تغريدة أبو عبيدة التكتيك والتوقيت !
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد اللهمساء الإثنين الماضي 27 / 6 / 2022 أثار الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أبو عبيدة حالة عامة من الارتباك والغموض والتشكيك في مختلف الأوساط السياسية بتل أبيب قلبت كيان الاحتلال رأسا على عقب بعدما أعلن في تغريدته المقتضبة على قناته بتطبيق تليغرام عن تدهورٍ طرأ على صحة أحد أسرى الاحتلال المعتقلين لدى الكتائب دون تقديم أي تفاصيل أخرى أو الكشف عن اسم أو عن حالة هذا الأسير
معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية وصفت التغريدة بالخطوة الاستفزازية المفاجئة والاستثنائية بعدما أعلنت الكتائب انها ستنشر خلال الساعات القادمة بإذن الله ما يؤكد ذلك وهو ما ترك الحكومة الإسرائيلية واقفة على قدم واحدة في وضع مقلق ومرهق من الجدل والتكهنات والترقب فيما طلب من الوزراء ووسائل الاعلام عدم التعليق على التصريح بحجة انه لا يمكن الوثوق بمعلومات تنشرها حماس
تأكيدا على صحة إعلانها وتحقيقا للوعد الصادق واستكمالا لنهج الوضوح والمكاشفة وفي سابقة هي الأولى من نوعها عرضت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس مساء اليوم التالي للتغريدة مشاهد مصورة للأسير هشام السيد 34 عام ( فلسطيني يحمل الجنسية الاسرائيلية سكان قرية الحورة بالنقب ) والذي كان قد وقع بالأسر بعد أن دخل إلى قطاع غزة في 20 نيسان 2015عبر ثغرة في السياج الفاصل بين إسرائيل وشمالي القطاع
ظهر الأسير السيد في مقطع فيديو مدته 39 ثانية مستلقيا على سرير وهو يضع قناع تنفس تم وصله بأنبوبة أكسجين كما تم ربط ذراعه اليسرى بمصل سائل عبر القسطرة الوريدية كما استعرض المقطع بطاقة الهوية الخاصة به في حين تدعي إسرائيل انه مواطن إسرائيلي مدني مصاب بمرض نفسي مزمن وقد عبر الحدود إلى قطاع غزة عدة مرات قبل أسره وقد شكك وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس بمصداقية الفيديو الذي بثته حماس وقال إنه يهدف إلى الابتزاز والضغط على عائلات المحتجزين لكي تضغط بدورهما على الحكومة لحملها على تقديم تنازلات في المفاوضات غير المباشرة الجارية بين الطرفين
إسرائيل حاولت التقليل من الإعلان واعتبرته جزءًا من حرب نفسية تخوضها حماس ضدها لكن وفي ذات السياق سارع مسؤولين عن ملف الأسرى والمفقودين الإسرائيليين الى اجراء اتصالات مع مسؤولين كبار في جهاز المخابرات المصرية بشأن إعلان كتائب القسام عن تدهور صحة أسير إسرائيلي لديها حيث طلبت إسرائيل من مصر محاولة الحصول على إيضاحات حقيقية من حركة حماس حول مصير أسراها خاصة بعد هذا الإعلان الذي وصفته بالمقلق
تحتفظ حماس بالجنديين الإسرائيليين أورون شاؤول وهدار غولدين بعد أسرهما خلال حرب صيف 2014 دون أن تكشف بشكل رسمي إن كانوا أحياء أم أموات فيما تقول إسرائيل إنهما قُتلا وتحتفظ الحركة برفاتهما كما تعتقل إسرائيليَين هما أبرا منغستو وهشام السيد بعدما دخلا إلى القطاع بطرق مختلفة أحدهما عبر الشريط الحدودي، شمالي القطاع مشياً على الأقدام فيما يعتقد أن الآخر تم استدراجه حيث تقول تل أبيب إنهما مدنيان ولا تعترف بأنهما خدما في صفوف الجيش رغم ابراز الحركة لهويتهما العسكرية
