عائلات قتلى عملية ميونخ والابتزاز الاسرائيلي
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد اللهتعتبر عملية ميونخ إحدى أكثر الأحداث المأساوية في تاريخ الرياضة الحديث وقد تم تنفيذها في وقبل ستة أيام من نهاية دورة الألعاب الأولمبية التي جرت في مدينة ميونخ الالمانية عام 1972حيث تمكن 8 عناصر منظمة أيلول الأسود الفلسطينية من التسلل إلى القرية الأولمبية ومهاجمة مقر إقامة الوفد الإسرائيلي في القرية الأولمبية واحتجاز 11 شخص من الفريق كرهائن
الفدائيون المهاجمون طالبوا وقتها بإطلاق سراح 236 أسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية بالإضافة الى ( كوزو أوكاموتو ) من الجيش الأحمر الياباني الذي شارك في تنفيذ عملية مطار اللد والألمانيين ( أندرياس بادر وأولريكي ماري ماينهوف ) مؤسسا جماعة الجيش الأحمر التي ارتبط اسمها بعدة عمليات في أوروبياً ) وكذللك اخلاء سبيل خمس ضباط سوريين أسرتهم إسرائيل مع ضابط لبناني عام 1972 واثناء عملية الاحتجاز تم تصفية رياضي ومدرب إسرائيلي قاوم المهاجمين واخر حاول الهروب
الشرطة الألمانية قامت على الفور بتطويق مقر الفريق الأولمبي الإسرائيلي وبدأت المفاوضات مع عناصر المنظمة ووزير الداخلية الألماني الذي عرض استبدال الرهائن الإسرائيليين بمسؤولين ألمان ولكن المنظمة رفضت طلبه كما رفضت العرض المالي الذي اقترحته السلطات الألمانية لأنهاء العملية
بعد مباحثات طويلة أجرتها الحكومة الألمانية ووسطاء اخرين تم الاتفاق على انتقال عناصر منظمة أيلول الأسود مع رهائنهم إلى مطار فورستفيلدبروك العسكري لاستقلال طائرة خاصة تنقلهم الى إلى القاهرة واثناء وجود الجميع على ارض المطار تدخلت قوات الشرطة الألمانية بشكل مباغت حيث تعرض عناصر المنظمة والرهائن لنيران القناصة ووقع تبادل لإطلاق النار انتهى بمذبحة أسفرت عن مقتل 18 شخص تسعة إسرائيليين وخمسة فلسطينيين وشرطي وقائد طائرة مروحية وألمانيين
بعد محاولة انقاذ الرهائن الفاشلة أوقفت الشرطة الفلسطينيين الثلاثة الذين بقوا على قيد الحياة ثم أطلقت سراحهم بعدما خطفت جماعة متعاطفة مع تنظيم ايلول الاسود طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا الألمانية كانت متوجهة من بيروت إلى ألمانيا الفدرالية عام 1972 للضغط على المانيا لأطلاق صراح الموقوفين لكن المخابرات الإسرائيلية وبتوجيهات مباشره من غولد مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك لاحقتهم واغتالتهم واحدا تلو الآخر بل واغتالت عدداً من المتعاونين معهم في التخطيط للعملية
عملية ميونخ نفذت للرد على عمليات الاغتيال والقصف الإسرائيلي المتواصل على قواعد الفدائيين في لبنان إضافة الى اغتيال إسرائيل للعديد من الشخصيات الفلسطينية البارزة والتي كان آخرها وقتها الصحفي والكاتب الشهير غسان كنفاني الذي اغتيل قبل العملية بشهرين فقط
بعد أكثر من نصف قرن على عملية أيلول الأسود في ألمانيا لا زالت عائلات ضحايا ميونيخ الـ 11 وبدعم من الحكومة الإسرائيلية تطالب ليبيا بعد اغتيال الرئيس القذافي عام 2011 بتعويضات مالية قدرها 110 ملايين دولار من الأموال الليبية المحتجزة لدى الأمم المتحدة حيث تدعي العائلات وفق تقرير أمني اشرف على اعداده ( غلعاد إردان ) وزير الأمن الداخلي السابق الذي أصبح لاحقا سفير لإسرائيل في الأمم المتحدة
