قصف مطار دمشق والتغاضي الروسي المريب
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم /مهدي مبارك عبد اللهلا تزال الضربة الجوية التي وجهتها الطائرات الاسرائيلية يوم الجمعة 10 حزيران الحالي من سماء هضبة الجولان المحتل باتجاه مطار دمشق الدولي بذريعة منع التموضع الإيراني في سوريا وإحباط مخططات تهريب أسلحة ومنظومات قتالية متطورة إلى حزب الله اللبناني عبر استخدام الطائرات المدنية وهو ما ادى الى خروج المطار بالكامل عن الخدمة حيث أصابت الصواريخ بشكل مباشر برج الملاحة ورادار المراقبة والمدرج الجنوبي وقاعات سفر المواطنين المدنيين
خلال الأعوام الماضية تعرض مطار دمشق الدولي لغارات إسرائيلية متكررة لكنه في هذه المرة لم يستهدف محيط المطار أو مخازنه ومستودعاته كما درجت العادة بل كان الهدف الرئيسي منشأت تشغيل المطار من اجل ( عزل دمشق عن العالم ) رغم انه في عدة اجتماعات مشتركة طالب السوريون والإيرانيون من الروس وضع حد للهجمات الإسرائيلية وتأمين العاصمة دمشق ومطارها بشكل خاص والمواقع والبنى التحتية الأخرى ولكن في الواقع ومع ملاحظة حالة من التراخي المريبة يبدو ان الروس غير معنين بالاشتباك مع الإسرائيليين من اجل حماية المصالح الإيرانية والسورية كما أنهم غير معنيين بالاشتباك مع الإيرانيين تأميناً للمصالح الإسرائيلية
الهجوم الإسرائيلي الأخير تجاوز كل الخطوط الحمراء وكسر كل قواعد الاشتباك قديمها وحديثها وباستفزاز مقصود واللافت ان قصف المطار جاء بعد ساعات قليلة من مقابلة مصورة للرئيس السوري بشار الأسد انتقد فيها الضربات الإسرائيلية المتواصلة على بلاده وفور انتهاء مناورات عسكرية إسرائيلية بكل انواع الأسلحة استمرت لأكثر من شهر في شرق البحر المتوسط تحاكي شن عدوانٍ اسرائيلي على إيران وسورية وجنوب لبنان واليمن والعِراق
منذ مجيء القوات الروسية الى سوريا وهي تتعرض لغارات إسرائيلية شهرياً أو أسبوعياً وأحياناً يوميا ومع بداية الازمة السورية قبل ما يزيد عن إحدى عشر عام زادت سلسلة الهجمات الاسرائيلية ضد مواقع حيوية داخل الاراضي السورية حيث فاق عددها الـ300 غارة ركزت معظمها على المنطقة الجنوبية وهي ( القنيطرة ودرعا والسويداء وريف دمشق ) كما اصابت غربي حمص والبادية فضلا عن استهدافها لشخصيات امنية وعسكرية كما جرى في حادثة اغتيال الأسير المحرر مدحت الصالح امام منزله في عين التينة المطلة على قرية مجدل شمس في الأراضي السورية المحتلة عن طريق قنصه بشكل مباشر
قصف مطار دمشق سبقه استهداف ميناء اللاذقية رئة سوريا الاقتصادية ومتنفَّسها مع العالم مرتين متتاليتين رغم انه يقع على بعد نحو 15 كم فقط من قاعدة حميميم أهم قواعد الحليف الروسي في سوريا وقد جرى القصف تحت أنف وعين وأذن الروس ولم يحصل أي رد منهم سوى الإدانة والاستنكار الذين لا يسمنا ولا يغنيا عن جوع الأمر الذي سلط الضوء مجدداً على موقف موسكو تجاه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا وهو ما زاد من غطرسة إسرائيل ودفعها الى التهديد بالقيام بهجمات أكبر في العمق السوري عبر الغارات المباشِرة أو الاستهداف الصاروخي البعيد نسبياً من دون إبلاغ روسيا كما كان متبعاً ولهذا لن نستغرب أن تستهدف الغارات الإسرائيلية جميع المطارات المدنية والبنى التحتية السورية مثل محطّات المِياه والكهرباء والدوائر والمؤسسات العامة والخاصة وغيرها وربما القصر الجمهوري نفسه
