أكاديميون يناقشون محطات في سيرة مصطفى وهبي التل في “شومان”
قدم أكاديميون قراءات جديدة ومختلفة في سيرة مصطفى وهبي التل “عرار”، وذلك في الندوة التي أقيمت برعاية وزيرة الثقافة هيفاء النجار، أول من أمس، بعنوان “عرار.. قراءة جديدة”، التي نظمها منتدى عبد الحميد شومان بالتعاون مع وزارة الثقافة.
وزيرة الثقافة هيفاء النجار، قالت “إننا نفاخر بإنجازات (عرار) وتميزه على مستوى العالم، فهو شاعر الأردن الذي طالما أحب وطنه وتغنى به، بل تغزل بقراه ونجوعه من شماله إلى جنوبه فاتحا ذراعيه بمحبة لإنسانه وأشجاره البرية وينابيعه الصافية، وكما أحب الأردن أحب فلسطين واحتضن قضيتها ودافع عن ثورتها ضد الظلم والطغيان، وهو السباق بنظرته الإنسانية الواعية وانفتاحه، ودفاعه عن حقوق الإنسان الأساسية”.
ومن جانبها، قالت الرئيسة التنفيذية للمؤسسة فالنتينا قسيسية “إن هذه الندوة التي تعيد قراءة الشاعر مصطفى وهبي التل (عرار) وبيئته وأعماله، تأتي بالشراكة مع وزارة الثقافة، بمناسبة اختيار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الشاعر عرار رمزاً عربياً للثقافة للعام 2022″، مبينة “نستذكر اليوم قامة أدبية عالية، أثرت في البيئة الثقافية الأردنية وأعطت لونا خاصا للشعر الذي نكتبه اليوم، أنه شاعرنا الكبير مصطفى وهبي التل (عرار)”.
تحت عنوان “الريادة والتنوير”، جاءت الجلسة الأولى التي أدارها الشاعر د. سلطان الزغول وشارك فيها أستاذ الأدب العربي ورئيس كرسي عرار في جامعة اليرموك الدكتور زياد الزعبي والناقد الدكتور يوسف البكار والناقد الدكتور محمد عبيد الله والدكتورة إيمان الكيلاني.
د. زياد الزعبي أشار، في ورقته، إلى الجهود السابقة التي تناولت عرار وشعره والتي مثلت جهدا دؤوبا للوصول إلى شعر عرار وآثاره، وتقصي جوانب حياته المتعددة الأبعاد، مشيرا إلى موضوع الغجرية، أو النورية، التي تمثل عنصرا محوريا من القضايا الكبرى في شعر عرار، حيث استندت إلى وعي معرفي بالموضوعة الغجرية وحضورها في الأدب العالمي.
فيما قال د. يوسف البكار “إن الدراسات التي كتبت عن عرار في السنوات الثلاثين الأخيرة، وأكثرها تمحور حول شعره، ظلت تدور في أُطر نمطية من البحث الذي يفتقر إلى المادة المعرفية المتعلقة به”، وقد تناول في ورقته محورين أساسيين: الأول عن حقيقة “خيامية” مصطفى وهبي التل، والآخر عن فضاءات موسيقية متنوعة في قوالب وأنماط ذات أهمية تاريخية تأثر الشاعر فيها بالرباعيات ومحاولات التجريب التي عاصرها وعرف عددا من شعرائها من “أبوليين”، “ديوانيين”، و”مهجريين”.
أما الناقد الدكتور عبيد الله، فنوه لارتباط شعر عرار الوثيق بالحياة اليومية وبالواقع المباشر الذي عاشه الشاعر في حياته الخاصة وفي علاقاته مع محيطه ومجتمعه وعصره، مبينا أن الشعر عند عرار تجربة يعيشها المرء ويكابدها، وليس بلاغة كلام أو صَنعة نظْم يلتمسه المرء في الكتب والمصادر والدواوين، مبينا أن بعض النقاد سمى هذا المذهب بشعر الحياة اليومية، وبشعرية التفاصيل، كما أنه يتصل بالبعد الشعبي والاجتماعي في الشعر، ويتصل بما أسماه المرحوم شوقي ضيف بـ”الطوابع الشعبية”، ونحو ذلك من تسميات ومقاربات تدور كلها فيما نحسب على معنى واحد متعدد الآفاق والدلالات والإمكانات.