الذي جاء فيه ان المسلحين الفلسطينيين تم تدريبهم في معسكرات خاصة على الأراضي الليبية وقد منح أحدهم جواز سفر ليبي مزور دخل بواسطته إلى ألمانيا وأضاف التقرير وأن الرئيس القذافي أشرف بشكل مباشر على تمويل العملية وتكفل بجميع نفقاتها ودفع تعويضات للقتلى كما منح مبلغ مالي كبير كهدية لرئيس منظمة التحرير ياسر عرفات تقدير ومكافأة على تلك العملية وبنا عليه وبحسب التقرير الاسرائيلي فإن من حق عائلات الضحايا الحصول على تعويضات من ليبيا لان الرئيس الراحل القذافي كان شريك للفلسطينيين في الهجوم المذكور
كما استشهدت هيئة المحامين اليهود المكلفة بالدفاع عن عائلات ضحايا ميونخ بالتعويضات المالية التي دفعتها ليبيا بقيادة القذافي عن حادثة طائرة لوكربي حين اعتذرت عام 2008 عن دورها بكارثة لوكربي التي قامت خلالها بإسقاط طائرة ركاب أميركية كانت في طريقها من لندن إلى نيويورك عام 1988 ثم دفعت تعويضات بقيمة 1.5 مليار دولار لـ270 عائلة من ضحاياها لكن ليبيا حتى اليوم لا تعترف باي دور لها في عملية ميونيخ
انظر الى الابتزاز الإسرائيلي بأبشع صورة وقذارته بالرغم أن ألمانيا تحملت مسؤولية قتل الرياضيين خلال محاولة تحريرهم وبعد وقت قصير من الهجوم دفعت تعويضات للعائلات على دفعتين مليون دولار في المرة الأولى و3 ملايين يورو في الثانية وفي عام 2002 دفعت الحكومة الألمانية أيضا 3 ملايين يورو أخرى كبادرة وصفتها حينها بالإنسانية بالنظر إلى علاقة ألمانيا الخاصة بإسرائيل لتجنب تقديم اعتذار رسمي
مع كل ذلك في عام 1994رفعت عائلات القتلى دعوى قضائية ضد الحكومة الألمانية تطالب بمبلغ أعلى بكثير بسبب أخطاء فادحة ارتكبتها الشرطة في الهجوم وتبعا لذلك رفض ممثلة أحد قتلي عملية ميونخ ( أنكي سبيتزر ) الناطقة باسم الضحايا وأرملة مدرب رياضة المبارزة الذي قُتل في بداية العملية الدعوة لحضور احياء الذكرى السنوية للحادثة وقالت من واجب الحكومة الألمانية قبول المسؤولية عن إخفاقاتها في الحدث وتعويض عائلات الضحايا بشكل مناسب وهو ما دفع السلطة في ولاية بافاريا الى الغاء الاحتفال بسبب استمرار تعثر المفاوضات بشأن التعويضات
صحيفة تاج شبيجل الألمانية كشفت مؤخرا اعتزام الحكومة الألمانية تقديم تعويضات اضافية جديدة تلبية لأسر القتلى الإسرائيليين حيث اكدت وزارة الداخلية في الحكومة الفيدرالية الألمانية إنها وبعد أن أجرت إعادة وتقويمٍ كامل وشامل للأحداث التي وقعت حينها تعتزم إلى جانب حكومة بافاريا ومجلس مدينة ميونيخ تقديم مبالغ مالية اضافية لعائلات الضحايا كتعويض عن العواقب الوخيمة التي تكبدوها
كما أشار الخبر الى أن المحادثات تجري على انفراد مع ممثلي أسر الضحايا إضافة إلى تشكل لجنة خاصة من المؤرخين الألمان والإسرائيليين لفحص وتقييم احداث العملية بشكل شامل ومع كل ذلك بقي المسؤولون الإسرائيليون يحثون ويحرضون العائلات على مطالبة ليبيا بتعويضات إضافية بقيمة 10 ملايين دولار لكل عائلة
في دورة الألعاب الأوليمبية التي جرت في لندن يوم 29 يونيو 2012 حاولت تل ابيب استثمار واستغلال الحدث العالمي لغايات ابتزاز اللجنة المنظمة الا انها رفضت جميع الممارسات والضغوط الاسرائيلية التي صاحبتها ضجة إعلامية واسعة من قبل إسرائيل لأقناع غير اليهود من المشاركين بتأييد الوقوف دقيقة صمت أثناء الحفل الافتتاحي تكريما للرياضيين الإسرائيليين الذين قتلوا في هجوم الألعاب الأوليمبية عام 1972 في مدينة ميونخ
التصرف الإسرائيلي بأسلوبه المستهجن طرح من جديد التساؤل حول دواعي السياسة الصهيونية الممنهجة لإعادة أحياء المسألة اليهودية وفق الرواية الصهيونية مع استمرار الكثير من اليهود في الحصول على نفوذ غير عادل في وسائل الإعلام ومجالات التجارة والسياسة والاطر الاكاديمية عبر تقديم وجهة نظر ورؤية واحدة فقط موالية لإسرائيل واليهود في المجتمع الدولي مقابل شيطنة وإسكات منتقديهم ومعارضيهم بصورة غير متسامحة ووصفهم بمعاداة السامية
