الأردنيون والأحزاب // د . رياض خليف الشديفات
لعقود طويلة كان العمل الحزبي من الممنوعات في الأردن، وكان العمل الحزبي يشبه العدوى التي يمنع الناس من الاقتراب منه، وقد مارست الجهات الحكومية والتنفيذية تضييقاً غير محدود على الأحزاب والحزبيين مما جعل المجتمع الأردني يعزف عنها ويبحث عن بدائل أخرى للتعبير عن مواقفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من القضايا المتعلقة بالشأن العام. وبين عشية وضحاها تتحول ذات الجهات المانعة للعمل الحزبي والمضيقة عليه إلى داعية ومؤيدة ومرحبة به، وتنشط في تكثيف البرامج واللقاءات والحوارات والنشاطات التي تدعو إلى الانخراط في الأحزاب كما تدعو إلى دمج الأحزاب الصغيرة ضمن الأحزاب الكبير التي تشترك معها في الرؤى والبرامج، ولا شك أن العمل الحزبي في البلاد الراشدة ديمقراطياً ساهم في استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي التعبير عن مواقفها بصورة واقعية وعملية بغض النظر عن موقفك الشخصي والفكري منها ، ومن المفيد الاستفادة من تجارب تلك المجتمعات مع المحافظة على الخصوصية الأردنية. ونظراً للريبة التي يخشاها المجتمع بسبب تجاربه المريرة مع السياسات والحكومات عبر عقود طويلة من غياب البرامج والرؤى وسوء الإدارة العامة التي أوصلت البلاد والعباد إلى الحالة الراهنة من الوهن السياسي والاجتماعي والاقتصادي أضع بعض الملاحظات التي قد تسهم في بيان ما يريده المواطن الأردني، ومن هذه الملاحظات الآتي: – المطلوب أحزاب وطنية ذات مرجعيات عربية إسلامية تعبر عن هوية المجتمع وثقافته وتحافظ على ما تبقى من منظومة القيم التي تآكلت بفعل سياسات التغريب والتوجيه والتعبية للجهات التي تستهدف ثقافة المجتمع وقيمه لحساب الآخر. – المطلوب أحزاب ذات برامج واضحة لكل المجتمع الأردني في كل مجالات الشأن العام تتنافس فيما بينها لخدمة المجتمع والنهوض بواقعة المأسوي من غير ملمعات ومحسنات لهذا أو لذلك، وليس المطلوب نسخ وتكرار المجرب واستنساخ تجارب ثبت فشلها. – ليس المطلوب حزب دولة يوجه من هنا وهناك وينفذ توجيهات وبرامج لا تسهم إلا في المزيد من التراجع، وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على أن البرامج القابلة للتنفيذ هي المطلوب، وليس توفير الغطاء لبعض الشخصيات النافذة في الشأن العام كما هو واقع الحال فيمن فشل في العمل يعاد برمجته ليعود مرة ثانية باسم الحزبية والتغيير والحداثة وغيرها من العناوين التي يعرفها المجتمع الأردني. – ليس المطلوب وجود أحزاب تكون بديلاً عن العشائرية المحافظة على الصلات والنسيج الاجتماعي المحافظ؛ بل المطلوب أحزاب ذات برامج تنهض بالمجتمع، فالعشائرية حاضنات اجتماعية لتقوية الصلات والعلاقات ضمن مجتمع أكبر يؤمن بالعلم والبرامج والخطط، فالقوانين التي تحمي النسيج الاجتماعي غاية نبيلة في ظل تراجع الأدوار الاجتماعية والأسرية ضمن عالم يموج بالمتغيرات والصراعات. – لا بد من التأكيد على أن المجتمع الأردني مجتمع فتي ولًادٌ للنخب والكفاءات إذا اتيحت له الفرص الحقيقية، وليست الفرص الشكلية التي يراد منها تلميع الصورة أمام الخارج والآخر ، ولا وصاية لأحد على العقول والكفاءات الأردنية إن أعطيت حقها في التفكير والإبداع يمكنها فعل ما يفوق خيال محتكري الخبرة والسلطة . – المطلوب العدالة في التعامل مع الأحزاب وإتاحة الفرص لكل الحزبيين المنافسة في توضيح برامجهم وإقناع الناس بخططهم ومدى إمكانية تنفيذها بعيداً عن الممارسات السابقة التي يعرفها المواطن الأردني. – وللإنصاف والنصيحة ما زال غالبية المجتمع الأردني يتوجس خيفة من الانخراط في الأحزاب لتجاربه السابقة مع العمل الحزبي ومشاركتها في العمل العام، والأيام كفيلة بمعرفة جدوى المشاركة من عدمها في ضوء مدى قدرتها في معالجة الخلل المتراكم…وإن غداً لناظره لقريب. والله المستعان.
التعليقات مغلقة.