قبل نحو ساعة من تنفيذ الهجوم ( أبلغ الإسرائيليون الروس ) عبر آلية التنسيق المشتركة بينهم بنيتهم استهداف مطار دمشق الدولي ولا زالت حيثيات العملية تلقي بظلالها على المشهد المحلي والإقليمي باعتبارها الأشد والأقسى بالإضافة إلى دلالاتها الاستراتيجية الكبيرة حيث يعتبر تعطيل المطار الرئيسي في البلاد بمثابة إعلان حرب غير مباشرة وتصعيد غير مسبوق يمثل تحولاً في مشهد الصراع وقواعد الاشتباك ونوعية الأسلحة التي اعتمدتها تل أبيب هذه المرة ( صواريخ فرط صوتية عالية الدقة لم تتمكن الدفاعات السورية الموجودة في المطار ومحيطه من كشفها والتعامل معها )
العدوان الإسرائيلي على مطار دمشق ليس الأول ولن يكون الأخير ورغم بيان التنديد الوحيد الذي صدر عن موسكو تجاه إسرائيل فإن القوات الإسرائيلية لن تتوقف مستقبلا عن عملياتها مماثلة ضد الأرض السورية التي يتم رصدها بدقة من أعالي السماء بالتقنيات الحديثة وعلى الأرض بمساعدة الخونة والعملاء
الاستنتاجات والتحليلات بشأن التنسيق الروسي الإسرائيلي الدائم وفق آلية منع التصادم العسكري بينهما في الأراضي السورية جرى التوصل إليه بعد تحطّم طائرة إيل – 20 الإيليوشن الروسية بصاروخ سوري أدى إلى مقتل 18 جندياً روسياً خلال غارات لطائرات أف – 16 تابعة للاحتلال الإسرائيلي استهدفت منشآت في الساحل السوري في أيلول عام 2018
الحليف الروسي بصمته وتغاضيه وتراخيه الواضح وعلمه المسبق بالاعتداءات الإسرائيليّة طِوال السنوات الماضية ورفضه إعطاءه الضوء الأخضر للجيش السوري للرد على الهجمات المتكررة او تجهيزه بالقدرات الدفاعية اللازمة مِثل منظومات صواريخ إس 400 المتطورة فهو يتحمل المسؤولية الأكبر عن الوصول إلى هذا الوضع المؤسِف والمهين والمحرج للقيادة السورية بل والروسية أيضا
موسكو مكنت تركيا من احتلال الشمال السوري ووقفت حجر عثرة في طريق تحرير محافظة إدلب كما ساهمت في تعزيز الاحتلال الأمريكي في الشمال الشرقي السوري في ذلك الوقت ولا زالت تواجه بحملة تشكيك وتبرير لتصرفات الطبقة الصهيونية المسيطرة على القرار الروسي ودورها المؤثر في عدم تغيير مواقف الرئيس بوتن لا سيما بعد حربه في اوكرانيا والدور الذي يقوم به صهاينة أوكرانيا والكيان اللقيط بذلك الخصوص
على الأرض لم يحرك الروس ساكناً في كل الاستهدافات الإسرائيلية للأراضي السورية وأقصى ما يمكن تسجيله لهم في ذلك اطلاق مجموعة تصريحات سياسية قدمها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف خلال مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق في تشرين الثاني الماضي حيث قال رداً على سؤال بشأن الاعتداءات الإسرائيلية إن بلاده ترفض بصورة قاطعة هذه الأعمال اللاإنسانية داعياً إلى احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ووقف عمليات القصف
بعيدا عن الكلام الإعلامي الاستعراضي وسلوكيات التطبيل والتسحيج لكل مواقف روسيا نقول بكل صدق انه كان بإمكانها منع قصف مطار دمشق خاصة بعدما تعهدت وبشكل حاسم بتجنيب مطار دمشق الاستهدافات الإسرائيلية عبر تأمين الحماية الجوية له والالتزام بالاتفاقيات الدفاعية والأمنية الموقّعة بين البلدين والمساعدة في تأمين المنشآت الرسمية والحيوية كالمرافئ والمطارات والبنى التحتية المدنية وغيرها