في عام 2012 وبعد مرور أربعين عام على الحادثة كشفت الحكومة الاسرائيلية للمرة الأولى عن وثائقها السرية المتعلقة بعملية ميونخ والتي تحتوي على مئات الوثائق ومحاضر الاجتماعات للحكومة الاسرائيلية إضافة الى مشاورات الوزراء وجلسات لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست وتقارير وبرقيات المسؤولين حيث بينت جميعها وبشكل مؤكد ان العملية شهدت إخفاقا كبيرا في إدارتها من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي وبدون خطة عملية واضحة الى ان تعقدت فرص تحرير الرهائن وانتهت بمقتل 11 إسرائيليا وخمسة من المهاجمين
السؤال المتجدد هنا اذا كان مقتل 11 رياضي إسرائيلي يستدعي المطالبة بهذه التعويضات الهائلة فماذا عن الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بمساعدة الغرب وامريكا سأحدثكم عن بعض العمليات الاجرامية الاسرائيلية المشابه لما جرى في ميونخ الم ترسل إسرائيل فرقة اغتيال لقتل محمود المبحوح في دبي في يناير 2010 بمساعدة الولايات المتحدة ثم رفضت أية محاولات لفتح تحقيقات رسمية بهذا الخصوص ولم تقبل بأي قرار للإدانة مما أغضب الإمارات والدول الأخرى التي تأثرت بتلك العملية والتي انتُهكت فيها سيادتها القومية بصورة سافرة
ثم كم مرة قامت إسرائيل بمحاولات تخريب البرنامج النووي الإيراني على مر السنوات داخل ظهران وخارجها حين أرسلت ايضا فرق الاغتيالات المتخصصة والعملاء لقتل علماء الذرة الإيرانيين والذين كان اخرهم محسن فخري زاده في الوقت الذي تميز فيه تل ابيب نفسها بحصرية حيازة الأسلحة النووية في المنطقة وتهديد الأخرين باستخدامها
الجميع يعلم ان إسرائيل كانت وراء اغتيال ياسر عرفات بالسم عام 2004 كما أوردت وكالة رويترز في 21 يناير2006 وفي عام 2010 هاجمت القوات البحرية الإسرائيلية قوارب وسفن اسطول الحرية محملة بمساعدات إنسانية لقطاع غزة المحاصر الى مقتل 10 ناشطين أتراك بالإضافة إلى إصابة 60 آخرين
وفي عام 2013 قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو اعتذاراً رسمياً لنظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال مكالمة هاتفية على الهجوم واعترف بحدوث بعض الأخطاء العملية وتعهد بدفع التعويضات لأسر الضحايا مقابل الاتفاق على عدم ملاحقة أي جهة قد تكون مسؤولة عن الحادث قانونياً
وفي عملية اغتيال أخرى وقعت عام 1962 في ميونيخ الألمانية أوشك الناس على نسيانها حيث تم اغتيال هاينز كروج وهو عالم صواريخ ألماني غربي كان يعمل ضمن برنامج الصواريخ المصرية ولا يمكن ايضا نسيان الهجمات الدموية المتكررة على قطاع غزة وبعض مناطق الضفة العربية والتي أسفرت عن مصرع الالاف من المدنيين الفلسطينيين من النساء والأطفال فضلا عن تدمير الاف المنازل والبنية التحتية
ولا يخفى على احد ان إسرائيل كانت من خلال جهاز الموساد سيء الذكر والوحدات العسكرية الأخرى وراء اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة في عملية فردان ( أبو يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان ) وكذلك تفجرت مركبة القائد في حركة فتح أبو حسن على سلامة واغتيال خليل الوزير أبو جهاد في منزله بتونس وقصف حمامات الشط وتصفية المهندس يحيى عياش والقيادي عبد العزيز والشيخ أحمد ياسين أحد مؤسسي حركة حماس وأحد قادتها الروحيين واحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري وبهاء أبو العطا وتيسير الجعبري وخالد منصور من حركة الجهاد الإسلامي يضاف الى ذلك مئات الالف من الكوادر والنشطاء والنساء والشيوخ والأطفال في عشرات المجازر الوحشية المتكررة منذ عام 1948 حتى الساعة وبالطبع هناك الكثير من الأمثلة الأخرى التي لا يتسع المقال لذكرها
