ثغرات وأخطاء أدت لـ”حادثة العقبة”
العقبة – كشفت “حادثة الغاز” التي وقعت الاثنين الماضي على رصيف (4) في ميناء العقبة، إثر سقوط صهريج محمل بـ20 طنا من مادة الكلورين السام أثناء رفعه على احدى البواخر، عن ثغرات في عمليات تشغيل الميناء وأخطاء في التعامل مع تلك المواد الخطرة، وفق مصدر مطلع.
وأشار المصدر لـ “الغد”، إلى أن عنصر السلامة العامة والصحة المهنية والأمن يفتقر الى المتابعة، وهناك ثغرات لو تم متابعتها أولاً بأول الى جانب أخطاء بسيطة، كان من الممكن أن تكون طوق نجاة في الحادثة الأخيرة.
وأضافت ان “الحبال الخاصة التي استخدمت لرفع الصهريج على الباخرة هي صناعة محلية، أي تصنع داخل الميناء وبجهود الكوادر والعمال”، مؤكدين أن “الرافعة لم تكن سبباً في سقوط الصهريج، إذ إن قدرتها تصل الى رفع 100 طن، بينما الصهريج وزنه 20 طنا”.
وبين المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه وهو خبير مينائي ان “عملية الرفع لا يجب أن تكون بتلك الطريقة”، مؤكداً أن “الآليات التي تستخدم لرفع تلك المواد وخاصة من الرصيف الى الباخرة يجب ان تكون من نوع ( Gantry Crane ) وهي نوع من الرافعة القنطرية العامة، تقوم بتركيب عربتين من نفس الحمولة أو حمولة مماثلة على جسر الرافعة، ويستخدم جهاز الجلب الخاص بها جهاز ربط وفقا لتشغيل العربة، وليس رافعة أرضية، لسبب انه عند عملية الرفع يتأرجح الصهريج ولن يسيطر عليه من قبل مشغل الرافعة التقليدية”.
واضاف المصدر، “الحبال الحديدية التي رفعت الصهريج غير مؤهلة وغير قادرة على رفع حمل يزيد على 10 أطنان”، مؤكداً ان “جميع العمال والكوادر الذين يتعاملون مع تلك المواد غير خاضعين لدورات تؤهلهم للتعامل مع تلك المواد الخطرة، وأن أغلب الكوادر لا تعلم عن وجود المواد الخطرة وكيفية التعامل معها”.
من جهته، بين الرئيس التنفيذي لشركة تطوير العقبة السابق المهندس غسان غانم ان الموانئ تفتقر الى ادارة التشغيل، مؤكداً ان “الميناء” يجب ان تتابع الفراغات الموجودة والثغرات الخاصة بالسلامة العامة والصحة المهنية والامن، وان تراقب تلك الجهات باستمرار من قبل ادارة الميناء والجهات المسؤولة عن سلامة الارواح في البحار والموانئ وتطبيق اعلى معايير السلامة العامة.
وبين غانم انه عند بناء الميناء بأرصفته المختلفة لم يخصص رصيف للمواد الخطرة وانما هي عند طلب استخدام إحدى الارصفة لتلك المواد تقوم ادارة الميناء بتجهيز الرصيف من معدات مؤهلة ولجنة أمنية وسلامة عامة متخصصة ويتم عليه مناولة البضائع والمواد الخطرة.
بدورهم، جدد عاملون في ميناء العقبة وعلى أرصفته المختلفة تأكيدهم لـ”الغد”، عدم وجود عناصر السلامة العامة والصحة المهنية خلال تحميل وتنزيل ومناولة البضائع والسلع المختلفة وخاصة المواد الخطرة”، موضحين ان المواد الخطرة والتي جرى تحميلها في مرات سابقة ليس لها رصيف خاص، وان الرصيف الذي تجري فيه عمليات المناولة فاقد الأهلية من حيث تحميل وتنزيل تلك المواد.
وقال العاملون، اتضحت المعالم بعدم وجود سلامة عامة من تلك الأحبال المهترئة والتي مضى عليها سنوات ولم تتغير، مؤكدين أن لطف الله تجمل بعدم امتداد الفاجعة الى الارصفة الاخرى القريبة والتي تعج بالمواد النفطية والغازية سريعة الاشتعال.
في سياق متصل، أكد مصدر مينائي بحري مختص بعلوم البحار والأحياء الدقيقة بالعقبة انه “لا وجود لتأثير غاز الكلورين السائل على الحياة البحرية والتنوع البحري في خليج العقبة بعد الحادث الأليم”.
وبين المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه لـ “الغد”، ان “جزءا من غاز الكلورين سقط في البحر وتحول الى غاز نتيجة تفاعله مع الأملاح والمواد الذائبة بالبحر وبالتالي فان تأثير الكلورين على الحياة البحرية والتنوع الحيوي والبيئة البحرية يكاد يكون معدوماً بسبب أن الغاز في البحر ومع التيارات البحرية يقل تركيزه وان كان هناك تأثير فيكون مكانيا ولحظيا”.