من اجل تبديد ذرائع تل أبيب للهجوم عليها لكن موسكو لم تفعل بل سهلت المهمة فمنذ بواكير الازمة عمل عناصرها العسكريون والأمنيون كنباشوا قبور للعثور على جيف القتلى الإسرائيليين لتكريمهم بدفنهم في بلادهم كما ( صرح بذلك بوتن في رسالته لصديقة نتنياهو) متناسياً مئات الجثث للشهداء الفلسطينيين في مقابر الارقام والثلاجات رغم من أن احتجاز جثامين الشهداء يعتبر جريمة حرب بشعة
وفق منظورنا الواقعي لمجريات الاحداث وتطوراتها فأننا نفهم انه لا يمكن توقع أبعد من ممارسة ضغوط سياسية روسية على الإسرائيليين في أحسن الأحوال لوقف تلك الاعتداءات وان الحديث والتكهن بشأن استخدام الدفاعات الجوية الروسية لوقف تلك الهجمات غير ممكن ابدا وهو ما يدركه الإسرائيليون أكثر من غيرهم ويفسر تكثيف غاراتهم واعتداءاتهم بمعدلها اعتداءين شهرياً على مواقع مختلفة
الغريب انه لم يطلب يوماً من القوات الروسية أن تتصدى بمنظوماتها وعسكرييها للغارات الإسرائيلية وأصلاً لم يعتقد أحد أن الروس في وارد الاشتباك المباشر مع الإسرائيليين وما يجري الحديث عنه اليوم كما في مرات سابقة هو فقط مطالبة القوات الروسية بإعادة تأهيل سلاح الدفاع الجوي السوري وتعزيزه وتطويره بشكل يصبح معه قادراً على التخفيف إلى الحد الأقصى من أضرار الهجمات الإسرائيلية المتتالية فضلاً عن استغلال علاقات موسكو بتل أبيب لممارسة ضغوط على الأخيرة لوقف اعتداءاتها أو تخفيفها بالحد الأدنى
هنالك الباحثين والمحللين من يقول ان أي رد سوري قد يؤدي إلى حربٍ إقليمية والصمت ومحاولة ابتلاع الصدمة وعدم الوقوع في مِصيدة الاستفزازات الإسرائيليّة قد يؤدي إلى التمادي في العدوان ويبدو ان الروس سعداء بمثل هذا التصعيد لأنه يستهدف وعلى نطاق أوسع المصالح الحيوية لإيران منافستهم الاقوى في سوريا وما تعبيرهم عن الصدمة وإدانتهم للهجوم الا مجرد مناورة إعلامية لا أكثر باعتبار أن الهدف كان هذه المرة مختلف ونوعي بامتياز مقابل كل ذلك يجب الا ننسى ان موسكو يجمعها تحالف استراتيجي مع الدولة العبرية منذ زمن بعيد ولا يمكنها التضحية به من اجل مصالح دمشق وامنها
الحقيقة ان ما يجري في سوريا اليوم ليسَ إلَّا تمهيد صهيو أميركي لتشديد الحصار على الشعب السوري وإقفال كافة المنافذ التي من الممكن أن يستفيد منها ولهذا المطلوب من كل عربي حر شريف التنديد بالموقف الروسي المضلل والمتخاذل والمطالبة بتصحيحه والتخلي عن الحياد والصمت لان استمرار التواطؤ مع تل ابيب سيجر علي روسيا الخراب والوبال
اليوم يجب أن نسأل أنفسنا ماذا بعد ميناء اللاذقية ومطار دمشق هل هو سيكون مطار حلب الدولي ام ما تبقى من منشأت لتوليد الطاقة والكهرباء ومصافي النفط الفارغة والبنى التحتية المتهالكة طالما ان المعتدي لم ينال عقابه الوافي فكل حجر في الأرض السورية سيكون هدف محتمل لعدوانه وارهابه
سوريا بلد عربي مسلم وامنه وسلامته ومستقبله يعنينا وقصف مطار دمشق اوجعنا واستفز عزتنا وكرامتنا الوطنية والقومية كما افجعتنا كل قطرة دم سورية سالت بعدوان صهيو أميركي أو تركي أو رجعي عربي
الصلف الإسرائيلي تجاوز حدود الصبر والسكين وصلت العظم وسياسة ضبط النفس باتت تعطي نتائج عكسية وقصف مطار دمشق لا يوازيه سوى استهداف مطار بن غوريون في تل أبيب وإخراجه عن الخدمة الكاملة وأي كلام غير ذلك سيبقى هراء بهراء لا جدوى منه ولا فائدة
mahdimu.barak@gmail.com