للأنصاف التاريخي وبعد مرور تلك السنين الطويلة نقول إذا كانت إسرائيل فعلاً تريد التعويضات عن قتلاها الـ 11 في عملية ميونخ من خلال عملية ابتزاز مكشوفة لألمانيا وليبيا فيجب عليها قبل ذلك أن تنظر إلى نفسها أولاً فيما يتعلق بالقتل والقمع الذي ارتكبته بوحشية ضد الفلسطينيين والآخرين على مر السنوات والأمر ذاته يمكن أن يقال إن غير اليهود يجب أن يدعموا محاكمة قادة إسرائيل النازيين الجدد الذين كانوا وراء تلك الجرائم والمجازر امام محكمة العدل الدولية حتى لا يكون هنالك افلات من العقاب
في محاولة لإرضاء ومصالحة عائلات قتلى ميونيخ الذين يسعون إلى مقاطعة مراسم الاحتفال بالذكرى الخمسين للهجوم على الأولمبياد في هذه العام يدرس رئيس ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير إمكانية القدوم إلى إسرائيل في الأيام المقبلة حيث من المتوقع أن يعلن تحمله المسؤولية علانية عن الإخفاقات في تصرف قوات الشرطة الألمانية التي ساهمت في نتائج حدوث الهجوم وفي ذات السياق لم يقرر رئيس الكيان الاسرائيلي يتسحاق هرتسوغ الذي سيزور ألمانيا مطلع شهر ايلول المقبل ما إذا كان سيشارك في مراسم الذكرى السنوية خلال زيارته للبوندستاغ ( البرلمان الاتحادي ) وبعد لقاءه الرئيس الألماني والمستشار أولاف شولتز
التحدي الكبير الذي يواجه اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأخرى في القرن الحادي والعشرين هو هل يمكنهم أن يوقفوا تأييدهم المطلق لقمع وقتل الآخرين أو تهديد وجود الآخرين في الوقت الذي يستمرون فيه بإخبار العالم بكذبهم التاريخي أن الآخرين يجب أن يتوقفوا عن قمعهم وقتلهم أو تهديد وجودهم وهيمنتهم
وبناء عليه وفيما إذا رغب اليهود أن يحظوا بالقبول من غير اليهود عليهم أن يقبلوا غير اليهود ويعتبرونهم مساوون لهم في الخلق والإنسانية والحقوق خاصة وان كثير من اليهود في القرن الحادي والعشرين لا زالوا يرفضوا أن يقبلوا غيرهم ويحاولون إحباط أي فكرة عملية للتعايش مع غير اليهود للضغط على باقي اليهود للعودة إلى جذورهم اليهودية ناهيك عن إثارتهم الخوف والفزع من الزواج بين الأجناس المختلفة حيث يعتبروا أنفسهم في هذا الجانب وبصورة فجة الشعب المختار ولهذا يعمدون الى تحقير الآخرين والتمييز ضدهم
في النهاية لن يتوقف اهراق دماء الاسرائيليون في المدن الفلسطينية المختلة كافة وفي غلاف غزة مالم تتوقف الة القتل والدمار والاعدام الميداني في مدن الضفة العربية وتحديدا جنين ونابلس اضافة الى وقف الانتهاكات الاستفزازية لمدينة لقدس واحيائها والمسجد الأقصى والحرم الابراهيمي واستهداف القطاع بالعدوان المتكرر والتمير المتواصل وضرورة انهاء الاحتلال وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة والكاملة في العودة وتقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشريف
بغير ذلك ستبقى روح الثورة والمقاومة والعمليات الجهادية المنظمة والفردية مشتعلة وسيبقى الدم يستسقي الدم وفي كل الأحوال فان المقاومة الفلسطينية بمختلف اشكالها وحاضنتها الشعبية جاهزين للرد على أي عدوان ومواجهة المخاطر والتحديات مهما عظمت وصولا الى كنس الاحتلال عن كل ارض فلسطين المغتصبة