ومن جهتها، تحدثت الدكتورة إيمان الكيلاني، في ورقتها المعنونة “ملامح التجديد في شعر عرار”، عن موقع شعر عرار بين الأصالة والتجديد، في سياقيه الزماني والمكاني، والتجديد الجواني للنص أكثر من البراني، لافتة إلى أن “التوازي” هو السمة الأسلوبية الكبرى التي شكلت سداة شعره ولحمته، وتخلقت استجابة لروح التمرد والثورة، ومفتاح شخصية عرار الذي حكم سيرورته الحياتية والشعرية، مستعرضة أشكال “التوازي” في شعر عرار، الذي جمع بين عراقة التمرد المترسخة في الهوية الشعرية العربية الموروثة، وألق التجدد الذي تفرضه الذات.
أما الجلسة الثانية فجاءت بعنوان “عرار بين الوطني والعروبي” وأدارتها الدكتورة إيمان عبد الهادي، وشارك فيها الشاعر والناقد الدكتور راشد عيسى والكاتب مفلح العدوان والناقد الدكتور مصلح النجار والباحث مجدي الرشدان، فيما تحدث د. راشد عيسى عن أثر عرار في اللاحقين من الأدباء الأردنيين موضوع النور نموذجا، مشيرا إلى تأثر كوكبة من الشعراء الأردنيين اللاحقين بشعر عرار.
أما مفلح العدوان فقد تحدث عن تشابك الجذري بين عرار الشاعر والمثقف والأديب، وبين عرار السياسي المتمرد الرافض، وهذا واضح عند قراءة إرثه المكتوب، وعند متابعة تفاصيل حياته بكل مراحلها، مشيرا إلى ما تضمنته وثائق وأوراق عرار التي تحيل الباحث والمهتم الى تفاصيل جديدة من مواقفه السياسية، مستعرضا عددا من الوثائق التي تتعلق بهذا الشأن والمحفوظة في كرسي عرار.
بينما استعرض د. مصلح النجار المرحلة التاريخية الأولى التي عاشها في نشأته الشاعر عرار، ولاسيما مرحلة من الزمن العربي تقاطعت مع الطغيان العثماني من جهة وبطش الانتداب الأجنبي واستبداد اليهود واغتصابهم فلسطين، منوها إلى البعد القومي للشاعر عرار الذي كان متلازما مع البعد الوطني الذي تمثل آنذاك بالرغبة في تأسيس كيان سياسي للأردنيين ينتمون اليه في ضوء تصاعد بالهويات الممثلة للأقاليم العربية، لافتا إلى ما تضمنه شعر عرار من تصوير لبشاعة ممارسات الانتداب في شرقي الأردن.
وتحدث الباحث مجدي الرشدان عن فن المقالة في أدب الشاعر عرار، مبينا أن هذا الفن الذي وقف بإزاء فنون أخرى -دون الشعر- ظهرت في إرث عرار، وتنحصر في: فن القصة القصيرة، وفن النقد الأدبي.
وحملت الجلسة الثالثة عنوان “الإنسانية في شعر عرار”، وأدارتها الشاعرة والناقدة الدكتورة مها العتوم، شارك فيها كل من: الدكتور نايف العجلوني والباحث نزار ربابعة والباحثة نور بني عطا، والدكتور عبدالباسط مراشدة الذي أشار إلى أن شعر عرار يلتبس ببعضه في مضامينه التي تشكل مفهوم المهمش؛ حيث نجد مفهوم المهمشين يلتبس بالغربة أو البعد الوطني أو القومي وهكذا، وهذه طبيعة الشعر بشكل عام ليس فقط عند عرار ولكن عند غيره من الشعراء القدماء والمحدثين.
ومن جهته، قال نايف الدكتور العجلوني “إن الشاعر (عرار)، كان يكتب خارج المجتمع، وهو من أول اللامنتمين في تاريخ شعرنا الحديث، ومن أول البوهيميين الذين امتلأ شعرهم بإرهاصات وجودية أصيلة، بحيث اقترن طلب اللذة لا بالإباحية والمجون، ولكن بتحرير الروح وتأكيد وجود الإنسان، بجوهر الحياة نفسه، إلى أن إطلاق صفات “اللاإنتماء” أو “البوهيمية” أو “الاغتراب” أو ما شابهها على تجربة عرار الحياتية والأدبية؛ إنما يؤكد نزعة “الخروج” المحايثة لهذه التجربة في إطار الحرية غير المشروطة”.
