لماذا لا يجتمع المعترضون على رأي واحد؟
جهاد المومني
اغرب ما في المعارضة الخارجية الاردنية – او ما تسمى كذلك – انها تختلف عن اي معارضة خارجية لأي نظام في العالم، فهي ليست مبعدة ولا مطرودة ولا ممنوعة من العودة الى الاردن، ولا يوجد بحق اي من نشطائها طلبات جلب او قرارات حكم وقضايا في المحاكم الا ما تعلق منها بحقوق أشخاص آخرين.
معارضة او مجموعة معترضين لكل منهم حكايته الخاصة، ولا تجمعهم مصلحة الا في نقل الاشاعات والمعلومات التي ثبت انها تصلهم من مصادر داخل مطابخ مؤسسات الدولة من اشخاص غاضبين لكنهم يتمسكون بوظائفهم التي يعتاشون منها برواتب من خزينة الدولة ولديهم نزعة انتقامية لاسباب مختلفة، الا انهم وحرصاً على استمرار حصولهم على مكاسبهم الوظيفية يتركون امر الاساءة للدولة لغيرهم.
المصلحة التي تجمع المعترضين خارج الاردن وهي بنفس الوقت محل تنافس بينهم، تتمحور حول القدرة على كيل الشتائم للنظام الحاكم وللعائلة المالكة وبطبيعة الحال للحكومات والبرلمانات ولكل مسؤول في الدولة الاردنية، اما على الصعيد السياسي فليس من بينهم حزبي او مفكر او كاتب او عضو في جمعية سياسية، وليس لأي منهم برنامج سياسي لمستقبل الاردن.
معارضة من مجموعة معترضين لا يلتقون ولا يجتمعون، وليس بينهم رابط غير الاتصالات الهاتفية حسبما تفيد بعض فيديوهاتهم وبحسب معرفتي الشخصية باغلبهم، يتوزعون في عدة دول وجميعها دول صديقة للاردن وتدين بالاحترام والتقدير لجلالة الملك وللنظام الهاشمي منذ قيام الدولة الاردنية والى اليوم، لكن الديمقراطية حيث يقيمون تتيح لهم فرصة الاستمتاع باطلاق الفيديوهات المسيئة بلا رقيب ولا حسيب ولا تستطيع السلطات هناك منعهم من قول ما يريدون، الا اذا تعلق الامر باسرائيل وباليهود على وجه الخصوص، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يتحاشى المعارضون العرب عموماً الاساءة لاسرائيل وللمنظمات الصهيونية واللوبيات التي تدار من اسرائيل المعادية لبلدانهم لا تصريحاً ولا تلميحاً، لكن مؤسسة الحكم والقوانين هناك تسمح لهم بالاساءة لحكومات بلادهم بل وحتى بشتم الاشخاص وانتهاك مبدأ الخصوصية وحقوق الآخرين المقدسة في دساتيرهم..
ما من فرصة لأي معارض او معترض اردني يقيم خارج الاردن بفعل الشيء نفسه في اي بلد عربي، ولن يكون بمقدور اي منهم كيل الشتائم لملك الاردن لانه لا يوجد نظام عربي واحد يسمح له بذلك بالنظر الى الاحترام الذي يحظى بها ملك الاردن والعائلة المالكة في جميع الدول العربية، ربما ليس محبة بنا، وانما لاننا بلد لا يسمح بالاساءة للآخرين انطلاقاً من الاردن.
معارضة الخارج لا تنافس المعارضة الداخلية ولا تتفوق عليها، فكل الذي يقال في الخارج يقال في الداخل ولا تعلق المشانق لمن يقوله داخل الوطن، ما يتفوق فيه بعض المعترضين هو مستوى الشتائم ونبرة الصوت، اما من حيث الحجج وقوة الانتقاد والشجاعة فلدينا في الداخل معترضين غاضبين يقولون كل شيء تقريباً، ولكل اسبابه الموجبة واوجاعة الملتهبة واحتياجاته الملحة التي كثيراً ما تتفهمها الدولة وتلبيها لصاحبها فتنتهي الغضبة عند هذا الحد.
احد الصحفيين حاول ان يحصل على لجوء سياسي في دولة ديمقراطية فتم رد طلبه ولم يقبل، وقد اعترف لي بعظمة لسانه ان طلبه باللجوء السياسي لم يقبل وقد تسلم جواباً خطياً بذلك مفاده الاعتذار عن قبول الطلب لان الاردن لا يضطهد الصحفيين المعارضين ولا يزج بهم في السجون وبالتالي فان شروط اللجوء السياسي لا تنطبق على اي اردني يدعي انه يتعرض للملاحقة والاضطهاد لدرجة تهدد حياته وحياة عائلته.
من فهمنا للمعارضة كفعل نستطيع تعريف المعارض على انه مواطن يسعى الى الاصلاح والتغيير لما هو افضل من وجهة نظره، والمعارض قد يعارض منفردا او ضمن احزاب سياسية تعمل في العلن وتحت ضوء الشمس، وفي الحالتين كفل له الدستور حق التعبير عن رفضه للقرارات والسياسات الخاطئة وبطرق وادوات حضارية ديمقراطية مشروعة.
تقول المادة 15 من الدستور : (تكفل الدولة حرية الرأي ولكل اردني ان يعبر بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط الا يتجاوز حدود القانون ).
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا يشكل المعارضون والمعترضون والغاضبون أطراً او احزابا سياسية، او لماذا لا ينضمون للاحزاب القائمة ويمارسون اعتراضهم من هناك، وقبل هذا كله لماذا لا يجتمعون معاً ويعملون معاً ويكون لهم متحدث باسمهم؟
ثمة رأي يقول ان الاعتراض الذي يختلف حتما عن المعارضة الوطنية المنضبطة المؤثرة يعني بالضرورة تقديم الشخص لنفسه على اي اطار آخر بل انه يخوض منافسة مع غيره من المعترضين ويفضل الانفراد بالشهرة على ان يتقاسمها مع غيره، وفي هذه الحالة فالاحزاب مرفوضة بالنسبة له لأنها لا تسمح بالنجومية الشخصية من جهة ولا بالخروج على الدستور من جهة ثالثة، وتلزم العضو بادبيات معارضة أخلاقية وقانونية ومشروعة من جهة ثالثة، ولذلك لا احد من المعترضين يفكر بالانضمام اليها، رغم انها الطريق الديمقراطي الوحيد نحو التغيير وتولي السلطة التنفيذية، فالهدف بالنسبة لمن يعترض ليس تولي السلطة لانه غير قادر على ذلك، وانما التشويش على السلطة القائمة.
بقلم / جهاد المومني