بعد إقرار حميدتي بفشل “الانقلاب” إلى أين يمضي السودان؟
الخرطوم – بعد تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” والتي اعترف فيها بفشل أهداف الإجراءات التي اتخذت حين قرر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان تجميد كل بنود الوثيقة الدستورية ذات الصلة بالشراكة بين العسكر والمدنيين، محافل سودانية تتساءل الى أين تمضي البلاد.
جاءت تصريحات حميدتي المثيرة للجدل، خلال مقابلة بثتها “بي بي سي” (BBC) مساء الاثنين الماضي بعد أيام من إعلانه تأييد قرار قائد الجيش الانسحاب من العملية السياسية لإتاحة الفرصة أمام الأحزاب للتوافق فيما بينها بما يمهد لتكوين حكومة مدنية، على أن يتولى الجيش مجلسا أعلى للدفاع بصلاحيات سيادية.
تصريحات حميدتي تأتي كذلك على وقع الاحتجاجات المستمرة في شوارع السودان، والتي خلفت منذ إنطلاقها وتصدي أجهزة الأمن لها لسقوط 116 قتيلا وما لا يقل عن 4 آلاف مصاب، وفقا لإحصائيات لجان طبية.
كما فشلت عديد من مساعي الوسطاء الدوليين والمحليين لرأب الصدع بين العسكر وائتلاف الحرية والتغيير، الذي رفع سقف مطالبه بالدعوة لرحيل العسكر من السلطة وتسليمها كاملة للمدنيين، طارحا رؤية متكاملة أساسها “إنهاء الانقلاب” وفق إجراءات وترتيبات محددة، في وقت يقول فيه القادة العسكريون إنهم لن يسلموا الحكم إلا لحكومة توافق موسعة تحظي بإجماع شعبي واسع، وهو ما يبدو بعيد المنال حتى اللحظة.
بالعودة لتصريحات حميدتي المثيرة والتي تعكس لحد كبير حجم الهوة المسكوت عنها بينه وبين البرهان، فإن الرجل الذي يعد الثاني في تراتبية الحكم لم يتردد في وسم الإجراءات المنفذة قبل 10 أشهر بالفشل، قائلا “لم ننجح في التغيير لأسباب لن أتحدث عنها.. وعندما تفكر في تغيير، فمؤكد أن لديك هدفا ورؤية.. لكن للأسف الشديد لم يتم ما كان مخططا له وفشل الأمر.. والآن مضينا للأسوأ، على الرغم من وجود بعض الإيجابيات”.
والخطة والأهداف التي يعنيها حميدتي ربما كان مقصودا بها تعهدات البرهان التي أطلقها يوم 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عندما تحدث عن تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وتحقيق متطلبات العدالة والانتقال، وتشكيل مفوضية لوضع الدستور وأخرى للانتخابات ومجلس للقضاء العالي ومحكمة دستورية ومجلس نيابي. وحدد شهرا لإنجاز كل ذلك.
لكن أيا من تلك الوعود لم يتحقق بشكل فعلي، واستمرت البلاد بلا حكومة تنفيذية حتى الآن، كما لم يتم تحقيق العدالة، بل زادت الانتهاكات ضد المحتجين السلميين في حين ما تزال المؤسسات العدلية والنيابية معطلة.
علاوة على كل ذلك، ازدادت الأحوال سوءا، كما يقول حميدتي، الذي لم يحدد مقصده بالضبط، لكن المؤشرات تتحدث عن تراجع في الأحوال المعيشية مع استمرار موجات الغلاء وتنامي الانفلاتات الأمنية لا سيما في أقاليم دارفور والنيل الأزرق وشرق البلاد.
مناورة سياسية
ومن وجهة نظر القيادي في ائتلاف الحرية والتغيير عروة الصادق، فإن تصريحات حميدتي لا تعدو أن تكون “مناورة سياسية تجاه البرهان” لأن الخلاف بينهما وفقه خلاف مؤسسات، فقادة الجيش وعلى رأسهم المؤدلجون من الحركة والتنظيم يمارسون ضغوطا على قائد الجيش لإبعاد قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي وتحجيم دورها، في حين يحاول الأخير توسيع نفوذه على صعدٍ أهلية ودينية وجهوية.
ولا يستبعد القيادي أن تتصاعد وتيرة الخلاف بين الرجلين رغم محاولات احتوائها، الأمر الذي سيعقد المشهد أكثر مما هو عليه، لكنه سيمهد كما يقول الصادق لخروج العسكر الأبدي من العملية السياسية في السودان.-(وكالات)
التعليقات مغلقة.