرارة الاعتقال وقسوة الموت الرصاص الحي
اليوم نقول للراحل فيصل الحسيني القائد الجامع الذي عمل من اجل شحذ الهمم والطاقات لأجل القدس نم قرير العين القدس بخير وهي تقاوم وتهزم المحتلين بعزيمة أبنائها وسواعد المقاومة الباسلة تذكرك دائما وغيابك الجسدي عنها لا يمحو وجودك ومكانتك فيها وبين بنيها وانت تحمل قضيتها إلى العالم متمسكا بعروبتها كمشروع وطني فلسطيني عادل كما نستذكرك وانت تنطق الحق والصادق بكل جوارحك ان معركة القدس لن تكون يوما خاسرة وأن الاحتلال الصهيوني مهما طال امده واستبد فهو إلى زوال لا محالة
من الوفاء والحق علينا جميعا ان نستشعر غياب فيصل الحسيني ونعرف الأجيال بالأدوار والوظائف والمهمات التي كان يتولاها وشغرت ولا زالت شاغرة منذ رحيله المفجع حتى الآن كذلك لابد من التعريف أكثر بجوانب حياته الإنسانية التي تجسدت بالتواضع والبساطة
والانفتاح على الاخرين فضلا عن قيادته الاستثنائية كمرجعية للمؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية والخيرية والنقابية والنضالية والسياسية والدبلوماسية وممثلي الفصائل وزعيم وطني فذ حظي بتقدير كبير ليس فقط عند الفلسطينيين بل لدى الشخصيات والهيئات الأجنبية أيضا فلا يكاد يمر وزير خارجية أجنبي أو دبلوماسي دولي مهم من دون أن يقابله لكونه صوت الفلسطينيين العالي في القدسلم يستمد الحسيني يوما في نفوذه وتأثيره ومكانته من الإرث العائلي والأمانة التي آلت إليه باعتباره ابن الشهيد عبد القادر الحسيني وحفيد موسى كاظم الحسيني فقط او ولا باعتماده المباشر على المسؤوليات والمهام والمناصب القيادية العديدة التي تولاها بل كان الأساس في عمله ووعيه موائمة تلك الخلطة الفريدة من الصفات مع مسؤولياته تجاه القدس والاندماج فيها إضافة الى قدرته على استشراف رؤية استراتيجية للمواجهة مع العدو والثبات والصمود في القدس ورفد مسيرته بالمؤسسات البحثية والفكرية والاجتماعية والتنموية فهو الذي أطلق فكرة المؤتمر الشعبي للقدس ليكون مرجعية موحدة لكل الهيئات والمؤسسات في المدينة
ولد الراحل الحسيني في بغداد 17 تموز 1940 والده الشهيد عبد القادر الحسيني قائد القوات الفلسطينية في معركة القسطل التي استشهد فيها حيث كان لوالده الأثر الكبير في تعزيز وعيه السياسي عبر مرافقته في جميع تحركاته ورحلاته وانتقاله معه إلى القاهرة ما ساهم في تشجيعه على ارتجال الخطابة أمام الجمهور وحفظ القصائد الوطنية
تعرف الحسيني على الزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات أثناء دراسته الجامعية في القاهرة وشارك في حركة القوميين العرب عام 1957 بإنشاء وتأسيس المنظمة الطلابية الفلسطينية عام 1959 التي أصبحت فيما بعد نواة لمنظمة التحرير الفلسطينية وقد انضم لحركة فتح عام 1964قبل أن يعمل في قسم التوجيه الشعبي في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القدس حتى عام 1966
بعد حرب حزيران 1967 توجه إلى القدس وقاد العمل السياسي لمنظمة التحرير فيها واعتقل في تشرين الأول 1967 وحكم عليه بالسجن مدة عام بتهمة حيازة أسلحة وقد أسس عام 1979 جمعية الدراسات العربية بيت الشرق في مدينة القدس وسجن فيها لمدة عامين ثم عين مسؤولا عن ملف القدس وفي عام 1996انتخب من المجلس الوطني الفلسطيني عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
القدر المحتوم والمنية العاجلة داهمت المرحوم الحسيني قبل ان يستكمل تحقيق مشروعه وأحلامه وأهدافه ولا زال موقعه في وجدان الفلسطينيين والمقدسيين شاغرا يلفه الامتنان والحنين والفخر حيث توفي الحسيني في 31 أيار عام 2001 نتيجة أزمة قلبية أثناء زيارته للكويت وقد شيع جثمانه الطاهر في موكب شعبي ورسمي حاشد إلى مثواه الأخير في باحة الحرم القدسي الشريف بجوار المرحومين أبيه وجده
يا فارس القدس الشجاع واميرها النبيل المطاع 21عام على رحيلك الذي أوجع القلوب وأدماها منذ ترجلت عن صهوة جوادك ما زالت المقل راعفةً بالدمع والقدس يخيم عليها الحزن وقلوب محبيك يعتصرها الألم لان قليلون من هم مثلك وربما لا أحد يشبهكَ إلا أنت وشيءٌ من صفاء السماء وألقها
حيث كنت في كل حياتك كما أحببت أن تكون شهماً كريماً نقياً عفيفاً طاهراً مثابراً ومثالاً راقيا لمعاني الرجولة الكاملة وعزائنا العظيم بفقدك ورحيلك ان الأنقياء والأتقياء من مثلك يرحلون عن هذه الدنيا واقفين قابضين على جمر الحق وسيف المبدأ رحمك الله وغفر لك واجتباك بإحسان تحت ظلال عرشه وجعل الملتقى بيننا جنات عدن ورضوان اعدت للمتقين وسلام الله عليك في العالمين
mahdimu.barak@gmail.com.