وقال د. نزار الربابعة “إن الشاعر (عرار) حظي بدراسات نقدية كثيرة، جعلته في مصاف كبار الشعراء، خاصة تلك الدراسات العديدة من قبل النقاد الأردنيين؛ مما يجعل البحث عن الجديد في شعر عرار أمرا في غاية الصعوبة”، مبينا أن الشعر الجيد الذي يرقى إلى مصاف العالمية، ويرتقي بشاعره إلى مصاف الشعراء الكبار، يظل شعرا حيا ومدار دراسة وبحث.
وتحدثت الباحثة نور بني عطا في ورقتها بعنوان “الاغتراب في شعر عرار” عن تجليات تعمق ظاهرة الاغتراب وطابعها الثوري في شعر(عرار)؛ إذ استطاعت هذه التجليات تجسيد حجم الألم الذي كان يعانيه الشاعر جراء غربتيه: الاختيارية والقسرية، فكان اغتراب عرار بمثابة رد فعل على تسلط قوى مجتمعية، وسياسية، طالتهما يد العبث من قبل بعض المغرضين على مجتمعه آنذاك، موضحة أن اغتراب عرار لم يكن استعراضا لبؤسه وحسب، بل كان يحمل بين جنباته فكرا من شأنه استنهاض الوعي في عقول الناس.
بينما تناول الجلسة الرابعة وهي بعنوان “عرار والمحيط الثقافي”، وأدارها مفلح العدوان، وشارك فيها الناقد الدكتور نبيل حداد، الناقد الدكتور سمير قطامي، الباحث عامر أبو محارب، الشاعر والناقد محمد جميعان الذي استعرض المساجلات الشعرية في تجربة عرار الشعرية، وأبرز الشعراء الذين ساجلهم عرار أو ساجلوه، وتقصى الأسباب والبواعث التي أدت إلى قيام هذا الفن ودور المغفور له الملك المؤسس في تغذية هذا الفن الشعري.
أما د. نبيل حداد، فقد تحدث عن الشاعر رفعت الصليبي وعناصر التجديد لديه، ولا سيما في عمله الإبداعي “حصاد الإثم” التي هي قصة ذات بداية وحبكة وعقدة وذروة، وشخوص وتنوع، وتعليقات تثري الحدث، وتوسع الدلالة، وتربط الوقائع بإطار الحياة أحكام القدر وحكمته، بل إن في هذا النص لحظة تنوير، ثم نهاية منطقية، لا تخلو من منزع أخلاقي ولكنه يساير معطيات البيئة ومقتضيات المنطق الخاص للقصة بحيث بدا الحل ملائما ومقنعا.
وبدوره، تناول الدكتور سمير قطامي دور الملك المؤسس بالنهوض بالحركة الأدبية والفكرية والصحفية، مشيرا إلى أن الشعر الأردني عكس في هذه الحقبة حسا وطنيا وقوميا قويا، قائلا: “إن حب الشعراء الأردنيين لوطنهم وتعلقهم به لم يتعارض مع مواقفهم القومية”، منوها إلى أن الشعر الأردني تجاوب بشكل قوي مع الأحداث والمجتمع، وبرزت فيه الروح الوطنية والقومية، والنزعة الإنسانية، كما دفعت ظروف الوطن وما مر فيه من أحداث، شعراءنا لأن يكونوا ملتزمين ذوي رسالة.
وقدم الباحث عامر أبو محارب مقاربة في مجمل القراءات الذي خصصت لقراءة شعر عرار في إطار أطروحات النقد الأدبي؛ في سبيل السعي إلى بلورة رؤية نقدية سابرة، تكشف عن بناها المعرفية، وأدواتها الإجرائية، لافتا إلى أن شعر عرار يمثل موضوعًا سِجاليا وفنيا معا، مقدما رؤية فاحصة لآفاق التلقي وإشكاليات التأويل التي أثارتها القراءات النقدية المتعاقبة لشعره؛ بغية الكشف عن طبيعة أنماط التلقي ونزوعات القراء بين ثناياها، وما تنطوي عليه من مقولات نقدية مؤثرة.
الغد
التعليقات مغلقة.