هيئة الخدمة والإدارة العامة متطلبات النجاح
د.عبدالله محمد القضاة
=
إقترحت اللجنة الوزارية لتحديث الإدارة العامة من ضمن مخرجاتها إنشاء “هيئة الخدمة المدنية والإدارة العامة” وكذلك تبني تشريعات داعمة للتغييرالإيجابي تستشرف المستقبل،وتوظف التكنولوجيا،وتضمن الإمتثال التلقائي للمعايير الفضلى ومواجهة المخاطر، كما تطلعت اللجنة الى إيجاد جهاز خدمة مدنية قادرة على اختيار الكفاءات المطلوبة وتعيينها وتنويع مصادرها وفقا لمبادئ الاستحقاق والتنافسية والشفافية وتكافؤ الفرص، لسرعة تلبية احتياجات الدوائر ورفدها بالكفايات والمهارات اللازمة للارتقاء بالأداء وتحقيق الأولويات.
أعتقد أن وجود الهيئة ضرورة إدارية، ولكن اللجنة لم تبين نوع التشريع الذي ستنشأ بموجبه هذه الهيئة، وما يزال البعض يتحدث عن تعديل نظام الخدمة المدنية، والتخوف أن يتم التعديل ليتم بموجب النظام إستبدال مسمى ديوان الخدمة المدنية بهيئة الخدمة والإدارة العامة؛ وعندها ستعيدنا للمربع الأول، ولا أعتقد أن أي نظام للخدمة المدنية سيكون قادرا على معالجة الأسباب الجذرية لتراجع أداء الإدارة العامة والتي تم تشخيصها من أكثر من مرجعية إستشارية في الدولة. الحل برأيي يكمن في تعديل قانون الادارة العامة لسنة 1965، بحيث تنشأ بموجبه الهيئة المشار اليها وترتبط برئيس الوزراء؛ وتعطى صفة الضابطة العدلية،وممارسة مهام الرقابة الإدارية والإستراتيجية غير منقوصة، ويكون من مهامها أيضا؛ الإشراف على تخطيط الموارد البشرية على مستوى القطاع العام وتحديد وضبط الطلب على الموارد البشرية وفق أفضل الممارسات الدولية، وكذلك إعتماد مؤشرات ومستهدفات الأداء الإستراتيجي ومستوى الخدمات المقدمة للجهاز الحكومي وإلزام الجهات الحكومية بذلك ، كما يلزم القانون المقترح مؤسسات الدولة بتطبيق سياسة وطنية للتوظيف ترتكز عل مبدا الجدارة والإستحقاق وتكافؤ الفرص، وهذا يعني حتما نقل صلاحيات التوظيف للدوائر والمؤسسات العامة، شريطة أن تراقب الهيئة على حسن سير الإجراءات وسلامتها، وتعطى حق إلغاء القرارات الإدارية المخالفة. وبموجب هذا القانون تكون الهيئة الخلف الإداري والقانوني لديوان الخدمة المدنية ، ويمنحها القانون كل متطلبات القوة المؤسسية ومنها ،على سبيل المثال لا الحصر، إعتماد الهياكل التنظيمية والأوصاف الوظيفية للدوائر والمؤسسات الحكومية، ومتابعة الأداء الإستراتيجي لدوائر ومؤسسات الإدارة العامة بعد إعتمادها للمستهدفات الوطنية. وقد يتساءل البعض عن المرجعية الدستورية لإنشاء الديوان ، حيث المادة (120) من الدستور تنص على ” التقسيمات الادارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها واسماؤها ومنهاج ادارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك” وبالتالي يتعذر إنشاء ديوان الخدمة المدنية بموجب قانون، ونظامه لايمكن أن يمنحه صفة الضابطة العدلية وبالتالي فهم بهذا التفسير يضعون العربة أمام الحصان. الحل الإداري والقانوني برأيي هو أن تنشأ الهيئة بقانون يعطيها جميع الصلاحيات الممكنة، وفي نفس الوقت تصدر أنظمة للموارد البشرية إستنادا للمادة (120) من الدستور ، وليس بالضرورة نظاما واحدا، فقد يكون هناك نظاما خاصا للمعلمين، وآخر لأطباء وزارة الصحة، وآخر للوظائف المساندة في الجهاز الحكومي وهكذا، وفي كل الأحوال تعطى الهيئة سلطة الرقابة على تطبيق هذه الأنظمة ، وعندها ستتولى كل وزارة/ دائرة تنفيذ عملية التوظيف بعد أن تأخذ موافقة الهيئة على شواغرها واوصافهم ومواصفاتهم متضمنة أجور الوظائف، ويكون التنافس على شغل هذه الشواغر من خلال الإعلان عنها في المحافظة/ اللواء وضمن إجراءات التوظيف التي يتم تشريعها وبأعلى درجات النزاهة والشفافية التي تعتمد على الكفايات الأساسية وليس الأقدمية وبعيدا عن عملية الدور المعمول بها حاليا. والقيمة الجديدة التي يمكن أن تضيفها هذه الهيئة للعدالة الوظيفية إضافة لما سبق، إتساع مظلة تطبيق رقابتها لتشمل إضافة لجهاز الخدمة المدنية كافة وظائف القطاع العام في جميع الهيئات والجامعات الرسمية،إضافة لأمانة عمان والبلديات، وكذلك الشركات الحكومية المملوكة بالكامل للحكومة أو مؤسسة الضمان الإجتماعي والتي تبلغ مساهمة الحكومة و أو الضمان في رأس مالها (50%) فأكثر، إضافة لإعتماد مؤشرات ومستهدفات الأداء الإستراتيجي الحكومي ومستوى الخدمات المقدمة؛ على أن تتولى الوحدة المعنية في رئاسة الوزراء متابعة هذا الأداء وفق المؤشرات والمستهدفات المحددة مسبقا، بالتنسيق مع وحدات التطوير المؤسسي في الدوائر الحكومية؛ وتقديم التقاريرالدورية لمجلس الوزراء بذلك. ومن متطلبات نجاح التوجه اللامركزي في التوظيف، بناء القدرات المؤسسية والبشرية لإدارات الموارد البشرية في الدوائر والمؤسسات العامة لتمكينها من القيام بهذه المهمة بكفاءة وفاعلية، ويمكن تبني خطة للتغيير والتهيئة بدءا بوزارتي الصحة والتربية ليكون الإنتقال تدريجيا ومدروسا ويرافقه خلق ثقافة جديدة داعمة وتوعية إعلامية ممنهجة. وفيما يتعلق بحوكمة عمل مجلس الخدمة المدنية، والذي لم تتطرق له لجنة التحديث؛ أقترح أن يعاد النظر بهيكلته من جانبين الأول: أن يتشكل من مملثين عن الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لتعزيز النهج التشاركي، والثاني: أن يقتصر دوره في إقتراح السياسات وتقديم الدراسات وأي توصيات تخص القطاع لمجلس الوزراء لإتخاذ ما يلزم بخصوصها؛ دون أن يكون له أي تدخل أو تأثير على الهيئة المقترحة. * امين عام وزارة تطوير القطاع العام ، مدير عام معهد الإدارة العامة سابقا. a.qudah@yahoo.com