لا يوجد حتى الآن رقم متفق عليه يحدد أعداد أسرى الاحتلال لدى حماس إذ أن القسام ترفض الكشف عن عدد أو مصير الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها وتشترط من أجل البدء في مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال لعقد صفقة تبادل جديدة للأسرى إفراج الاحتلال عن كافة الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار ( صفقة شاليط ) ممن أعاد الاحتلال اعتقالهم مرة أخرى وعدم تكرار ذلك في المستقبل
اعلان القسام الذي صدر قبيل نشرات الأخبار العبرية الرئيسية بقليل والذي تزامن مع الذكرى الثامنة لعملية الجرف الصامد عام 2014 لم يكن مجرد صدفة بل هو أسلوب حربي منظم وجزء مهم من الحرب النفسية طويلة الأمد التي تشنها حماس ضد إسرائيل حيث تصدر الخبر وسائل الإعلام الإسرائيلية ونشرات أخبارها وقلب الأجندة السياسية لحكومة الاحتلال المشغولة في هذه الفترة بزيارة الرئيس الأمريكي المرتقبة لإسرائيل والحديث عن تشكيل حلف أمني على غرار الناتو في الشرق الأوسط بمشاركة دول خليجية وعربية
كيان الاحتلال الإسرائيلي بسياساته الهلامية لا يزال يماطل في ملف التبادل ولا يريد أن يعيد أسراه من القطاع وهو غير مستعد لدفع ثمن حريتهم كما انه يروج لمقتل الأسيرين الضابط والجندي خلال عمليتي الأسر وقد حاول أكثر من مرة ربط ملف جنوده الأسرى لدى المقاومة بإعمار قطاع غزة ورفع الحصار عنه إلا أن ذلك رفض كليا وقدمت الحركة عبر الوسطاء خارطة طريق واضحة لإتمام صفقة تبادل الأسرى حيث كان من ضمن أولوياتها اطلاق سراح أصحاب الأحكام العالية والمرضى
عدد من المحللين والخبراء وجدوا ان تصريح حماس في هذ التوقيت الدقيق والحساس جاء بهدف التعجيل بعقد صفقة تبادل من قبل الحكومة الإسرائيلية التي دعت إلى حل الكنيست وإجراء انتخابات هي الخامسة دون حسم وربما تكون هذه فرصة حقيقية للمضي قدما في إنهاء هذا الملف العالق منذ عام 2014 حيث تعلم حماس جيدا بأن تحالف نفتالي بينت ويائير لبيد المتهالك بحاجة إلى تحقيق إنجاز داخلي يخدمهما في الانتخابات من أجل إغلاق الطريق أمام عودة بنيامين نتنياهو من جديد إلى رئاسة الحكومة وسيطرته على الكنيست
البعض الاخر اعتبر ان ذلك يأتي في إطار التكتيك العملي المسبق لخبر ربما يكون متوقع في حال وفاة هذا الأسير بسبب تدهور حالته الصحية وبالتالي تحميل الاحتلال المسؤولية عن وفاته بسبب عدم قناعته وجديته بالذهاب إلى صفقة تبادل جديدة للأسرى خاصة بعدما صرح مؤخرا انه لا يعترف بأي تغيير طرأ على صحة الاسرى
في المقابل بدأت مجموعات من النشطاء الإسرائيليين المهتمين بمساندة الاسرى الإسرائيليين وعائلاتهم بمطالبة الحكومة بتزويدهم بمعلومات موثوقة وواضحة لا لبس فيها فيما يتعلق بحالة الأسرى لدى حماس وعدم الاكتفاء بالتقييمات والتخمينات وخاصة فيما يتعلق بالأسير أفيرا منغستو الذي تتعمد اسرائيل إهماله وعدم المطالبة بإعادته من خلال الوسطاء لأسباب عنصرية بحتة كونه أسود البشرة ومن أصول إثيوبية كما طالبوا حكومتهم بأخذ رسالة القسام على محمل الجد وتحريك مياه هذا الملف قبل فوات الأوان وموت الجنود فيما وجهت عائلات الجنود التي ساد القلق بينها نيران انتقاداتها تجاه الحكومة واتهمتها بالتفريط بجنودها والخوف من حماس
كتائب القسام تسعى بكل ما لديها من أدوات وخيارات لتحرير الأسرى في سجون الاحتلال وإجبار الاحتلال على صفقة تبادل جديدة رغم عدم اعترافه حتى اليوم بمصير أسراه لكي يتم التوصل لاتفاق بعدما خاضتا حماس وإسرائيل مفاوضات غير مباشرة برعاية مصرية لأكثر من مرة دون حصول أي تقدم حقيقي في هذا الملف