وأوضح ذات المصدر، ان “المنطقة التي سقط فيها الغاز السائل تعد منطقة صناعات ومرور للبواخر والحركات المينائية ولا توجد هناك حياة بحرية وتبتعد الاسماك عن مكان تلك العمليات”، مؤكداً ان “الغاز يسقط لأول مرة في البحر لذا لا تأثير مباشرا أو على المدى البعيد على التنوع الحيوي في البحر وخاصة الثروة السمكية”.
من جهته، استبعد مدير مركز المياه والبيئة في الجامعة الهاشمية الدكتور ضياء الروسان، أن تتأثر البيئة البحرية من حادثة تسرب الغاز في ميناء العقبة، مؤكدا ان البيئة البحرية في العقبة مميزة ولها خصوصية لأنها تحتوي على مجموعة من الكائنات البحرية المختلفة.
وأضاف الروسان في تصريحات صحفية أن كمية غاز الكلور الذي تسربت في العقبة بمجرد دخولها الماء ستتحلل وتنشط لتشكل كتلة ملحية داخل مياه البحر فقط لا غير، مبينا أن نفوق بعض الأسماك لا يشكل خطرا على باقي البيئة البحرية في حال حدوثها، لافتا أن السلطات المعنية في الأردن اتخذت إجراءات صارمة عقب حادثة ميناء بيروت، حيث تم تحديد مربعات خطرة لبعض المواد الكيماوية التي يجب أن لا تخزن لمدة طويلة.
بدوره، قال أمين عام وزارة البيئة الدكتور محمد الخشاشنة إن حادثة تسرب غاز الكلورين بالعقبة، كان لها أثر محدود على الحياة البحرية في شاطئ العقبة.
وأضاف أن التأثير كان محدوداً جداً، كون تسرب الغاز كان عالياً في منطقة بحرية ضيقة، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يؤثر على مياه العقبة بشكل عام أو الأسماك، كون غاز الكلورين يستخدم أيضاً في تنقية المياه ولكن بنسب محددة وليست عالية.
وأوضح أن نوعية الهواء كانت ممتازة بالعقبة بعد 3 ساعات من الحادثة، مشيراً إلى عدم وجود أي أثر بيئي حالياً من تسرب الغاز الذي حدث في ميناء العقبة.
في ذات الشأن يتساءل مواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن مدى تأثير غاز الكلورين على الحياة البحرية والثروة السمكية، معتبرين انه لا يوجد اي مختص او مسؤول وضح تلك المسألة.
ويُعرف الغاز الأصفر بغاز الكلورين، وهو غاز سام وقاتل إذا تم استنشاقه بتراكيز معينة، وله رائحة مميزة تشبه رائحة المادة المبيِّضة، وهو أثقل من الهواء بثلاثة أضعاف تقريبا، وبذلك فهو يتجمع في المناطق المنخفضة، وهو غير قابل للانفجار، إلا أنه قد يعزِّز الانفجار للمواد الأخرى.
على الرغم من سمية هذا الغاز، إلا أن الإنسان استطاع تطويعه، وجعله مفيدًا وله استخدامات متعددة ومتنوعة، حيث يستخدم بشكل أساسي في تعقيم مياه الشرب؛ وكذلك تعقيم مياه المسابح حيث يعد الكلور فعالا في القضاء على الكثير من أنواع البكتريا ويستخدم في المنتجات الصناعية والبلاستيكية حيث تم استخدامه كعامل مبيّض خلال تصنيع الأقمشة والورق بالاضافة الى انه يستخدم في صناعة المبيدات الحشرية والدهانات والبوليميرات والمطاط والمواد المطهرة. الى جانب استخدامه خلال الحروب العالمية كسلاح قاتل يسبب الاختناق، ويعتبر غاز الكلورين عنصرا وسيطا لتحضير العديد من المنتجات الكيميائية المستخدمة في الصناعات مثل الكلورات والكلوروفورم؛ وكذلك غاز رابع كلوريد الكربون.
ويؤثر غاز الكلورين بشكل خطير على تنفس الكائنات الحية؛ حيث إنه قادر على التفاعل مع مياه الرئتين لتشكيل حمض الهيدروكلوريك السام الذي يدمر خلايا ونسج الرئتين مؤديًا للوفاة، وعند استنشاق الغاز تظهر أعراض التخرش على الأغشية المخاطية بسرعة، رغم وجود آثار متأخرة على الرئتين، وتعتمد شدة التأثيرات عند التعرّض له على التركيز وعلى مدة التعرض.
ويتحلل غاز الكلورين في الماء، وقد يسبب ضررا للأحياء المائية إذا كان بتراكيز عالية، لكن في حال تسرب كمية محدودة منه في البحر، فإن التأثير يكون محدودا على الأحياء الموجودة في مكان التسرب.
كما أن تحلله وانتشاره في الهواء سريع، ويمكن تطهيره بسهولة من التربة والأسطح، لهذا فهو على الأرجح لا يسبب مشكلة بيئية طويلة الأمد في مكان التسرب.
أحمد الرواشدة/ الغد
التعليقات مغلقة.