في أكثر من تصريح لمسؤول ملف الأسرى في حركة حماس زاهر جبارين أعلن فيها بكل مسؤولية وإصرار ان أسري الاحتلال الذين تحتجزهم الكتائب لن يعودوا إلى أهاليهم قبل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابلهم من سجون الاحتلال
تل أبيب تعتبر مطالب حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 غير مقبولة وذات كلفة عالية وأنه لا يمكن الإفراج عن أسرى ملطخة أيديهم بدماء الإسرائيليين وفق الوصف الإسرائيلي بينما المقاومة متشبثة بمطالبها وشروطها ومن أهمها الإفراج عن الأسرى الذين أعيد اعتقالهم بعد صفقة الجندي جلعاد شاليط عام 2011 والتي صادف ذكرى أسره قبل أيام قليلة
منذ عدوان 2014 حاولت حماس في مرتين على الأقل خطف جنود إسرائيليين كان آخرها في عملية عبر نفق على الحدود الشرقية لخانيونس جنوب قطاع غزة خلال معركة سيف القدس حارس الأسوار إلا أن تلك العملية كما كشفت كتائب القسام على لسان القيادي البارز فيها محمد السنوار خلال مقابلة متلفزة له أنه لم يكتب لها النجاح فيما تبين أن الاحتلال قصف تلك المجموعة داخل النفق واستشهد جميع عناصرها
حتى تاريخ 30 حزيران الماضي بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نحو 4 آلاف و850 أسيراً بينهم 41 أسيرة و225 طفلاً و540 معتقلاً إدارياً وفق مؤسسات مختصة بشؤون الأسرى
توقيت التصريح الحمساوي له علاقة مباشرة بأزمة النظام السياسي الإسرائيلي في ظل وجود حالة ارباك وصراع بين المعارضة والحكومة والاضطرار للذهاب الى انتخابات خامسة وهو رسالة من المقاومة ذات طابع تحريضي لذوي الأسرى المحتجزين لدى المقاومة للتحرك في مستوى أوسع ورفع صوتهم تجاه الحكومة للمطالبة بمعرفة المزيد عن أوضاع أبنائهم
التصريح بهذه الطريقة كان خطوة ذكية من المقاومة في ظل التباطؤ الإسرائيلي في ملف الاسرى والامتناع عن التوصل الى صفقة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مقابل أسري فلسطينيين وعدم اعتراف القيادة العسكرية والأمنية لدى الاحتلال بوجود أسرى أحياء خاصة الذين أُسروا في معركة العصف المأكول وان إعلان تدهور الحالة الصحية لأي من الأسرى له تداعيات على الشارع الإسرائيلي وسيخلط الأوراق بين الأحزاب الإسرائيلية لأنه يعتبر فضيحة إعلامية للحكومة والسياسيين الإسرائيليين خاصة بعدما شنت وسائل الأعلام حرب انتقادات واسعة على القادة والمسؤولين لتجاهلهم هذا الملف الخطير
بهذه التغريدة الصغيرة عن تدهورٍ طرأ على صحة أحد أسرى إسرائيليين لدى كتائب القسام قلب أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام إسرائيل رأسًا على عقب وأشعل النار في أركانها ووضعها أمام موقف محرج للغاية بعد أن فتح أخطر وأهم الملفات الحساسة العالقة منذ سنوات
معلوم ان إسرائيل دائما كانت تحاول إخفاء وتجاهل قضية اسراها نظرا لخطورتها والأثمان التي قد تدفعها مقابل تسويتها في ظل مواقف المقاومة الثابتة التي تتمسك بشروطها حتى هذه اللحظة بانه لن تتم أي صفقة إلا إذا كانت مشرفة ومرضية للشعب الفلسطيني وأن المقاومة التي أبدعت في إنجاز صفقة وفاء الأحرار سابقا قادرة اليوم وهي قابضة على زناد البندقية أن تفرض صفقة أحرارٍ جديدة بشروطها الكاملة
mahdimubarak@gmail.com